أطلقت سيطرة النظام السوري على جنوبي البلاد، موجة من التهجير لم تنتهِ فصولها بعد، فبعدما اختار مقاتلون من المعارضة ومن "هيئة تحرير الشام" الخروج وعائلاتهم من تلك المنطقة إثر فرض اتفاق "تسوية" عليهم من روسيا والنظام، فإن المخاطر المترتبة على وصول النظام إلى الجنوب أجبرت عناصر الدفاع المدني (المعروفون بالخوذ البيضاء) على الخروج من المنطقة، عبر عملية إجلاء دولية باتجاه الأردن، خصوصاً أن النظام كان قد عمد، خلال المرحلة الماضية، إلى توجيه اتهامات كبيرة لهذه المنظمة، وصلت إلى حد القول إن "جهاديين" منضوون في صفوفها. أما عملية التهجير من محافظتي القنيطرة ودرعا، وعلى الرغم من أنها تحصل بضمانة روسية، غير أنها كانت عُرضة، أمس الأحد، لاستهداف إيراني، عندما اعترضت مليشيات موالية لطهران، لساعات، طريق قافلتين من المحافظتين كانتا متجهتين إلى الشمال السوري، قبل أن يتدخّل ضباط روس لتمكين القافلة من متابعة سيرها. وبالتوازي مع ذلك، كانت قوات النظام تقصف بشدة منطقة حوض اليرموك، حيث يسيطر "جيش خالد" المبايع لتنظيم "داعش"، ما أسفر عن مقتل عدد من المدنيين، لكنها أخفقت في إحراز أي تقدّم على الأرض.
ومع تزايد المخاطر على عناصر "الخوذ البيضاء" الذين كانوا في الجنوب السوري، تم ليل السبت-الأحد إجلاء المئات منهم إلى الأردن عن طريق إسرائيل، لإعادة توطينهم في ثلاث دول غربية هي بريطانيا وألمانيا وكندا. وأكد مدير "الخوذ البيضاء"، رائد صالح، لـ"العربي الجديد"، أنه تم إجلاء عدد من المتطوعين من عناصر المنظمة مع عائلاتهم من محافظة القنيطرة، موضحاً أن عملية الإجلاء تمت لـ"ظروف إنسانية بحتة، إذ كانوا محاصرين في منطقة خطرة". كما قال صلاح لوكالة "فرانس برس" إن من تم إجلاؤهم كانوا في "خطر بسبب التهديدات المتتالية الموجّهة لهم من روسيا والنظام في كل المحافل الدولية".
وكانت قوات النظام سيطرت، في الأسابيع الأخيرة، على مجمل مناطق جنوب وغرب البلاد، ما دفع مئات العاملين في مجال الإغاثة والإعلام إلى الفرار والتوجه إلى الشريط الحدودي مع الجولان السوري المحتل، وصدرت مناشدات عدة لإنقاذ حياتهم، ويرجح ألا يكون كافة الأشخاص الـ800 الذين تم إجلاؤهم من عناصر الدفاع المدني فقط، إذ يُعتقد أن بينهم ناشطين إعلاميين وإغاثيين.
يُذكر أن عدد عناصر منظمة "الخوذ البيضاء" التي ظهرت عام 2013، يبلغ نحو 3700 متطوع، وقُتل منها أكثر من 200 متطوع وأصيب 500 آخرون. وكان النظام السوري قد وجّه انتقادات كبيرة للمنظمة، حتى إن رئيسه بشار الأسد اتهم، في وقت سابق، "الخوذ البيضاء" بأنها جزء من تنظيم "القاعدة". لكن رئيس "الخوذ البيضاء" رائد صالح، أكد لوكالة "فرانس برس" على حيادية المنظمة، قائلاً "نحن مستقلون، وغير منحازين. لسنا مرتبطين بأي جهة سياسية أو مجموعة مسلحة".
