في المقابل، فإنّ جهود رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في احتواء التظاهرات في أسرع وقت ممكن قبل إعلان النتائج الرسمية لعمليات العدّ والفرز اليدوية لأصوات الناخبين المتوقعة الأسبوع المقبل، بدت واسعة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. وأكّد وزير عراقي بارز في بغداد لـ"العربي الجديد"، أنّ العبادي "يحاول إخماد التظاهرات في الجنوب قبل الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات"، مضيفاً أنّ "الاحتجاجات وما جرى في الجنوب أضعفت موقف العبادي كثيراً في مساعيه للحصول على ولاية ثانية، رغم أنه لم يأت لمصلحة أي من خصومه السياسيين أيضاً، مثل نوري المالكي وهادي العامري، الذين تعرّضت مقراتهم للحرق ورفعت شعارات ضدّهم من قبل أهل الجنوب".
وتابع الوزير، الذي تمّت تسميته ضمن الوفد الوزاري العراقي للتباحث في السعودية حول ملفات عدة من بينها الكهرباء والوقود لتعويضها بعد تنصّل إيران من تزويد العراق بالطاقة، أنّ "رئيس الوزراء على اطلاع كامل ودراية بالعنف المستخدم من قبل الأمن ضد المتظاهرين، وهو يحاول إخماد التظاهرات من خلال صدّها بواسطة قوات الأمن، وأيضاً قرّر فتح مكاتب توظيف في مدن الجنوب، وستنطلق خلال الساعات المقبلة في البصرة والنجف وكربلاء ومدن أخرى، لجان تتسلّم طلبات التوظيف لخريجي الجامعات ومن هم دون سنّ 35 عاماً من العاطلين عن العمل، ضمن خطوات احتواء الغضب الشعبي الحالي". ولفت إلى أنّ "رئيس الوزراء يطمح للحصول على هدنة ولو لعشرة أيام، وتهدئة الشارع، وهو يُجري حالياً اتصالات مع زعامات قبلية وشخصيات دينية شيعية، إلا أنّ الأخيرة لم تتجاوب معه، وهو ما يجعل الجميع يحبس أنفاسه من خطبة الجمعة المقبلة في مدينة النجف، التي سيلقيها ممثّل (المرجع الديني علي) السيستاني، وستكون بالتأكيد حول الاحتجاجات في الجنوب".
ميدانياً، شهدت الاحتجاجات يوم أمس الأربعاء تراجعاً واضحاً عمّا سبقها من أيام في مختلف مدن الجنوب. وأرجع ناشطون ذلك إلى حملات الاعتقالات التي وصفها بعضهم بـ"المريعة" من قبل قوات "سوات" والجيش والشرطة الاتحادية وفصائل في "الحشد الشعبي" تزعم أنّها تلاحق من أحرق مقراتها التسعة بمدن جنوب العراق.
وتركزت الاحتجاجات أمس في الزبير وأبو الخصيب وشط العرب بمحافظة البصرة، وفي المثنى عند مدينة السماوة، وفي النجف على نحو ضعيف ولوقت بسيط بعد أنّ تم قمعها بقوة، فيما نجحت قوات الأمن في تفريق المحتجين داخل الأزقة والأفرع الضيقة، مع إصابة عدد منهم بجروح جراء إطلاق النار. أمّا في ذي قار، فقد تخلّل الاحتجاجات اجتماع لزعماء قبائل وعشائر مختلفة، طالبوا فيه الحكومة بالكشف عن الجهة المتورطة في إطلاق النار على المحتجين، والتي تسبّبت بقتل وإصابة العشرات من أبناء تلك العشائر.
وفي هذا الإطار، قال الناشط من بابل، ديار المشهداني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "التظاهرات لا تزال مستمرة في المدينة، ولكن الحكومة تحاول أن تضعفها من خلال بثّ الرعب في نفوس المحتجين، عبر الإيعاز لعناصر الحشد الشعبي المسحلين، والتهديد بشكل مباشر أو غير مباشر، وإلصاق تهمة الانتماء للبعث وداعش، أو وجود مندسين ووهابيين وغيرها من هذه الروايات، وهو ما أرعب الكثيرين"، مضيفاً أنّ "حراس مقرّات حزب الدعوة الذي يديره المالكي، تسلحوا واستعانوا بعجلات جديدة للجيش، وقاموا بتأمين مقارهم في القاسم والهاشمية وباب الحسين، ويبدو أنهم متأهبون لفتح النار الحي علينا، في حال اقتربنا من مقارهم". وأشار المشهداني إلى أنّ "أعداداً من الصدريين حاولوا الدخول ضمن صفوفنا، ولكنهم تعرضوا للطرد بواسطة وجهاء ومعلمين متظاهرين".
