تُشير الأوراق والتعهدات التي يطلب النظام السوري من الراغبين بإجراء "تسوية" معه في مناطق المعارضة التي يسيطر عليها، إلى رغبة شديدة لديه بالسيطرة التامة على طالب التسوية، وجمع كل المعلومات الممكنة عنه ومنه، ودفعه إلى تقديم اعترافات عن نفسه وعن زملائه ومحيطه بشأن تورطهم في عمليات مناهضة له.
كما تطلب الأوراق التي يطلب من صاحب التسوية التوقيع عليها، التعهد بعدم المشاركة في أي أعمال عسكرية أو مدنية مناوئة للنظام، بما في ذلك التظاهر السلمي أو النشاط على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتطلب الوثائق من صاحب العلاقة التعهد بعدم القيام بأعمال التظاهر و"الشغب" أو التحريض على ذلك، وعدم إثارة "النعرات الطائفية أو المذهبية أو القومية"، وعدم التلفظ بعبارات مسيئة للقيادة السياسية أو العسكرية التابعة للجيش أو القوات الرديفة، وعدم كتابة أي منشورات ضد "الدولة السورية"، و"عدم استخدام وسائل الإذاعة أو الاتصالات والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أو أي وسائل أخرى في أعمال تمس الأمن"، إضافة إلى عدم حيازة أسلحة دون ترخيص أو تهريبها أو المشاركة في عمليات ضد الجيش والأمن، و"الإبلاغ الفوري عن كل ما يمس الأمن"، وفي حال الإخلال بأي بند من البنود السابقة تعتبر التسوية لاغية ويلاحق صاحبها أمام الجهات المختصة.
كما يطلب من "صاحب التسوية" التوقيع على وثيقة أخرى تلزمه بالإفادة المفصلة بشأن هويته ودوره "في الأحداث الجارية، ومشاركته في أعمال الشغب والإرهاب"، وما "يعرفه عن المنظمات الإرهابية المسلحة وقادتها ومقراتها" وعن مستودعات الذخيرة .
كما يطلب من "صاحب التسوية" الإفادة بالتفصيل عن "أقاربه المتورطين بالأحداث الجارية في القطر"، وما يعرفه عن "الإرهابيين غير السوريين وأماكن وجودهم، وأماكن وجود المخطوفين من مدنيين وعسكريين، وعن العناصر والضباط الأجانب ممن يقدمون الدعم للمجموعات المسلحة، وأماكن وجود الأنفاق داخل المدينة، واستخدام المجموعات المسلحة للسلاح الكيميائي".
وتشير هذه الوثائق إلى تطابق عروض "التسوية" التي يعرضها النظام في درعا والقنيطرة مع بقية المناطق، ما يبدد ما حاول بعض قادة الفصائل ممن اندفعوا منذ البداية إلى الدخول في مصالحات مع النظام السوري، إشاعته بأنهم حصلوا على شروط أفضل من بقية المناطق، وأن التفاهمات مع روسيا سوف تتيح لهم الاحتفاظ ببعض السلاح، وستكون لهم بعض السلطة في مناطقهم.
وقال الناشط عمر الحريري، لـ"العربي الجديد"، إن بعض المفاوضين مع روسيا والنظام يحاولون تسويق وعود كاذبة بأن النظام لن يستعيد السيطرة على كل المناطق في الجنوب بكامل الصلاحيات، كما المناطق الأخرى.
ورأى أن البعض يحاول "اختراع بنود غير موجودة أساساً، للتخفيف من وقع الاستسلام الذي وقعوا عليه، ومحاولة ادعاء أنهم حققوا مكاسب لا وجود لها".
واعتبر الحريري أن كل ما يتم تداوله إعلامياً عن مناطق ستبقى تحت سيطرة فصائل، أو مناطق ستدخلها قوات وقف إطلاق نار وتبقي الفصائل فيها، هو كلام عارٍ من الصحة، عازياً تأخر النظام في استلام الأسلحة من بعض المناطق التي وقعت اتفاقيات، إلى "انشغاله في توقيع اتفاقيات جديدة والهجوم عسكرياً على مناطق أخرى"، متوقعاً أن يتم البدء باستلام كل الأسلحة تدريجياً حتى الوصول إلى حالة عدم وجود أي رصاصة خارج سيطرة النظام، بحسب تعبيره.
كما نفى الحريري ما يردده البعض عن إمكانية وجود حالة مدنية مستقبلاً خارج سيطرة النظام في الجنوب السوري، ناصحاً أي شخص ليست معه هوية شخصية اليوم بالاستعجال بحلّ مشكلته، ومتوقعاً ألا يعترف النظام بأي عمليات جرت في محاكم ومديريات المعارضة خلال المرحلة السابقة، مثل تسجيل الولادات وعمليات البيع للسيارات والأملاك الأخرى.