في غضون ذلك، وصلت إلى محافظة القنيطرة، أمس الأحد، عشرات الحافلات لنقل الدفعة الثالثة من مهجري المحافظة إلى شمالي البلاد، انطلاقاً من قرية القحطانية ومدينة القنيطرة (المهدمة) عبر الممر الواصل بين قريتي أم باطنة-جبا. وقال ناشطون إن غالبية الخارجين في هذه الدفعة عناصر من "هيئة تحرير الشام" وعائلاتهم، إضافة إلى بعض المدنيين وأفراد من الجيش الحر.
يأتي ذلك في وقت اعترضت فيه مليشيات موالية لإيران، قافلة الدفعة الثانية من مهجري القنيطرة، قرب المدخل الجنوبي لمدينة حمص وسط سورية، والتي كانت تضم نحو 2500 شخص تقلّهم 50 حافلة، وكانوا غادروا القنيطرة من منطقة القحطانية ليلة السبت-الأحد باتجاه الشمال السوري، وهم مقاتلون من "هيئة تحرير الشام" وعائلاتهم، وذلك ضمن الاتفاق مع روسيا الذي نص على تهجير رافضي التسوية نحو شمال سورية. كما اندمجت معهم حافلات كانت خرجت من مدينة نوى في محافظة درعا.
وقال أحد المهجرين على متن الحافلة، لـ"العربي الجديد"، إن مسلحين موالين للنظام وإيران اعترضوا القافلة وقاموا بتطويق الحافلات قرب المتحلق الجنوبي في مدينة حمص، وعزلوها عن السيارات الأخرى. وبعد معاناة لساعات عدة، سُمح للقافلة بمواصلة طريقها، وذلك إثر مفاوضات بين ضباط روس والمليشيات التي احتجزت الحافلات. ولم تُعرف مطالب المليشيات على وجه التحديد، لكن مراقبين فسّروا تصرّفها بأنه تعبير عن احتجاج إيراني على المفاوضات التي تجريها روسيا مع إسرائيل، والقاضية بإبعاد إيران ومليشياتها عن الجنوب السوري. وكان رئيس الهيئة العليا للتفاوض، نصر الحريري، طالب، عبر "تويتر"، العالم بالتحرك لحماية المدنيين والمهجرين قسراً.
وكانت القافلة الأولى من مهجري ريفي القنيطرة وشمالي درعا وصلت إلى شمالي سورية وتضم 2804 أشخاص مقسمين على 55 حافلة، بينما كانت وصلت قبل أيام الدفعة الأولى من مهجري درعا المدينة التي ضمت بضع مئات من المقاتلين وعائلاتهم.
في غضون ذلك، يتواصل القصف المكثف من النظام وروسيا على منطقة حوض اليرموك في القطاع الغربي من ريف درعا، وتعرضت المنطقة لمئات الضربات الجوية والصواريخ والبراميل المتفجرة، والتي استهدفت خصوصاً بلدات تسيل وحيط وسحم الجولان وجلين وتل الجموع والشركة الليبية وعدوان، بالتزامن مع إطلاق صواريخ أرض-أرض من نوع "فيل"، وقصف مدفعي، ما تسبب في سقوط ضحايا مدنيين ومزيد من الدمار في ممتلكاتهم، ويُقدّر أن "جيش خالد" يحتجز أكثر من 30 ألف مدني في مناطقه هناك، ويتخذهم دروعا بشرية.
وعلى الرغم من هذا القصف، فقد أخفقت قوات النظام والمليشيات المساندة لها في التقدّم إلى مناطق سيطرة "جيش خالد". وأعلن التنظيم سيطرته على مناطق تتبع لمحافظة القنيطرة على حدود الجولان في الأيام الماضية. من جهتها، ذكرت وسائل إعلام النظام أن قوات الأخير سيطرت على كامل محافظة درعا، عدا منطقة حوض اليرموك التي تشكل 6 في المائة من مساحة درعا ككل، مشيرة إلى مواجهات عسكرية مستمرة، في خطوة للتقدم على محور تل الجموع الاستراتيجي.