وتزداد المخاوف من أن يكرر الرئيس الأميركي العرض الذي مارسه في قمة السبع في كندا، والذي يبدو أنه أصبح نمطا يتبعه ترامب للضغط على الأوروبيين، في ظل التباعد في الطروحات بين الجانبين.
وتبقى الأولوية عند الأوروبيين للوضع الأمني، بعدما بات أمن أوروبا على المحك.
وفي السياق، يعتبر مراقبون، بينهم كلوديا مايجور، المدير المساعد في مؤسسة العلوم والسياسة (إحدى المؤسسات البحثية الألمانية في قضايا السياسة الخارجية والأمنية)، بحسب ما ورد في صحيفة "دي تساي"، أنّ هذه القمة تهدّد بـ"الانحراف عن الروتين، والسبب الرئيس ترامب"، لأنه "يتجاهل قواعد السلوك التقليدية"، وبعدما ترسّخت قناعة مفادها أنّ "أوروبا تتعامل مع رئيس أميركي لا يختلف فقط بشكل جوهري، ولكن لديه اهتمام أقل بفكرة التحالف".
وتتخوف مايجور من أن "الأساس المشترك عبر الأطلسي بدأ ينهار، لأن الفوارق بين أهداف السياسة الخارجية ومبادئ الأوروبيين والولايات المتحدة آخذة في الازدياد، وهذا شيء مقلق، وبدأت خطورته تتجاوز حلف الأطلسي"، ويتجلى ذلك، بحسب محللين، ليس فقط عبر تصويب ترامب على الخلاف حول الإنفاق العسكري الأوروبي، والذي عادة ما يفيد شركات الأسلحة الأميركية، وإنما على الكثير من الملفات التي تخص أوروبا، بينها سياسة اللجوء، والانتقادات الدائمة واللاذعة لألمانيا، في وقت يجب التركيز على تحقيق الاستقرار في مناطق الأزمات ومكافحة الإرهاب، وتنسيق التعاون بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي حول قضية تقاسم الأعباء، أي التوزيع العادل للجهد المطلوب للدفاع المشترك في الحلف".
ويرى خبراء في الشؤون الاستراتيجية الأوروبية أن "ترامب من النوع المختلف من السياسيين، وله لغة مباشرة للغاية في التخاطب. وعليه يجب على أوروبا أن تظهر تماسكها وتضامنها فعليا تجاه بعضها البعض في الأزمات".
ووفق ما تداولته الصحافة الألمانية، فإن اعتقاد ترامب أن الأوروبيين ينفقون القليل جدا، وأن أمنهم ممول من قبل الولايات المتحدة، يشكل أحد أهم خطوط الصراع، والمطلوب أولا إظهار التضامن كمطلب رئيسي لقدرة الحلف على التصرف بمصداقية، وهذا ما هو مفقود حاليا، بعد أن عمد الرئيس الأميركي إلى "اللعب منفردا" بإعلانه أولًا الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ التي يتشبث بها الأوروبيون، إلى إلغاء واشنطن، ومن جانب واحد، الاتفاق النووي الإيراني، وتجاوز الموقف الأوروبي الداعم للاحتفاظ بالاتفاق، وأيضا التضييق على الصناعات الأوروبية عبر فرض التعريفات الجمركية على الصلب، فضلا عن التهديد بفرضها على السيارات.
وفي هذه الموضوعات أيضًا بدأت تختلف أفكار النظام الأميركي عن الأوروبي بشكل متزايد، إلى الصعوبة في ربط القضايا الاقتصادية بالسياسة الأمنية، إذ يربط ترامب انتقاداته بالفائض التجاري الألماني، مع انخفاض الإنفاق الدفاعي الألماني.
وهنا ينتقد الأوروبي حقيقة أن الولايات المتحدة مصممة على زيادة الحمائية في قضايا التجارة، مثل فرض التعريفات.
هذا الواقع يدفع إلى القول إن هذه الصراعات سيكون لها تأثير مباشر على صلاحيات حلف الأطلسي، باعتباره أحد أهم جواهر الهيكل الأمني المشترك، وبعدما بات التعامل مع وجهات نظر مختلفة وليس فقط اختلافا في الرأي.
ويتوقع أنه، وفي حال عدم دعم أوروبيين "بما فيه الكفاية" للولايات المتحدة، فيمكن لواشنطن أن ترفض إعلان القمة أو تشكك في مساهماتها، وستأخذ عندها الأمور منحى دراماتيكيا، لأن الدفاع الأوروبي يعتمد عسكريا على الولايات المتحدة.
ومن الناحية السياسية، سيزداد الانشقاق التنظيمي عبر الأطلسي، ما يحتّم على الجميع أن يكون على استعداد لفترة طويلة من التوترات النسبية بين الجانبين، لا سيما إذا ما لجأ ترامب إلى تنفيذ تهديداته بطريقة عملية وسحب قوات بلاده، بعدما سرت تكهنات في الأيام الأخيرة حول انسحاب القوات الأميركية من مركز الطيران في رامشتاين، ومركز القيادة في هايدلبرغ الألمانيين.
وقد تهز هذه التطورات، إذا ما تواصلت، بشكل خطير بنية التحالف التي تم بناؤها على مدى عقود، ما يخدم الجانب الروسي، بحسب الخبير في مركز كارنيغي أوروبا، توماس كاروثرز، في حديث صحافي، إذ قال إن "الهدف الاستراتيجي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين شق وحدة الصف بين أميركا وأوروبا، وليس السيطرة على دول البلطيق كما يشاع"، علما أن أوروبا في حالة ترقب لما سينتج عنه الاجتماع الذي سيجمع الرئيسين الأميركي والروسي، في أول قمة رسمية لهما، في العاصمة الفنلندية هلسنكي خلال الأيام القادمة.
في المقابل، خفف رئيس حلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، أخيرا، في مقابلة مع استديو "إي آر دي" في بروكسل، من "التصعيد المحتمل"، وشدد على أنه "رغم كل شيء، فإن التحالف لن ينكسر وسيبقى على قيد الحياة"، وأنه "يمكن الحفاظ على الصداقة بين جانبي الأطلسي، والعمل لتحقيق التعاون والاستقامة للوضع القائم"، قبل أن يعترف بأن أحد أهم الموضوعات المفضلة لدى ترامب "الحديث عن الإنفاق الدفاعي من جانب الأوروبيين، وبخاصة ألمانيا".
وفي هذا السياق، يرى معلّقون في الشؤون السياسية الألمانية أن شعور الولايات المتحدة باستغلالها من قبل شركاء الأطلسي، وبالأخص ألمانيا، موضوع قديم، حتى إن باراك أوباما، الذي سادت فترته الرئاسية علاقة من الود والاحترام مع المستشارة أنجيلا ميركل، اشتكى أيضا من الوضع القائم، ومن اعتماد الآخرين على واشنطن.
ويبدو اليوم أن أوروبا باتت تعي أن الوضع تغير، وأن هناك نية للعمل بمخرجات قمة حلف شمال الأطلسي في ويلز عام 2014، والالتزام بزيادة الإنفاق على الدفاع إلى ما نسبته 2% من الناتج القومي المحلي بحلول العام 2024، وهو التوجه الذي أعلن عنه أخيرا وزير المالية الألماني أولاف شولز، أي أن برلين على المسار الصحيح، وأن ميزانية الدفاع آخذة في الازدياد بحوالى 4 مليارات، لتصل إلى 42,9 مليار يورو في العام 2019، وترتفع عندها نسبة المساهمة في الإنفاق الدفاعي ضمن حلف شمال الأطلسي إلى 1,31%.