في هذا السياق، اعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أمس الجمعة، عقب أدائه صلاة العيد في مقر الرئاسة، أن الدول التي صوتت للقرار استطاعت "رغم ما يقال عن ضعفها وتفككها، أن تقف موقفاً موحداً، وأن تنتصر في ما يتعلق بتوفير الحماية الدولية لشعبنا، التي مضى وقت طويل ونحن نطالب بها".
وأضاف "مطالبتنا بتوفير الحماية الدولية لشعبنا أمر مشروع، لأننا نريد من العالم أن يحمينا من العدوان، ومع ذلك فإن دولاً مثل أميركا ترفض مثل هذا القرار، ولكن هذه المرة تم تحقيق نصر مؤزر كغيره من الانتصارات التي حققناها في الأمم المتحدة". وشدد على ضرورة المضي قدماً لتطبيق القرار، مشيراً إلى أن الأمر "يحتاج إلى جهود وتضافر كل القوى من أجل استكمال هذا النصر الهام جداً الذي نهديه لشعبنا الصامد".
وفي السياق، قال وزير الخارجية والمغتربين رياض المالكي في تصريحات لوسائل الإعلام، يوم الأربعاء الماضي، إنه "استطعنا أن نحقق انتصارين، بإلحاق الهزيمة أمام المقترح الأميركي، لأنه يشكل سابقة خطيرة جداً في حال تم تمريره، وثانياً انتصرنا بالأغلبية الساحقة بوقوف العالم مع الشعب الفلسطيني".
وانطلقت القيادة الفلسطينية من استراتيجية محددة وهي وضع المجتمع الدولي ومؤسساته في مواجهة مع الأدوات ذاتها التي أقرّها هذا المجتمع، وحدّدها عبر قانونه الدولي كأساس لحلّ أي صراع، على الرغم من أن هذه الاستراتيجية جاءت متأخرة لسنوات طويلة جداً، إلا أن القيادة الفلسطينية درجت على وضع كل خياراتها في سلة المفاوضات وأهملت هذه المسارات طويلاً.
وجاء خيار القيادة للذهاب إلى كل ما هو ممكن من أدوات القانون الدولي بعد أن أدركت تماماً أن الولايات المتحدة، بإداراتها المتعاقبة، لن تعطي الفلسطينيين أي حق أو استحقاق عبر المفاوضات مع إسرائيل. وقال رئيس إدارة الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة في وزارة الخارجية الفلسطينية، السفير عمر عوض الله، في حديث مع "العربي الجديد": "نسعى أن يكون المجتمع الدولي ومؤسساته متسق مع أدواته وهي القانون الدولي، وأن تقرر مؤسساته ولجانه أن إسرائيل مجرمة حرب وتمارس النظام العنصري على الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
منذ إعلان ترامب اعترافه بالقدس في ديسمبر/ كانون الأول الماضي بدأت فلسطين تواجه الولايات المتحدة في مجلس الأمن والجمعية العامة. وقال عوض الله إنه "في نهاية شهر ديسمبر 2017 عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن اعترافه بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، وقرر نقل سفارته إلى هناك، صوّتت كل دول مجلس الأمن لإدانة القرار باستثناء الولايات المتحدة. وبعد ذلك ذهبت دولة فلسطين إلى جلسة متحدون من أجل السلم، وأخذ هذا القرار إجماعاً دولياً ضخماً، ووقفت إسرائيل والولايات المتحدة فقط في مواجهة المنظومة الدولية، وبذلك تكون الولايات المتحدة قد خسرت المواجهة الثانية". الهزيمة الثالثة للولايات المتحدة التي شكّلت سابقة في مجلس الأمن كانت عندما اقترحت واشنطن قراراً للحماية وصوّتت وحدها لصالحه في مواجهة كل أعضاء مجلس الأمن الذين صوتوا ضده.
وقال عوض الله إن "الولايات المتحدة حاولت أن تضيف على قرار الحماية بنوداً تدين حركة حماس وإطلاقها للصواريخ وتتهمها بإنشاء بنى تحتية عسكرية، فرفعت يدها لوحدها في مجلس الأمن أمام 15 دولة". وتابع "والآن قامت الولايات المتحدة بمحاولات بهلوانية عبر إضافة تعديلات إلى مشروع قرار حاولت إضافة حركة حماس إليه، وهذا غير مقبول وطنياً ولا فلسطينياً، فحاولت أن تقوم بذلك إجرائياً، ونحن أسقطنا ذلك إجرائياً أيضاً".
لكن وزارة الخارجية الفلسطينية أصرّت على أنها لا تسعى لهزيمة الولايات المتحدة في الساحات الدولية، بل إن أميركا قررت هزيمة نفسها عندما وقفت ضد القانون الدولي، واختارت أن تواجه العالم بالوكالة عن إسرائيل.
