ماذا وراء "القبضة الناعمة" لروسيا والنظام في الجنوب السوري؟

13 يوليو 2018
قيادي: دخول الشرطة الروسية جزء من الاتفاق(محمد يوسف/فرانس برس)
+ الخط -
تعيش محافظة درعا في الجنوب السوري أوضاعا قلقة، في ظل مواصلة النظام وروسيا جهودهما للسيطرة على ما تبقى من مدن وبلدات عبر "المصالحات" وترقب لاندلاع المعارك مع جماعة "جيش خالد" في حوض اليرموك على نطاق واسع، في ظل تواصل القصف على مناطقه من جانب قوات النظام.

ومع ترقب ما سوف تسفر عنه مفاوضات النظام وروسيا مع ممثلي ما تبقى من بلدات في ريف درعا الغربي الشمالي، فضلا عن محافظة القنيطرة، فإن ثمة غموضا يلف ما أنجز من "مصالحات" حتى الآن، سواء في الريف الشرقي أم درعا المدينة ومحيطها، وصولا إلى بلدات الريف الغربي.

ويواصل مقاتلو المعارضة الاحتفاظ بسلاحهم مع تسليم "رمزي" لبعض قطع السلاح الثقيل والمتوسط للجانب الروسي، في خطوة غير معهودة من جانب قوات النظام في تعاملها مع أهالي ومقاتلي المناطق الثائرة، فسره أحد القادة الميدانيين في الجنوب خلال حديثه مع "العربي الجديد" بأنه "يعكس سياسة التمسكن إلى حين التمكن"، مؤكدا أنه "لا يمكن الوثوق أبداً في نيات النظام ولا روسيا في ظل تجارب المناطق السابقة".

وبعد إنجاز "المصالحة" في درعا البلد أمس الخميس، وقبلها في بلدات طفس واليادودة والمزيريب في الريف الغربي، دخلت إنخل وكفر شمس بالريف الشمالي في مشاريع المصالحة. فيما سيطرت قوات من النظام على تلي عنتر والعلاقية شمال غربي كفر شمس، وسط أنباء عن اشتباكات جرت هناك مع مقاتلين من "هيئة تحرير الشام"، الذين انسحب معظمهم باتجاه ريف القنيطرة، بعد توالي دخول بلدات درعا في مصالحات مع النظام وروسيا، ما جعل وجودهم "غير مرحب" به في تلك البلدات في ظل رفض "الهيئة " المصالحةَ، وطرحها خيار المواجهة العسكرية، وسط أنباء عن عرض قدم إليها بترحيل مقاتليها إلى محافظة إدلب في الشمال السوري.

وكان من المنتظر أن تخرج اليوم دفعة أولى من المرحلين إلى الشمال، لكن تم تأجيل العملية إلى يوم غد، وفق ما أفاد "العربي الجديد" ضابط منشق، أدرج اسمه في قوائم المرحلين، بناء على طلبه.

"زيارات إعلامية" للنظام تتبع الدخول الروسي

وما يلاحظ حتى الآن، أن قوات النظام لم تتمركز في البلدات التي دخلتها، بل دخلت في "زيارات إعلامية"، أي للتصوير فقط وإظهار سيطرتها على تلك البلدات، ثم سرعان ما تنسحب، علما أنها لا تدخل إلا بعد دخول ضباط وعناصر روس إلى المنطقة، واتفاقهم مع الفصائل الموجودة فيها على دخول قوات النظام. 

وبحسب قائد ميداني شارك في جزء من المفاوضات مع الروس، قال لـ"العربي الجديد"، إن دخول الشرطة العسكرية الروسية ومن ثم قوات النظام إلى تلك المناطق، هو جزء من الاتفاق الذي وقع مع الروس في السادس من هذا الشهر، بغية تثبيت وقف إطلاق النار، ومن ثم تفعيل الخدمة المدنيّة عبر مؤسسات الدولة من مستشفيات ووقود وغير ذلك.


