دخل الصراع في منطقة باب المندب والبحر الأحمر مرحلة جديدة يمكن وصفها بأنها الأشد خطورة خلال السنوات الأخيرة، نتيجة تعدد الأطراف المنخرطة فيه، بدءاً من الولايات المتحدة وإيران، مروراً بالسعودية والإمارات، ووصولاً إلى جماعة الحوثيين، التي بدت، في الساعات الثماني والأربعين الماضية، أن لديها توجهاً لفتح باب الصراع على مصراعيه، وهو ما تُرجم باستهدافها، أول من أمس، بارجة وزورقا للسعودية (تقول الأخيرة إنهما ناقلتا نفط)، ثم إعلان الجماعة، أمس، عن استهداف مطار أبوظبي بغارات عدة، عبر طائرة مسيرة من طراز صماد 3، وهو ما حاولت الإمارات نفيه، لكنها أقرّت في الوقت نفسه بأن حادثة وقعت في المطار تسببت فيها مركبة نقل للإمدادات قرب مبنى للمسافرين من دون أن تؤثر على قدرة المطار التشغيلية.
ولا يمكن فصل تصعيد الحوثيين، الذي من شأنه نقل الصراع مع السعودية والإمارات اللتين تخوضان حربا في اليمن منذ أكثر من 3 سنوات إلى مرحلة جديدة، عن التوتر الإيراني الأميركي، والذي أوصل خلاله المسؤولون الإيرانيون رسالة تهديد واضحة بأن منعهم من تصدير نفطهم سيقابله منع تصدير النفط عبر مضيق هرمز، فضلاً عن إعلان قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، أن "البحر الأحمر"، ليبدو كما صور الإعلام السعودي، على الأقل، وكأن طهران أوصلت رسالة عبر حلفائها الحوثيين، بقدرتها على تهديد صادرات النفط، ليس فقط من مضيق هرمز، بل من باب المندب أيضاً. مع العلم أنه لطالما تزامنت الهجمات الحوثية، بحراً باتجاه البحر الأحمر، أو براً صوب السعودية، مع تطورات إقليمية، استغلها خصوم الجماعة، للتأكيد على أن إيران هي من يحدد توقيت الهجمات النوعية على الأقل.
ويسود اعتقاد بأن اتخاذ التوتر منحى تصاعدياً، في الفترة المقبلة، سيكون دافعاً للعديد من الدول للانخراط، بشكل مباشر، أكثر في الحرب اليمنية، خصوصاً مع تراجع مؤشرات التهدئة وتعمّد الحوثيين فتح جبهات جديدة، فضلاً عن بروز محاولات لتوظيف الحادثة من قبل السعودية والإمارات، واستئناف الهجوم على محافظة الحديدة ومينائها، الذي لا يزال تحت سيطرة الحوثيين، وسط تصريحات إماراتية بأن "هناك حدا لصبرنا فيما يتعلق بالحديدة"، وأن "هجوم الحوثيين على شحنات النفط له أبعاد تتجاوز المنطقة"، وهو الأمر الذي لاقته حكومة الشرعية بتصريحات مماثلة. وفي ظل تباين الروايتين، السعودية باستهداف مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، لناقلتي نفط في البحر الأحمر، يوم الأربعاء الماضي، ورواية الجماعة، باستهداف بارجة وزورق حربي قبالة السواحل اليمنية، تحوّل التطور إلى تصعيد غير مسبوق في الحرب اليمنية، إثر ردة الفعل السعودية، غير المتوقعة، بتعليق تصدير النفط عبر باب المندب، مؤقتاً، إلى حين تأمين الممر الاستراتيجي، وهو القرار الذي ألقى بظلاله على أسعار النفط، ونقل تأثير التصعيد من الخليج إلى العالم. وحتى مع إعلان السعودية أنها تمتلك بديلاً عن باب المندب لتصدير النفط، فإن الإعلان يترك أثراً على الحركة التجارية عبر المضيق. اعتبر التحالف منذ اللحظة الأولى أن الهجوم "حوثي إيراني" في البحر الأحمر، عزز الربط، التصريح الذي أدلى به قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني، أمس الخميس، بأن "البحر الأحمر لم يعد آمناً مع وجود القوات الأميركية في المنطقة". يُتهم الحوثيون، من قبل التحالف والحكومة اليمنية، بكونهم ذراعاً لإيران.
