تستعد الحكومة الأردنية الجديدة، برئاسة عمر الرزاز، والتي صدر مرسوم ملكي بالموافقة على تشكيلها الخميس الماضي، لخوض ماراثون الحصول على ثقة مجلس النواب (الشق الأول للبرلمان)، والذي سيُعقد بدورة استثنائية في التاسع من الشهر المقبل.
وصدر مرسوم ملكي، الأربعاء، بدعوة مجلس الأمة بشقيه، النواب والأعيان، للانعقاد في دورة استثنائية في التاسع من يوليو/تموز المقبل، وعلى جدول أعمالها موضوع واحد فقط هو تقدم الحكومة بطلب إلى البرلمان للحصول على الثقة.
وبموجب الدستور الأردني، على الحكومة التقدم بطلب للحصول على ثقة مجلس النواب خلال شهر من تشكيلها.
ويبدو أن حكومة الرزاز، وبحسب شخصيات سياسية واقتصادية، تريد التهيئة لطلب الحصول على ثقة مجلس النواب بالتخلص من أحمال ثقيلة ورثتها عن الحكومة السابقة برئاسة هاني الملقي، التي استقالت على وقع الاحتجاجات، إضافة إلى إطلاق رسائل تطمينات للشارع بعزم الحكومة تخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، والحد من نهج الجباية القائم على فرض الضرائب وزيادة الأسعار.
ولعل قرار الحكومة، الخميس الماضي، بسحب قانون ضريبة الدخل المثير للجدل من مجلس النواب كان أولى الخطوات التي رأى بعضهم أنها إيجابية للتأسيس لمرحلة جديدة من صدقية الوعود الحكومية، حيث كان الرزاز في ثاني يوم لتكليفه برئاسة الحكومة قد تعهد بسحب القانون فور تأدية الطاقم الوزاري اليمين الدستورية أمام العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.
ومن باب تطمين الشارع واستيعاب حالة الاستياء التي رافقت الحكومة منذ تشكيلتها، والتشكيك بقدرتها على انتشال البلاد من أزمتها السياسية، فقد قصد رئيس الحكومة، وبحسب مصدر مطلع، من خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده الثلاثاء الماضي، التأكيد مبكراً على التزام الحكومة باتخاذ قرارات تخفف الأعباء عن المواطنين وتحقيق فائض مالي للخزينة بعيداً عن جيوبهم، في محاولة للتقرب من الشارع الذي أصبح يخرج للتظاهر والاحتجاج وتشكيل قوى ضغط بشكل غير مسبوق قد تطيح أي حكومة تتجاهل مطالبه، ولا تستجيب لحاجاته في تحقيق التنمية.
وخلال المؤتمر الصحافي، قال الرزاز إنه تم وضع تقرير خاص من قبل وزارة المالية لخفض النفقات العامة بحوالي 210 ملايين دولار العام الحالي، وذلك من إجمالي النفقات الحكومية.
وأضاف رئيس الحكومة الأردني أن الحكومة ستتخذ عدداً من القرارات بهدف تحقيق فائض مالي للموازنة العامة بشكل سنوي، وذلك في إطار الإصلاحات الاقتصادية التي يتم العمل على أساسها في هذه المرحلة، مضيفا أنه وجه الجهات المختصة لدراسة وإعادة النظر في قانون التقاعد المدني، وبشكل خاص تقاعد الوزراء، معتبرا أن حصول الوزير على راتب تقاعدي مقابل أي مدة يخدمها ولو كانت قصيرة "أمر غير صحيح، ويجب تصويبه".
وشدد الرزاز على أن الحكومة بدأت بدراسة أثر قرار إلغاء الإعفاءات الجمركية لـ"سيارات الهايبريد"، والذي تم اتخاذه بداية العام الحالي، ملمحا إلى أن قرارا سيصدر لإعادة الإعفاءات الأسبوع المقبل وفقا لإعلان سيصدر عن وزير المالية.
وبشأن قانون الضريبة، أوضح أن الحكومة تلقت ردا من مجلس النواب الأربعاء يتضمن إعادة قانون الضريبة إلى الحكومة بناء على طلبها، حيث سيتم فتح حوار معمق حول القانون قبل إقراره مرة أخرى، وبما يراعي العدالة الضريبية، إلى جانب دراسة الوعاء الضريبية بشكل عام، فضلا عن تعديل نظام الخدمة المدنية.
إلى ذلك، قال رئيس مجلس النقباء، علي العبوس، لـ"العربي الجديد"، إن "إرجاء مناقشة قانون الضريبة الجديد وعدم عرضه على جدول أعمال الدورة البرلمانية المقبلة خطوة بالاتجاه الصحيح، وتشكل مطلبا أساسيا للنقابات المهنية التي قادت حراكا عاما مؤخرا لإسقاط القانون الذي أحالته الحكومة السابقة إلى مجلس النواب".
وأضاف أن "قانون الضريبة يحتاج إلى دراسة وتأن، بحيث لا يتم إلحاق أي ضرر بالمواطنين والقطاعات الاقتصادية والنقابية، وعدم تحميل الشرائح الفقيرة ومحدودة الدخل أي أعباء إضافية".
وشدد على أنه: "لن نسمح بتمرير قانون للضريبة يستهدف المواطنين ويضر بمختلف القطاعات".
ولا يعتقد العبوس بقدرة الحكومة على مواجهة التحديات الاقتصادية بالشكل المطلوب، مشيرا إلى أنها ستواجه صعوبات في ذلك، وأن "الفائض الذي تحدث عنه الرزاز سيكون وللأسف على حساب إلغاء مشاريع أساسية يحتاجها المواطن، كالصحة والتعليم والمياه، وغيرها".
