وقالت المصادر لـ"العربي الجديد" إن إثيوبيا والسودان سلمتا المكتب الفني قائمة بالتساؤلات والملاحظات والاعتراضات المتعلقة بالتقرير الاستهلالي، خلال الشهر الماضي، وكان من المقرر أن يودع المكتب الاستشاري الأسبوع الماضي تقريراً برده الكامل على تلك الاعتراضات، إلا أنّ مصر فاجأت الدولتين الأخريين بإرسال خطاب لجميع الأطراف بوجود ملاحظات لها على التقرير الاستهلالي في ما يتعلّق بفترة ملء الخزان الأولى بعد إنشاء السدّ، مما اضطر المكتب الفني إلى طلب مزيد من الوقت لإيداع التقرير بعد إضافة الملاحظات المصرية.
وأضافت المصادر أنّ هذه الخطوة المصرية تأتي في إطار "التعطيل التكتيكي" بالتوازي مع تصاعد وتيرة اتصالات مصرية-إثيوبية على مستوى استخباراتي وسياسي رفيع، لمحاولة تبديد الخلافات والتوصّل إلى حلّ محدد لإدارة فترة ملء الخزان الأولى قبل عقد الاجتماع التساعي الجديد المقرّر في القاهرة، وذلك لتسهيل التفاوض بين الدول الثلاث. ويأتي ذلك بالتوازي أيضاً مع استمرار المباحثات بين ما يسمى "المجموعة الوطنية المستقلة للدراسات العلمية" التي شُكّلت بصورة سرية من 15 عضواً، بواقع 5 ممثلين لكل دولة، وتختصّ بتقديم توصيات علمية لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث حول عملية ملء الخزان، واستغلال الموارد المائية المشتركة في تنمية الدول الثلاث، وفق معايير عادلة، والتأكّد من عدم انعكاس عملية ملء الخزان بالضرر على أي طرف.
وذكرت المصادر أن الأجواء الإيجابية التي سادت المباحثات الأخيرة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، في لقائهما الأسبوع قبل الماضي بالقاهرة، فتحت المجال لاتصالات شخصية مستمرة بين مديري الاستخبارات في البلدين، عباس كامل وآدم محمد، للتنسيق قبل الاجتماع التساعي، بالتوازي مع دخول مصر كطرف فاعل للوساطة بين إثيوبيا وإريتريا، ولعب الاستخبارات المصرية دوراً في فتح السوق الإثيوبية للاستثمارات السعودية والإماراتية، فضلاً عن تطوير دورها في إدارة الاستثمارات المصرية في إثيوبيا.
وأشارت المصادر إلى أنّ البلدين لم يتفقا حتى الآن على طريقة محددة لإدارة فترة الملء الأولى للخزان، وهذه هي المشكلة التي تدعو مصر لاتخاذ هذه الخطوة بالتعطيل التكتيكي، أملاً في ألاّ تهدر القاهرة فرصة التقارب الاستثنائي مع المجموعة الحاكمة الجديدة التي صعد بها أبي أحمد، فتهدر بالتالي فرصة تحديد طريقة ملء السدّ خلال الاجتماع التساعي المقبل، الذي تريده مصر أن يكون حاسماً.
ومازال الإرجاء الدائم لوضع حلول للقضية تضمن عدم الإضرار بمصلحة مصر، يقلق الدوائر الحكومية في القاهرة. فقمة السيسي وأحمد، وكذلك الاجتماع التساعي السابق في أديس أبابا، لم يتطرّقا بصورة مركّزة للخلاف حول ملء الخزان، بل أحيل الأمر إلى اجتماعات لاحقة للتعليق على التقرير الجديد المنتظر من المكتب الاستشاري. وبالتالي، تمّ إرجاء حسم مقترح كانت قد تداولته اللجنة الفنية لوزراء الري يتضمن مشاركة مصر في تحديد الكميات التي سيتم تخزينها بشكل ربع أو نصف سنوي قبل فترة الملء الكلي، وأن يكون لها الحق في مراقبة دقة تنفيذ ذلك الجدول، ولا يكون لمصر أو السودان حقّ تغيير تلك الكميات خلال العام، ولا يكون لهما الحق في طلب وقف ملء الخزان في أي مرحلة.
وتروّج وسائل الإعلام المصرية المقربة من السلطة، لنجاح القمة ومن قبلها الاجتماع التساعي، وتعمد لإشاعة أجواء إيجابية بشأن قرب التوصّل إلى اتفاق يراعي حقوق مصر المائية، وذلك لامتصاص القلق والغضب الشعبي الذي تولّد بعد إصدار السيسي الشهر الماضي قانوناً يفتح الباب لمنع زراعة أصناف معينة من الأرز والقصب وباقي المحاصيل المستهلكة لكميات كبيرة من المياه، الأمر الذي أصاب المجتمع بالإحباط من احتمال استسلام النظام للأمر الواقع الذي تحاول إثيوبيا فرضه.
وكان السيسي قد صرح في 29 يناير/كانون الثاني الماضي، بأنه "لم تكن هناك أزمة من الأساس حول سدّ النهضة"، بعد اجتماع في أديس أبابا مع نظيره السوداني عمر البشير، ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي ميريام ديسالين، على هامش حضورهم قمة الاتحاد الأفريقي، مخالفاً بذلك كل التصريحات الرسمية المصرية التي أبدى فيها المسؤولون قلقهم وغضبهم من انسداد المسار التفاوضي، وميل الخرطوم لمواقف أديس أبابا، وعدم مراعاتهما المخاوف المصرية من تفاقم الفقر المائي، في ظلّ استمرار أعمال بناء السدّ التي وصلت إلى 65 في المائة، بحسب المسؤولين الإثيوبيين.