وفيما لا تزال حدود تصعيد الأزمة غير واضحة المعالم قبل اتضاح الخطوة التالية بالنسبة للتحالف وصدى الإعلان السعودي عن وقف شحنات النفط دولياً، إلا أن معظم الترجيحات تشير إلى أن التصعيد سيحيي مخططات السيطرة على الحديدة، بعد أن كان محور الأحداث المرتبطة بالبحر والتصعيد العسكري منذ شهور. وفي السياق، رأى خبراء، في حديث مع "فرانس برس"، أن "هجوم" الحوثيين على ناقلتي النفط يوفّر للسعودية والإمارات فرصة للعمل على استقطاب دعم دولي أكبر لحربهما في اليمن، ولهجومهما باتجاه ميناء الحديدة. وحذروا من أن الهجوم، ورغم أن تأثيره على أسواق النفط سيكون محدوداً، إلا أنه قد يدفع دولاً كبرى، في مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا، إلى الانخراط بشكل مباشر أكثر في النزاع في اليمن. وقال الخبير في شؤون الشرق الأوسط، جيمس دورسي، لوكالة "فرانس برس"، إن تعليق شحنات النفط "يوفر للسعودية والإمارات فرصة لدفع المجتمع الدولي نحو التركيز على إيجاد حل للحرب الأهلية" في اليمن. وأضاف "تعليق شحنات النفط قد يؤدي إلى تصاعد النزاع، مع احتمال تدخّل قوى خارجية لمساندة السعودية". وارتفعت أسعار الخام بشكل طفيف بعد هجوم الأربعاء، لكن خبراء في قطاع النفط استبعدوا أن تستمر هذه الزيادة لوقت طويل. وقال الخبير النفطي الكويتي، كامل الحرمي، إن "التعليق السعودي المؤقت سيدفع نحو زيادة الأسعار لمدة محددة"، لكنه اعتبر أن التأثير الأكبر سيكون "عسكرياً"، إذ إن الهجوم قد يصبح "سبباً في تواجد بحري أكبر للعديد من الدول، خصوصاً الولايات المتحدة وروسيا، ما قد يدفع نحو مزيد من التوترات" المتصاعدة أصلاً، مع محاولة الولايات المتحدة التضييق على قطاع النفط الإيراني.
وأثيرت علامات استفهام حول حقيقة تعرّض ناقلتي نفط لهجوم من عدمه. إذ وفقاً للرواية التي قدمها الحوثيون، فقد استهدفت "القوات البحرية" التابعة لهم، بـ"صاروخ مناسب" بارجة حربية تُدعى "الدمام". كما أعلنوا عن استهداف زورق حربي قبالة الحديدة. ونقلت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، بنسختها التي تديرها الجماعة، بياناً لقواتها جاء فيه "نعلن تنفيذ عملية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة". واعتبرت "القوات" الحوثية أن "من يهدد الأمن والسلام الدوليين، ويعرّض أمن البحر الأحمر لمخاطر جمة، هي قوى العدوان السعودي الأميركي" على حد وصفها. واعتبرت، في البيان، أنه ليس أمام قوات التحالف لـ"النجاة من عملياتنا" سوى وقف ما وصفته بـ"العدوان"، وكذلك "رفع الحصار، وسحب بوارجها بعيداً عن مياه اليمن الإقليمية، وإلا كانت صيداً ثميناً". وفي المقابل، فإن التحالف، الذي أعلن عن استهداف ناقلتين نفطيتين، لم يقدم مزيداً من التفاصيل.
وفي هذا السياق، ومن بين عوامل عديدة، محلية وإقليمية ودولية، تعد مدينة الحديدة الاستراتيجية الحلقة الأهم في التصعيد، وفقاً لردود الفعل، التي رصدتها "العربي الجديد"، خلال الـ48 ساعة الماضية، إذ إنها المعركة المفصلية الأهم بالنسبة للتحالف، والتي توقفت خلال الأسابيع الماضية، وذلك تحت ضغوط دولية. وتعد المدينة المنفذ الوحيد الخاضع لسيطرة الحوثيين نحو البحر الأحمر، وبالتالي فإن تهديد الجماعة المفترض للملاحة، هو المبرر الذي تستخدمه الرياض في مواجهة المواقف الدولية، بالتأكيد على أن استمرار سيطرة الحوثيين على الحديدة، يشكل تهديداً للملاحة ولناقلات النفط، التي تمر عبر المضيق الدولي، والذي تقدر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر عبره بأكثر من 21 ألف قطعة بحرية سنوياً.