وفي السياق، قال عوض الله إن "فلسطين ليست وحيدة، وما تقوم به متسق مع القانون الدولي ويستند إلى قرارات الشرعية الدولية".
وفيما يبدو الغضب الإسرائيلي عارماً أمام قرار الحماية الدولية الذي أقرته الجمعية العامة بالأغلبية، تؤكد القيادة الفلسطينية أن هذا القرار ليس نقطة بداية ولن يكون النهاية في معركة فلسطين القانونية والدبلوماسية في العالم.
ووفقاً لعوض الله، فإن "هذا القرار ليس بداية الجهود ولن يكون نهايتها، بل يأتي استكمالاً لجهود سياسية وقانونية فلسطينية حثيثة، ازدادت وتيرتها في ديسمبر الماضي بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال والذي شجع إسرائيل على المضي بغيها، ما أدى إلى إزدياد وتيرة الحملة السياسية والقانونية والدبلوماسية الفلسطينية للرد".
تبدو الخطوات الفلسطينية متتابعة، فبعد ذهاب فلسطين إلى مجلس حقوق الإنسان، أصدر الأخير قراراً بتشكيل لجنة تحقيق دولية في 24 مارس/ آذار، ثم تلاه في 22 مايو/ أيار تقديم طلب الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية في طلب للعدالة الدولية ومساءلة مجرمي الحرب الإسرائيليين.
وفي منتصف مايو أيضاً، قدّمت فلسطين شكوى ضد إسرائيل باعتبارها "نظاماً استعمارياً ونظاماً عنصرياً ويمارس ممارسات عنصرية ضد الشعب الفلسطيني. وهي المرة الأولى التي تقدّم دولة شكوى ضد دولة أخرى بسبب ممارساتها العنصرية، إذ قدمت فلسطين الشكوى أمام لجنة التمييز العنصري في جنيف، وهذا يعتبر تفعيلاً لعضوية دولة فلسطين في هذه الاتفاقية. وقال عوض الله إنه "بناء على الشكوى تقوم اللجنة بمخاطبة إسرائيل وتقديم الشكوى لها بشكل رسمي بأن هناك دولة طرف في الاتفاقية، أي فلسطين، قدمت شكوى ضد ممارساتك العنصرية، وتم تزويد اللجنة بجميع الممارسات العنصرية التي تقوم بها إسرائيل ومعها 3 أشهر للنظر في الشكوى، وفي حال لم ترد إسرائيل خلال هذه المدة، فإن اللجنة تقوم بتشكيل لجنة خاصة لدراسة دقة الشكوى تستغرق أشهراً عدة من أجل البت في الشكوى وإثبات أن إسرائيل نظام عنصري".
وبحسب السفير الفلسطيني "نحن الآن في مجلس الأمن والجمعية العامة نطالب بالحماية، ونطالب الدول الأطراف المتعاقدة على اتفاقيات جنيف باتخاد مواقف بناء على عضويتها في الاتفاقيات، وهو ما يلزمها أن تحترم وأن تضمن احترام قواعد القانون الدولي، وقرار حماية الشعب الفلسطيني يأتي ضمن هذه الماكينة التي تعمل لإدانة الاحتلال الإسرائيلي".
وحول الخطوات المقبلة لفلسطين تجاه توظيف هذه القرارات في الضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل قانونياً وسياسياً، قال عوض الله: "هناك خطوات قانونية ودبلوماسية مقبلة، وهي أن على الأمين العام للأمم المتحدة أن يضع في أسرع وقت دراسة حول الآلية الدولية للحماية الدولية، وبعد ذلك نأخذ هذه الدراسة ونذهب بها مرة أخرى إلى الجمعية العامة ونقول لهم نريد تنفيذ ما قدمه الأمين العام من دراسة، ويجب أن تقدم هذه الدراسة أو الرؤية خلال ستين يوماً". ولفت إلى أنه في إطار القتال الدبلوماسي والقانوني على الأرض في مواجهة النظام الاستعماري الإسرائيلي وأكبر تجلياته الاستيطان، سوف يصدر المفوض السامي لحقوق الإنسان قاعدة بيانات من خلال لجنة التحقيق الدولية التي يجب أن تقدم تقريراً وتحدد من هو المجرم الذي قام باستهداف المدنيين الفلسطينيين العزل وقتلهم بدم بارد".
وختم عوض الله حديثه قائلاً إنه "لدينا المحكمة الجنائية التي نرى أنه من الضروري جداً أن تبدأ في فتح التحقيق القضائي والجنائي تجاه دولة الاحتلال بناء على الإحالة للمحكمة الجنائية في 22 مايو الماضي، وبناء على كل ما سبق تكون فلسطين قد استخدمت كل قواعد القانون الدولي من أجل مساءلة إسرائيل وكشفها للدول التي ما زالت مصابة بالعمى السياسي ولا تريد أن ترى إسرائيل على حقيقتها كمجرمة حرب تنفذ بجرائم ضد الإنسانية".