وفي البصرة، حيث كانت الشُعلة الأولى للتظاهرات، أكّد الشيخ سالم مزبان المحمداوي، وهو من وجهاء المدينة، أنّ "مجلس عشائر البصرة، شكّل لجنة عليا للاعتصامات السلمية، لاتخاذ اللازم في حال عدم إيفاء الحكومة بوعودها بتلبية مطالب الأهالي". وأوضح في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "بعض شيوخ العشائر (العموم) في البصرة، اجتمعوا وتمّ تشكيل لجنة عليا للتظاهرات السلمية والاعتصامات، وأكدوا خلال الاجتماع رفض استقبال أي من السياسيين أو ممثلي الأحزاب، لا سيما الحزب الشيوعي والتيار الصدري، كونهم خذلوا الناس ولم يشاركوا معهم في حراكهم العفوي، رغم أنهم كانوا طيلة السنوات الماضية من دعاة التظاهر والاحتجاج"، لافتاً إلى أنّ "أهالي البصرة احتجوا، بعد صبر طويل على فشل وتقصير الحكومة مع أغنى منطقة في العراق".
أمّا في النجف، حيث سجّلت أعلى نسبة من الاعتقالات، فقد أقدمت مليشيا "العصائب"، على اعتقال نحو 60 محتجاً ليلة الثلاثاء ــ الأربعاء، بحسب الناشط علي العلياوي، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إنّ "تظاهرة سلمية انطلقت عند الساعة التاسعة من مساء الثلاثاء بمدينة الكوفة، وكان الحاضرون فيها عزّلا ولا يحملون سوى اليافطات التي تحمل مطالبهم، لكن التظاهرة انتهت بعد ساعة واحدة، مقابل مستشفى ابن بلال القريب من جامعة الكوفة، بعد تفريق المتظاهرين باستخدام الغاز المسيل للدموع، وإطلاق الرصاص في الهواء، واشتراك العصائب في ضرب المحتجين بالعصيّ". وأوضح العلياوي أنّ "الرجال الذين يرتدون العقال العربي، الذين قابلوا العبادي من أجل شرح مطالب المتظاهرين، لا نعرفهم ولا يمثّلون النجف، لأن شيوخ العشائر المشاركين باحتجاجات النجف يرفضون اللقاء بأي شخصية سياسية".
ولفت إلى أنّ بعض عناصر "العصائب"، "استقلوا سيارات الدفاع المدني، وأطلقوا المياه الحارة على المتظاهرين، ما تسبب بحروق أصابت بعضهم، ما اضطرهم إلى الانسحاب، وذلك في ساحة الصدرين بمركز النجف". وفي بغداد، اتهم عضو المجلس المحلي في بغداد، سعد المطلبي، منظمي تظاهرة مدينة الشعلة ببغداد، بـ"محاولة القيام بأعمال شغب"، ولمّح إلى "ارتباط التظاهرة بحزب البعث". وقال المطلبي، وهو مقرب من المالكي: "لدينا معلومات أنّ مجموعة خرجت يوم أمس (الثلاثاء) في مدينة الشعلة ببغداد لمحاولة إثارة أعمال الشغب وتحريض المواطنين على التظاهر، ولكن عقلاء القوم والكتل السياسية الموجودة هناك رفضوا الخروج، ودفعوا الشباب إلى العودة لمنازلهم"، مشيراً إلى أنّ "القوات الأمنية قامت بإطفاء الحرائق المفتعلة والصغيرة التي قام هؤلاء بإضرامها وانتهت القضية".
واعتبر المطلبي أنّ "المناخ في بغداد لا يسمح بمثل هذه التظاهرات، والكتل السياسية لا تريد تظاهرات بهذا الحجم في العاصمة مع قرب تشكيل الحكومة العراقية"، فيما رأى أنّ "هناك احتمالا بأن ثمة كتلة سياسية تحرّض المواطنين على التظاهر، في محاولة منها للوصول إلى تحالفات سياسية". وربط المطلبي، تظاهرة الشعلة في بغداد، بـ"حزب البعث" من خلال تاريخ 17 يوليو/تموز، الذي انقلب فيه "البعث" على حكومة عبدالرحمن عارف في العام 1968. وقال: "ليس جميع المتظاهرين يعرفون معنى هذا التاريخ، وأغلب من شاركوا في تظاهرة يوم أمس أطفال صغار، ولكن قد يكون من حرّك الشباب له اهتمام بهذا التاريخ".
إلى ذلك، دعا العبادي خلال المؤتمر الأسبوعي الذي يعقده في المنطقة الحكومية الخضراء، المتظاهرين "للتعاون مع الحكومة الاتحادية في كشف المندسين ومن يستهدف الأمن والمال العام"، لافتاً إلى أنّ "الحكومة بحاجة كبيرة للتعاون مع المواطن لمواجهة الفاسدين". وأضاف أنّ "الذين يعتدون على مؤسسات الدولة في التظاهر السلمي قلائل وهدفهم الإساءة إلى البلاد".
(شارك في التغطية من ذي قار، عباس القريشي)