اقــرأ أيضاً
وبدأت مؤشرات التوجه نحو جولة جديدة من التصعيد من الحديدة، مع صدور أول بيان للتحالف حول استهداف ناقلة نفط سعودية. إذ وجّه المتحدث باسم التحالف، العقيد تركي المالكي، في بيان، أصابع الاتهام نحو ميناء الحديدة. وقال إن الحادثة وقعت إلى الغرب من الميناء، وإن الهجوم استمرار لاستخدام ميناء الحديدة كنقطة انطلاق لما وصفها بـ"العمليات الهجومية الإرهابية". وأكد "أهمية تسليم محافظة الحديدة ومينائها للحكومة اليمنية الشرعية، لمنع استخدامه كقاعدة عسكرية لانطلاق الهجمات ضد خطوط الملاحة البحرية والتجارة العالمية". واعتبر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في لندن، أمس الخميس، أن الهجوم الذي شنه الحوثيون على ناقلتي نفط في البحر الأحمر عمل غير مسؤول على الإطلاق. وقال "هذا عمل غير مسؤول على الإطلاق، وتأثيره الفعلي يتجاوز المنطقة بكثير". وأضاف "أعتقد أن هذا مثال يوضح ضرورة إنهاء استيلاء الحوثيين على حكم اليمن في صنعاء". وأضاف "هناك حد لصبرنا فيما يتعلق بالحديدة، ونحاول إعطاء الدبلوماسية كل فرصة ممكنة"، لكنه أشار إلى أنه "إذا أمكن منع الحوثيين من استخدام ميناء الحديدة، ستكون الحرب هناك أقصر". وكان قرقاش اعتبر، في تغريدة، أن "استهداف الملاحة البحرية يؤكد ضرورة تحرير الحديدة من مليشيات الحوثي". وحاول قرقاش، في كلمته التي ألقاها في مؤسسة (بوليسي إكستشينج) للأبحاث، في لندن، أمس، الترويج لدور أمني إضافي لبلاده، قائلاً إن الإمارات "مستعدة لتحمّل المزيد من العبء الأمني في الشرق الأوسط، لأنها لا تستطيع الاعتماد بعد الآن على العمليات العسكرية لحليفتيها الولايات المتحدة وبريطانيا". وبحسب النسخة التي وزعت لكلمته، أعرب قرقاش عن أمله في أن "يؤدي الضغط الأميركي على إيران إلى عودتها إلى طاولة المفاوضات، للتوصل إلى اتفاق أوسع من الاتفاق النووي، اتفاق يشمل الصواريخ الباليستية لإيران وتدخّلها الإقليمي".
في موازاة ذلك، سارعت الحكومة اليمنية إلى محاولة الاستفادة من الهجوم، للإعلان عن دعمها لعملية عسكرية في الحديدة. ودعت، في بيان، "المجتمع الدولي، إلى مساندة العملية العسكرية للحكومة في الساحل الغربي، حيث محافظة الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيون"، مطالبة "بالضغط على تلك المليشيا للانسحاب من مدينة الحديدة". كما اعتبر وزير الإعلام في الحكومة اليمنية، معمر الأرياني، في تصريح صحافي، أن "استعادة مدينة وميناء الحديدة هو الحل الجذري للتهديد الذي تمثله" من وصفها بـ"المليشيا الحوثية الإيرانية" لحركة الملاحة العالمية في البحر الأحمر". واعتبر أن هذه الاستعادة "خطوة مفصلية في إجبار هذه المليشيا على الرضوخ لتنفيذ القرارات الدولية، وخطوة نحو عودة الأمن والاستقرار في المنطقة".
ميدانيا، أشارت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إلى تكثيف التحركات العسكرية للقوات الحكومية المدعومة من التحالف، بواجهة إماراتية، جنوب الحديدة، بالتزامن مع تحضيرات لتدشين عملية عسكرية في مدينة زبيد الأثرية، والتي توجهت نحوها الأنظار، منذ أسابيع، كمحطة مرتقبة للمواجهات، عقب تقدم قوات الشرعية في مدينة التحيتا القريبة منها، بالإضافة إلى وصول تعزيزات من قوات ألوية "العمالقة" لتدشين العملية، في مقابل الاستعدادات الكبيرة من قبل الحوثيين، عبر تحصين مواقعهم ونشر قواتهم في المدينة، كما هو الحال في أغلب مناطق المحافظة.
