ودشن عبد الحكيم بن شماش، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة المعارض، القوة السياسية الثانية في البلاد، زعامته للحزب بعد انتخابه أخيراً بنَفَس ساخن، إذ يخطط لتقديم التماس رقابة لإسقاط الحكومة، وفق مقتضيات الدستور التي تنص على هذه الإمكانية لمصلحة المعارضة بشروط. وينص دستور المملكة، في نسخته الأخيرة لسنة 2011، على السماح لخمس أعضاء البرلمان بتقديم التماس الرقابة، ولا تصح الموافقة على الالتماس من قبل مجلس النواب، إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، مورداً أن الموافقة على التماس الرقابة يؤدي إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية.
وفي تاريخ البرلمان المغربي، منذ الاستقلال، تم استخدام التماس الرقابة مرتين فقط، الأولى سنة 1964 ضد حكومة الراحل محمد باحنيني، والثانية في العام 1990 ضد حكومة عز الدين العراقي، لكن أياً من الالتماسين لم يفض إلى إسقاط الحكومة، إذ لم تتوفر حينها الشروط القانونية. كما أنهما لم يحظيا بالتصويت من لدن الأغلبية المطلقة. وحقق حزب الأصالة والمعاصرة النصاب القانوني الذي يتيح له توقيع التماس الرقابة، إذ يتجاوز عدد نواب الحزب خمس عدد أعضاء مجلس النواب المشكل من 395 عضواً، كما أنه بصدد التباحث مع نواب آخرين يمكنهم أن يدعموا فكرة إسقاط الحكومة عبر التماس رقابة. وباعتبار أن النص الدستوري يؤكد على أن الموافقة على التماس الرقابة من قبل مجلس النواب لا تحصل إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء، فإن حزب الأصالة والمعاصرة يطرق حالياً باب حزب الاستقلال المنضم حديثاً إلى المعارضة، ونواب آخرين ينتمون إلى أحزاب الأغلبية، لكن لديهم انتقادات لطريقة التدبير الحكومي، من أجل تحقيق الأغلبية المطلقة لتمرير التماس الرقابة.
ورأى بن شماش، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن عدداً من المعطيات يؤشر إلى فشل الحكومة الحالية، ليس أقلها غضب المغاربة حيال تدبيرها لقطاعات مرتبطة بهم، بدليل استمرار حملة المقاطعة والتذمر المتزايد من الغلاء، علاوة على فشل الحكومة في بلورة تصور واضح للنموذج التنموي الذي طالب به الملك، ثم الفشل في تطبيق مقررات الاجتماعات الجهوية في البلاد. وقال مصدر مقرب من رئيس الحكومة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه من حق المعارضة أن تكثف أساليبها، إن كانت دستورية وقانونية، للوقوف ضد مسار الحكومة، مبرزاً، في المقابل، أن "الحكومة لا تلتفت إلى مثل هذه الدعوات والتحركات، فشعارها الرئيسي هو الإنصات والإنجاز، كما يقول العثماني دوماً في مداخلاته وتوجيهاته للوزراء".
ولم يتوقف الأمر عند حدود البحث عن تمرير التماس للرقابة فقط، بل صاغ نشطاء حقوقيون وفاعلون سياسيون عريضة مليونية وجهوها إلى الملك بعزل الحكومة بشكل عاجل، باعتباره "ممثل الأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو الساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين". ومما ورد في العريضة الموجهة إلى القصر "نطالب بإسقاط الحكومة التي جاءت لتفقير الشعب المغربي، وضرب القدرة الشرائية منذ تشكيلها، والتي أهان وزراؤها الشعب المغربي في عدة خرجات (تصريحات) إعلامية تضمنت أوصافاً قدحية أطلقها بعض الوزراء ضد الداعين إلى المقاطعة".
وعلق المحلل السياسي والأستاذ في جامعة مراكش، عبد الرحيم العلام، على الموضوع، بالقول إن العادة جرت في المغرب بأنه كلما استفحلت أزمة سياسية، بادر البعض للمطالبة بحل البرلمان وإسقاط الحكومة، وغالباً ما تكون الجهات الرافعة لهذا المطلب إما أحزاباً في المعارضة وإما نشطاء عاديين. وأوضح العلام، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأحزاب ترفع هذا المطلب في إطار مسايرة الشارع ومحاولة الظهور بمظهر المدافع عن قضايا الناس، لكنها تعلم بأن هذا المطلب بعيد التحقق، بسبب أنه ليس لديه العدد الكافي لإسقاط الحكومة عبر التماس الرقابة، وليس من الوارد أن تتقدم بطلب كهذا إلى الملك، لأنه جرى العرف ألا تملي الأحزاب المشاركة في اللعبة السياسية على الملك ما ينبغي فعله.
وأشار العلام إلى أن المواطنين ينقسمون إلى فئتين: الأولى تضم من يطلبون من الملك إسقاط الحكومة، من دون أن يكون لهم علم بالإجراءات القانونية للاستجابة لهذا المطلب، فمثلاً يريدون أن يقوم ملك المغرب بما قام به ملك الأردن، لكنهم لا يعلمون أن الملك المغربي لا يحق له دستورياً إقالة رئيس الحكومة وإنما فقط حل البرلمان. والصنف الثاني، هم من يرفعون شعار إسقاط الحكومة من دون التوجه بالطلب نحو الملك، لأنهم على وعي بأن الحكومة هي حكومة الملك وأنها لا تنفذ إلا المخططات التي يشرف عليها القصر، وهذه الفئة تكون مناوئة للنظام برمته، وهنا يمكن الحديث عن الهيئات السياسية الموجودة خارج اللعبة السياسية، من قبيل جماعة العدل والإحسان واليسار الراديكالي، وحتى بعض المستقلين. وتابع "يمكن القول إن مطلب إسقاط الحكومة الحالية، بسبب غلاء الأسعار أو بسبب المقاطعة، وإن كان مطلباً مشروعاً لكل مواطن يشعر بأن حقوقه مهضومة، فإن الظروف الحالية تجعل الاستجابة الملكية لهذا المطلب غير واردة ليس لأسباب دستورية وحسب، ولكن أيضاً لأسباب سياسية". وأوضح أن "حكومة العثماني أنفق عليها الكثير من أجل أن تقف على رجليها وأن تجابه الأزمات، ولا سيما ما أصبح يعرف بأزمة البلوكاج أو الانسداد، وأسبابه وتداعياته، وبالتالي فإن أي إبعاد للحكومة الحالية من شأنه أن يدخل النظام السياسي المغربي في أزمة جديدة، وقد يعيد الروح لشخصيات سياسية يراد لها الابتعاد عن المشهد السياسي، من قبيل (رئيس الحكومة السابق عبد الإله) بنكيران و(الزعيم السابق لحزب الاستقلال حميد) شباط، فضلاً عن انتعاش الهيئات السياسية التي تنشط خارج الحياة السياسية الرسمية".