وتتعلق القضية التي نظرت فيها المحكمة، اليوم، بالضحية رشيد الشماخي من حركة "الاتجاه الإسلامي" (النهضة حاليًا)، الذي توفي تحت التعذيب في قضية وصفت، وفق متابعين، بأنها الأبشع والأكثر فظاعة.
ورغم مضي 27 سنة على وفاة الشماخي في مقر فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس بمحافظة نابل، فإنه أعيد فتح الملف، وتم الاستماع إلى شهود عدة، في الوقت الذي غاب فيه الجلادون عن الجلسة.
وحضر الجلسة قياديون من حركة النهضة، وعديد من المحامين والنشطاء، وعائلة الشهيد الشماخي، كذلك انتظمت خيمة رمزية أمام المحكمة، وألقيت محاضرات عدة، ورفع فيها كثير من الشعارات، من قبيل: "الشهيد ترك وصية لا تنازل عن القضية"، و"كلنا رشيد الشماخي"، و"يا شمّاخي ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح".
وقال نجيب مراد، القيادي في حركة "النهضة"، وأحد الذين واكبوا جلسة الشماخي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ أهم ما تطمح إليه اليوم عائلات الضحايا هو كشف الحقيقة وحقيقة الانتهاكات الجسيمة والممارسات التي وقعت وأدّت إلى استشهاد كثير من التونسيين، مضيفاً أنّ "جلسة اليوم عرفت حضوراً كبيراً من قبل المهتمين بمسار العدالة الانتقالية، وأن البعض كان يظن أن مثل هذه المحاكمات ستكون شكلية، ولكنها كانت غاية في الجدية، وتم الاستماع إلى عديد من الشهود".
وبيّن مراد أنه على الرغم من غياب المتهمين، الذين يفوق عددهم الـ33 متهماً، ومن بينهم وزراء وأمنيون ومسؤولون وأعوان حرس فرقة التفتيش بنابل، المنسوب إليهم التعذيب؛ فإن القضاء سينصف عائلة الشهيد، وستصدر الأحكام، ولو غيابياً، وساعتها لا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم.
وأوضح مراد أنّ "نسق جلسات الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية سيشهد ارتفاعاً غير مسبوق، إذ سيتم يوم 5 يوليو/ تموز بابتدائية تونس النظر في قضية مقتل الشهيد مولدي بن عمر، ويوم 6 يوليو/ تموز ستخصص جلسة لقضية فيصل بركات، و12 يوليو/ تموز للشهيد عثمان بن محمود، وهو أول شهيد يسقط في حركة "الاتجاه الإسلامي" في عام 1986، إضافة إلى عديد من الجلسات التي تم تحديد موعدها تباعًا بداية من شهر أيلول/ سبتمبر".
وقال مراد إنّ "الممارسات التي كانت تقع في مراكز الأمن من تعذيب وتنكيل يجب أن تكشف للرأي العام، ويحاسب المجرمون، لكي لا تتكرر، وأن تتم ملاحقة الرئيس المخلوع بن علي الذي مارس أبشع جرائم القتل والتعذيب"، مشيراً إلى أنّ بعض النقابات الأمنية أصدرت مؤخراً بياناً موجهاً إلى هيئة الحقيقة والكرامة، ونددت من خلاله بمحاكمة الأمنيين، إلا أنه كان بمثابة الرسالة لكي لا يحضر المتورطون مثل هذه المحاكمات، في محاولة للتملص من المحاسبة"، مضيفاً أن "مثل هذه القضايا لا تسقط بالزمن والهدف ليس التشفي، بل كشف الحقيقة والمحاسبة".
وكشف عضو هيئة الدفاع في قضية اغتيال رشيد الشماخي، سمير ديلو، أن الأخير تم إيقافه وتعذيبه بشكل شنيع، مبيناً في تصريح إعلامي أن المتهم الرئيسي في هذه القضية لم يتم إيقافه إلى غاية اليوم، على الرغم من أن مكانه يبدو معلوماً للمحامين، مضيفاً أن هناك مجالات للتستّر عليه.
وأضاف أنّه "بعد الثورة تمت إعادة فتح ملف قتل الشماخي، وحصلت مفاجآت لم تحصل سابقاً، وهي أن المتهم، وهو رئيس الفرقة التي قامت بالتعذيب، فرّ من مكتب حاكم التحقيق، ولم يتم إيقافه"، مشيراً إلى أن "الغاية ليست التشفي بل تطبيق القانون ومعرفة الحقيقة".
واعتبر ديلو أن "الغريب هو أن ذلك تم في وقت سابق لتدليس أوراق القضية، لإبعاد شبهة التعذيب، والادعاء أن الشماخي توفي نتيجة فشل كلوي وإصابته بمرض البوصفير، والضغط على الأطباء لتدليس الشهادات الطبيّة".
ويشار إلى أن رشيد الشمّاخي من مواليد 5 مارس/ آذار 1963 بمحافظة نابل، وتوفي تحت التعذيب في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 1991 بمركز الحرس والتفتيشات في نابل، رغم محاولة إسعافه بالمستشفى الجهوي في المحافظة، وتعتبر وفاته من أبشع الوفيات التي وقعت على أيدي النظام السابق في تونس، وتمت في ظروف غامضة ومشبوهة.