يذكر أن إعلان التحالف عن مهاجمة الحوثيين لناقلة نفط ليس الأول من نوعه، إذ سبق ذلك حادثة مماثلة، مطلع إبريل/نيسان الماضي، اتهم التحالف فيها الجماعة، باستهداف الناقلة السعودية "أبقيق". وترافق التطور وقتها مع استعدادات لتدشين الحملة العسكرية نحو الحديدة، ليبدو التحالف في المحصلة مستفيداً من أي تهديدات للحوثيين نحو البحر، لاعتباره دليلاً جديداً على مبررات عمليات الساحل الغربي، بالقول إن سيطرة الجماعة تهدد الملاحة الدولية. علماً أن الحوثيين استهدفوا، أواخر عام 2016، سفينة إماراتية قرب باب المندب، كانت من الملابسات التي سبقت تدشين العمليات في الأجزاء الساحلية لمحافظة تعز، والتي تطل على باب المندب. مع العلم أنه منذ تدشين معركة الساحل الغربي في الأجزاء الجنوبية، القريبة من باب المندب (سواحل محافظة تعز)، كانت "حماية الملاحة الدولية" أحد أبرز العناوين المتكررة للتبرير للعملية، المكلفة في كل الأحوال، على الجانبين وعلى المدنيين، بسبب الأهمية التي يوليها الحوثيون في المقابل لمعركة الساحل الغربي، وفيها يحشدون مختلف قواتهم العسكرية، ويزرعون عشرات الآلاف من الألغام، خصوصاً بعد الاختراق الذي حققته قوات الشرعية، في يونيو/حزيران الماضي، بالوصول إلى جنوب مدينة الحديدة، الأمر الذي يهدد المنفذ البحري الوحيد في مناطق سيطرتهم، والأهم بالنسبة للواردات القادمة إلى البلاد.
وفي ظل هذه التطورات، يطرح التصعيد تساؤلات حول مصير الجهود التي يقودها المبعوث الدولي إلى اليمن، مارتن غريفيث، لإحياء عملية السلام، والوصول إلى تهدئة بشأن مدينة الحديدة، إذ كانت جهوده قد حققت وقفاً مؤقتاً للعمليات العسكرية نحو الحديدة. كما مارس، مدعوماً من الدول الغربية الفاعلة، وفي مقدمتها واشنطن ولندن، ضغوطاً لإعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات. إلا أن التطورات الميدانية، وكما اعتاد اليمنيون، تتدخل لخلط الأوراق في طريق الجهد السياسي. ويضع التصعيد بحراً عقبات جديدة أمام جهود المبعوث المتواجد في صنعاء منذ يوم الأربعاء الماضي.
ولا يمكن فصل تصعيد الحوثيين، الذي من شأنه نقل الصراع مع السعودية والإمارات اللتين تخوضان حربا في اليمن منذ أكثر من 3 سنوات إلى مرحلة جديدة، عن التوتر الإيراني الأميركي، والذي أوصل خلاله المسؤولون الإيرانيون رسالة تهديد واضحة بأن منعهم من تصدير نفطهم سيقابله منع تصدير النفط عبر مضيق هرمز، فضلاً عن إعلان قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، أن "البحر الأحمر"، ليبدو كما صور الإعلام السعودي، على الأقل، وكأن طهران أوصلت رسالة عبر حلفائها الحوثيين، بقدرتها على تهديد صادرات النفط، ليس فقط من مضيق هرمز، بل من باب المندب أيضاً. مع العلم أنه لطالما تزامنت الهجمات الحوثية، بحراً باتجاه البحر الأحمر، أو براً صوب السعودية، مع تطورات إقليمية، استغلها خصوم الجماعة، للتأكيد على أن إيران هي من يحدد توقيت الهجمات النوعية على الأقل.