ويرى المتحدث ذاته أن "الحكومة ستواجه أيضا انتقادات من قبل مجلس النواب لدى مناقشة بيانها الوزاري الذي ستقدمه للحصول على الثقة على أساسه".
وكان عدد من النواب قد أعلنوا نيتهم حجب الثقة عن الحكومة، أبرزهم النائب يحيى السعود، الذي قال إنه لن يمنح الثقة للحكومة فيها وزير طالب بإسقاط النظام، في إشارة إلى وزير الاتصالات مثنى الغرايبة، أحد قادة الحراك في الأردن منذ هبة الربيع العربي.
ويعتقد مراقبون أن الحكومة وإن كانت ستواجه انتقادات من قبل عدد من النواب، إلا أنها ستحصل على ثقة مجلس النواب بأغلبية متوقعة بـ74 صوتا من أصل 140، عدد أعضاء مجلس النواب، وربما يزيد الرقم عن ذلك بحسب تواصل الحكومة مع النواب المترددين بمنح الثقة.
في سياق متصل، تنصلت الحكومة، على ما يبدو، من مشروع القانون المعدل لقانون الجرائم الإلكترونية الذي يتضمن تعديلات من شأنها "تكميم الأفواه والتضييق على الحريات العامة في البلاد"، بحسب معارضين.
وقد نشرت الحكومة خبرا الأربعاء من خلال الوكالة الرسمية "بترا" تؤكد فيه أنها أحالت مشروع القانون المعدِل لقانون الجرائم الإلكترونيّة لسنة 2018، والأسباب الموجبة له، إلى مجلس النواب بتاريخ 28 مايو/ أيار الماضي، بحسب المخاطبات الرسمية الصادرة عن رئاسة الوزراء، أي أن القانون محال من الحكومة السابقة، وأن مسؤولية مناقشته وإقراره تقع على عاتق مجلس النواب.
وأبلغ مصدر مطلع "العربي الجديد" أن مجلس الوزراء ناقش في اجتماعه الثلاثاء كيفية التعامل مع هذا القانون الذي يرفضه الشارع الأردني والوسط الصحافي والإعلامي إلى أن جرى اقتراح ترك الأمر للبرلمان للتعامل معه كونه محالا إليه من الحكومة السابقة، وأن سحب القانون غير لائق للحكومة بعد أن سحبت قانون الضريبة.
وكان الأردن قد شهد احتجاجات غير مسبوقة استمرت لمدة أسبوعين ضد سياسات الحكومة السابقة الاقتصادية وقرارات رفع الأسعار وقانون ضريبة الدخل، إلى أن تدخل الملك عبدالله الثاني ونزع فتيل الأزمة بإلغاء قرار رفع أسعار المحروقات وإقالة حكومة هاني الملقي.
ولاقت تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة برئاسة الرزاز انتقادات واسعة فور الإعلان عن أعضائها، وسط توقعات بعدم قدرتها على إدارة الملفات الاقتصادية في البلاد، والتي كانت سببا في الاحتجاجات الشعبية التي شهدها الأردن قبل أسبوعين وأدت الى استقالة حكومة الملقي.
وما زاد حدة الانتقادات للحكومة أن 16 وزيرا من أعضائها، هم من وزراء الحكومة السابقة التي كانت الأقل شعبية بين الحكومات الأردنية، بحسب استطلاعات الرأي العام، كما أنها تسببت في تأزيم الشارع بصورة لم تحدث منذ هبة إبريل/ نيسان عام 1989، حيث اندلعت احتجاجات على سياسات الغلاء ورفع الأسعار.
وبحسب شخصيات اقتصادية وسياسية، فإن تشكيلة الحكومة طغى عليها جانب العلاقات الشخصية، بعيدا عن معايير الكفاءة، حيث جاء الرئيس بشخصيات يبدو أنها غير وازنة اقتصادياً ولا سياسياً، لكن عمله في عدة أماكن، مثل البنك الأهلي الذي يملك غالبية أسهمه رجائي المعشر، وكذلك منتدى الاستراتيجيات الأردني، وغيرها، قد شكلت المنطلق الأساس في اختيار الفريق الوزاري.
وعبرت شخصيات عن عدم ثقتها بالحكومة وقدرتها على انتشال البلاد من الأزمة الاقتصادية، ولا سيما في ظل حالة عدم التجانس المرجح أن تظهر إلى العلن مبكرا، ما يشكل عائقا أمام تحقيق تقدم على صعيد الملفات الاقتصادية الثقيلة التي ورثتها حكومة الرزاز، وأهمها ارتفاع عجز الميزانية وتفاقم المديونية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
إلى ذلك، قال النائب مصطفى ياغي، في منشور على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "عندما يطل علينا الرئيس بما مجموعه (16) وزيراً من حكومة الإفقار والجباية المستقيلة، فما الذي سيتغير؟ وما هو المأمول من حكومة كهذه؟!".
وقال المحلل الاقتصادي حسام عايش لـ"العربي الجديد": "فعلا نحن أمام تعديل وزاري موسع"، مشيرا إلى أن "المرحلة المقبلة لا تبعث على التفاؤل، خاصة أن 15 وزيرا من حكومة الملقي كانوا قادرين على تعطيل أي قرارات اقتصادية، مثل قانون ضريبة الدخل الذي أثار احتجاجات واسعة في البلاد".
وأضاف: "من المرجح أن يغيب التجانس عن الحكومة، وتحديدا فريقها الاقتصادي، الذي يقوده شخص عابر لعدة حكومات منذ عام 1974، والفكر الاقتصادي الذي يؤمن به لم يعد يصلح لهذه المرحلة، وبالتالي فإن المزاوجة بين النهج الاقتصادي القديم والنهج الذي يؤمن به الجيل الجديد سيكون صعب داخل حكومة الرزاز".