وقال ناشطون إن ضباط قوات النظام الذين دخلوا أمس إلى درعا البلد بحماية الشرطة العسكرية الروسية سرعان ما غادروا المنطقة بعد رفع علم النظام على مركز البريد قرب الجامع العمري الذي انطلقت منه الثورة السورية ضد النظام عام 2011، وأن المنطقة ما زالت من الناحية العسكرية تحت سيطرة فصائل المعارضة محتفظة بسلاحها الثقيل حتى الآن، مشيرين إلى أن المنطقة ما زالت محاصرة، ولم يتغير فيها شيء عن الوضع السابق.

استثناء الجيزة

وقالت صفحات موالية للنظام إن أحدهم أقدم على إنزال علم النظام بعد خروج الضباط ومزق صور رئيس النظام بشار الأسد، قبل أن يتم رفعه مجددا.

والاستثناء الوحيد لـ"السياسة الناعمة" التي تتبعها قوات النظام وروسيا في مناطق درعا البلد والريف الغربي ما حصل في بلدة الجيزة (شرق درعا) أمس، حيث قامت قوات النظام بحملات تفتيش طاولت منازل المدنيين، واعتقلت شخصين قبل أن تفرج عنهما في وقت لاحق.

وفسر خالد الفراج، وهو قائد أحد الفصائل في الجنوب السوري، هذه السياسة بأنها أسلوب يتبعه النظام وروسيا بهدف السيطرة على محافظة درعا، متوقعا أن "يتم الغدر بالأهالي والمقاتلين حالما تستتب الأمور لهما في الجنوب".

بدروه، قال المنسق العسكري في الجبهة الجنوبية أبو توفيق الديري لـ"العربي الجديد" إن درعا جرى تسليمها بـ"الخيانة"، وأن قوات النظام التي دخلت المحافظة لم تكن لتستطيع السيطرة عليها نظرا للتفوق الكبير لقوات المعارضة، وفي ظل انهيار معنويات قوات النظام وخشيتها من الموت في درعا.

ورأى الديري أن سياسة "المهادنة" التي اتبعها كل من النظام وروسيا إنما هدفت إلى الاستعانة بأدوات من أهل درعا لمعاونتها على حكم المنطقة الشاسعة التي دخلها تحت القصف الروسي وليس بقوته، مشيرا إلى أن الروس نجحوا في شراء بعض القيادات السياسية والعسكرية عبر وعدهم بمناصب وهمية وامتيازات "لا يمكن أن تصنف إلا في باب الخيانة العظمى لدماء الشهداء"، بحسب تعبيره.


خطة روسية لجيش موحد

وكانت بعض المعطيات ذكرت أنه تم تقسيم درعا من جانب روسيا إلى ثلاثة قطاعات، من بلدة نصيب إلى مدينة بصرى الشام تكون تحت سيطرة وقيادة "قوّات شباب السنة" بقيادة أحمد العودة، ومن حدود بلدة نصيب إلى قرية خرب الشحم تحت سيطرة وقيادة "غرفة البنيان المرصوص" بقيادة أبو منذر الدهني، ومن حدود خرب الشحم إلى حوض اليرموك تحت قيادة "جيش الثورة". 

وفي هذا السياق، كشفت مصادر في المعارضة السورية لوكالة آكي الإيطالية أن روسيا منحت أحمد العودة صلاحيات واسعة، وهي تخطط لتشكيل جيش موحد قد يكون في وقت لاحق نواة الجيش الذي ستعتمد عليه روسيا في سورية خلال المرحلة الانتقالية، وهو يتكون بحسب الوكالة، من قوات العودة، وقوات النمر التي يقودها العميد في جيش النظام السوري سهيل الحسن، وقوات درع الفرات المدعومة من تركيا.

وبحسب هذه المصادر، فإن جيش النظام السوري والميليشيات الإيرانية لن يكون لهما وجود في جنوب سورية في هذه القطاعات، وسيقتصر وجودهما على مناطق محدودة، وأن لدى فصائل المعارضة تطمينات روسية بعد السماح لتلك القوات ولا المليشيات الإيرانية بالتحرك خارج الإطار الجغرافي المحدد لها.

وعلّق القيادي خالد الفراج على هذه المعلومات، بقوله إن الصورة ما زالت غير واضحة، وإن كانت روسيا أعطت بالفعل صلاحيات وسلطات لبعض قادة فصائل المعارضة مقابل موافقتهم على عقد تسويات في الجنوب، وعدم الدخول في مواجهة عسكرية مع قوات النظام.