وفيما لا تزال حدود تصعيد الأزمة غير واضحة المعالم قبل اتضاح الخطوة التالية بالنسبة للتحالف وصدى الإعلان السعودي عن وقف شحنات النفط دولياً، إلا أن معظم الترجيحات تشير إلى أن التصعيد سيحيي مخططات السيطرة على الحديدة، بعد أن كان محور الأحداث المرتبطة بالبحر والتصعيد العسكري منذ شهور. وفي السياق، رأى خبراء، في حديث مع "فرانس برس"، أن "هجوم" الحوثيين على ناقلتي النفط يوفّر للسعودية والإمارات فرصة للعمل على استقطاب دعم دولي أكبر لحربهما في اليمن، ولهجومهما باتجاه ميناء الحديدة. وحذروا من أن الهجوم، ورغم أن تأثيره على أسواق النفط سيكون محدوداً، إلا أنه قد يدفع دولاً كبرى، في مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا، إلى الانخراط بشكل مباشر أكثر في النزاع في اليمن. وقال الخبير في شؤون الشرق الأوسط، جيمس دورسي، لوكالة "فرانس برس"، إن تعليق شحنات النفط "يوفر للسعودية والإمارات فرصة لدفع المجتمع الدولي نحو التركيز على إيجاد حل للحرب الأهلية" في اليمن. وأضاف "تعليق شحنات النفط قد يؤدي إلى تصاعد النزاع، مع احتمال تدخّل قوى خارجية لمساندة السعودية". وارتفعت أسعار الخام بشكل طفيف بعد هجوم الأربعاء، لكن خبراء في قطاع النفط استبعدوا أن تستمر هذه الزيادة لوقت طويل. وقال الخبير النفطي الكويتي، كامل الحرمي، إن "التعليق السعودي المؤقت سيدفع نحو زيادة الأسعار لمدة محددة"، لكنه اعتبر أن التأثير الأكبر سيكون "عسكرياً"، إذ إن الهجوم قد يصبح "سبباً في تواجد بحري أكبر للعديد من الدول، خصوصاً الولايات المتحدة وروسيا، ما قد يدفع نحو مزيد من التوترات" المتصاعدة أصلاً، مع محاولة الولايات المتحدة التضييق على قطاع النفط الإيراني.
وفي هذا السياق، ومن بين عوامل عديدة، محلية وإقليمية ودولية، تعد مدينة الحديدة الاستراتيجية الحلقة الأهم في التصعيد، وفقاً لردود الفعل، التي رصدتها "العربي الجديد"، خلال الـ48 ساعة الماضية، إذ إنها المعركة المفصلية الأهم بالنسبة للتحالف، والتي توقفت خلال الأسابيع الماضية، وذلك تحت ضغوط دولية. وتعد المدينة المنفذ الوحيد الخاضع لسيطرة الحوثيين نحو البحر الأحمر، وبالتالي فإن تهديد الجماعة المفترض للملاحة، هو المبرر الذي تستخدمه الرياض في مواجهة المواقف الدولية، بالتأكيد على أن استمرار سيطرة الحوثيين على الحديدة، يشكل تهديداً للملاحة ولناقلات النفط، التي تمر عبر المضيق الدولي، والذي تقدر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر عبره بأكثر من 21 ألف قطعة بحرية سنوياً.
وبدأت مؤشرات التوجه نحو جولة جديدة من التصعيد من الحديدة، مع صدور أول بيان للتحالف حول استهداف ناقلة نفط سعودية. إذ وجّه المتحدث باسم التحالف، العقيد تركي المالكي، في بيان، أصابع الاتهام نحو ميناء الحديدة. وقال إن الحادثة وقعت إلى الغرب من الميناء، وإن الهجوم استمرار لاستخدام ميناء الحديدة كنقطة انطلاق لما وصفها بـ"العمليات الهجومية الإرهابية". وأكد "أهمية تسليم محافظة الحديدة ومينائها للحكومة اليمنية الشرعية، لمنع استخدامه كقاعدة عسكرية لانطلاق الهجمات ضد خطوط الملاحة البحرية والتجارة العالمية". واعتبر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في لندن، أمس الخميس، أن الهجوم الذي شنه الحوثيون على ناقلتي نفط في البحر الأحمر عمل غير مسؤول على الإطلاق. وقال "هذا عمل غير مسؤول على الإطلاق، وتأثيره الفعلي يتجاوز المنطقة بكثير". وأضاف "أعتقد أن هذا مثال يوضح ضرورة إنهاء استيلاء الحوثيين على حكم اليمن في صنعاء". وأضاف "هناك حد لصبرنا فيما يتعلق بالحديدة، ونحاول إعطاء الدبلوماسية كل فرصة ممكنة"، لكنه أشار إلى أنه "إذا أمكن منع الحوثيين من استخدام ميناء الحديدة، ستكون الحرب هناك أقصر". وكان قرقاش اعتبر، في تغريدة، أن "استهداف الملاحة البحرية يؤكد ضرورة تحرير الحديدة من مليشيات الحوثي". وحاول قرقاش، في كلمته التي ألقاها في مؤسسة (بوليسي إكستشينج) للأبحاث، في لندن، أمس، الترويج لدور أمني إضافي لبلاده، قائلاً إن الإمارات "مستعدة لتحمّل المزيد من العبء الأمني في الشرق الأوسط، لأنها لا تستطيع الاعتماد بعد الآن على العمليات العسكرية لحليفتيها الولايات المتحدة وبريطانيا". وبحسب النسخة التي وزعت لكلمته، أعرب قرقاش عن أمله في أن "يؤدي الضغط الأميركي على إيران إلى عودتها إلى طاولة المفاوضات، للتوصل إلى اتفاق أوسع من الاتفاق النووي، اتفاق يشمل الصواريخ الباليستية لإيران وتدخّلها الإقليمي".
في موازاة ذلك، سارعت الحكومة اليمنية إلى محاولة الاستفادة من الهجوم، للإعلان عن دعمها لعملية عسكرية في الحديدة. ودعت، في بيان، "المجتمع الدولي، إلى مساندة العملية العسكرية للحكومة في الساحل الغربي، حيث محافظة الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيون"، مطالبة "بالضغط على تلك المليشيا للانسحاب من مدينة الحديدة". كما اعتبر وزير الإعلام في الحكومة اليمنية، معمر الأرياني، في تصريح صحافي، أن "استعادة مدينة وميناء الحديدة هو الحل الجذري للتهديد الذي تمثله" من وصفها بـ"المليشيا الحوثية الإيرانية" لحركة الملاحة العالمية في البحر الأحمر". واعتبر أن هذه الاستعادة "خطوة مفصلية في إجبار هذه المليشيا على الرضوخ لتنفيذ القرارات الدولية، وخطوة نحو عودة الأمن والاستقرار في المنطقة".
يذكر أن إعلان التحالف عن مهاجمة الحوثيين لناقلة نفط ليس الأول من نوعه، إذ سبق ذلك حادثة مماثلة، مطلع إبريل/نيسان الماضي، اتهم التحالف فيها الجماعة، باستهداف الناقلة السعودية "أبقيق". وترافق التطور وقتها مع استعدادات لتدشين الحملة العسكرية نحو الحديدة، ليبدو التحالف في المحصلة مستفيداً من أي تهديدات للحوثيين نحو البحر، لاعتباره دليلاً جديداً على مبررات عمليات الساحل الغربي، بالقول إن سيطرة الجماعة تهدد الملاحة الدولية. علماً أن الحوثيين استهدفوا، أواخر عام 2016، سفينة إماراتية قرب باب المندب، كانت من الملابسات التي سبقت تدشين العمليات في الأجزاء الساحلية لمحافظة تعز، والتي تطل على باب المندب. مع العلم أنه منذ تدشين معركة الساحل الغربي في الأجزاء الجنوبية، القريبة من باب المندب (سواحل محافظة تعز)، كانت "حماية الملاحة الدولية" أحد أبرز العناوين المتكررة للتبرير للعملية، المكلفة في كل الأحوال، على الجانبين وعلى المدنيين، بسبب الأهمية التي يوليها الحوثيون في المقابل لمعركة الساحل الغربي، وفيها يحشدون مختلف قواتهم العسكرية، ويزرعون عشرات الآلاف من الألغام، خصوصاً بعد الاختراق الذي حققته قوات الشرعية، في يونيو/حزيران الماضي، بالوصول إلى جنوب مدينة الحديدة، الأمر الذي يهدد المنفذ البحري الوحيد في مناطق سيطرتهم، والأهم بالنسبة للواردات القادمة إلى البلاد.
وفي ظل هذه التطورات، يطرح التصعيد تساؤلات حول مصير الجهود التي يقودها المبعوث الدولي إلى اليمن، مارتن غريفيث، لإحياء عملية السلام، والوصول إلى تهدئة بشأن مدينة الحديدة، إذ كانت جهوده قد حققت وقفاً مؤقتاً للعمليات العسكرية نحو الحديدة. كما مارس، مدعوماً من الدول الغربية الفاعلة، وفي مقدمتها واشنطن ولندن، ضغوطاً لإعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات. إلا أن التطورات الميدانية، وكما اعتاد اليمنيون، تتدخل لخلط الأوراق في طريق الجهد السياسي. ويضع التصعيد بحراً عقبات جديدة أمام جهود المبعوث المتواجد في صنعاء منذ يوم الأربعاء الماضي.