وعلقت واشنطن، الجمعة، تمويل مشاريع التحالف الدولي لإحلال الاستقرار في سورية. وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيذر نويرت، إن وزير الخارجية مايك بومبيو "سمح بتغيير وجهة حوالى 230 مليون دولار من صندوق إحلال الاستقرار في سورية". وأوضح بريت ماكغورك، الموفد الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التحالف، في مؤتمر صحافي، أن بومبيو حصل في لقاء عقد في 12 يوليو/ تموز على هامش اجتماع لحلف شمال الأطلسي، على 300 مليون دولار من دول عدة لمشاريع للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
وتهدف خطط التحالف هذه إلى إحلال الاستقرار في شمال شرق سورية، وهي المنطقة التي كان يحتلها تنظيم "داعش". وذكر أستراليا والدنمارك والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والنروج وتايوان، وكذلك الإمارات العربية المتحدة والسعودية اللتان أعلنتا عن أكبر مساهمتين تبلغان على التوالي خمسين مليون دولار ومئة مليون دولار.
وقالت نويرت إن هذه المساهمات الجديدة تشكّل "نجاحاً" لترامب الذي طلب من الأسرة الدولية مساهمة بشكل أكبر في الجهود المالية في سورية، مضيفةً أنّ تعليق هذه الأموال الأميركية "لا يعني تراجعاً في تصميمنا على تحقيق أهدافنا الاستراتيجية في سورية". وأكدت نويرت "نحن مستعدون للبقاء في سورية حتى الهزيمة النهائية لتنظيم (داعش)، وسنبقى مركّزين على ضمان انسحاب القوات الإيرانية وحلفائها".
في موازاة ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، الجمعة، عن تعيين الخبير في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، جيمس جيفري، وهو سفير أميركي سابق في تركيا والعراق وألبانيا، مبعوثاً خاصاً إلى سورية، إذ سيقدّم تقارير لوزير الخارجية مايك بومبيو في هذا الشأن. ويحمل جيفري (72 عاماً)، الذي تقاعد عام 2012، أعلى مرتبة في الخارجية الأميركية وهي مرتبة "دبلوماسي مخضرم". وقالت نويرت إنه سيقود الجهود الأميركية لإعادة تنشيط جهود السلام المتوقفة منذ فترة طويلة والمعروفة باسم "عملية جنيف". إعلان يوحي بأن الرجل، وفي إطار إعادة إحياء مسار جنيف، ربما يضطر إلى الاشتباك بشكل مباشر مع الروس والإيرانيين المصرين على أن مسار جنيف انتهى بالفعل مع انتصار نظام بشار الأسد، ولم يعد يبق سوى أن يعترف العالم بحكام دمشق وأن يدفعوا الأموال لإعادة إعمار ما دمره محور دمشق موسكو طهران، وأن يشاركوا روسيا في إرغام اللاجئين السوريين على العودة بشعار الطوعية إلى بلدهم المنكوب بلا ضمانات لحيواتهم وحرياتهم ولا حل سياسي ولا بنية تحتية قادرة على استيعاب ملايين المهجرين.
وقال بومبيو، في بيان، إن مهمة جيفري ستكون "تنسيق الجهود السياسية لجميع جوانب الصراع في سورية وجهود دعمنا للحلّ السياسي"، مضيفاً أن "سيرة السفير جيفري الدبلوماسية المتميزة تجعله اختياراً رائعاً لهذا الدور".
ويتناسب هذا المنصب الذي استحدثه بومبيو مع خبرة جيفري، بحسب ما تشير وسائل إعلام أميركية عدة. فالرجل يعتبر من المحنكين دبلوماسياً وسياسياً وله اطلاع واسع على قضايا الشرق الأوسط، وخصوصاً في ما يتعلّق بإيران وأنشطتها في المنطقة، وهو ما يؤكّد على مساعي إدارة ترامب لمواجهة النفوذ الإيراني في سورية.
ويعرّف "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" عبر موقعه الإلكتروني، عن جيفري بالقول إن "عمله يتمحور حول الاستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط مع تركيز خاص على تركيا والعراق وإيران". ويضيف المعهد أنّ جيفري هو أحد كبار الدبلوماسيين الأميركيين، وقد شغل مجموعة من المناصب الرفيعة في العاصمة واشنطن وخارجها. وإلى جانب عمله كسفير في أنقرة وبغداد، تولّى منصب مساعد الرئيس الأميركي ونائب مستشار الأمن القومي في إدارة جورج بوش الابن، حيث كان يُركز بشكل خاص على إيران".
كذلك عمل جيفري في السابق نائباً رئيسياً لوكيل الوزارة لمكتب شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأميركية، حيث شملت مهامه إدارة فريق السياسات الخاصة بإيران وتنسيق الشؤون الدبلوماسية العامة. ومن المناصب التي عُيّن فيها سابقاً وظيفة مستشار أقدم لشؤون العراق لوزير الخارجية، ووظيفة قائم بالأعمال ونائب مدير البعثة في بغداد، ونائب مدير البعثة في أنقرة، وسفير الولايات المتحدة في ألبانيا. كما أنه ضابط سابق في سلاح المشاة الأميركي وقد خدم في ألمانيا وفيتنام بين عامي 1969 و1976.
ويحافظ جيفري الذي يتمتّع بخبرة في الخدمة الخارجية تمتد لـ35 عاماً، على سمعة قوية في واشنطن كخبير في سياسة الشرق الأوسط، بحسب ما تذكر صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية. وهو معروف أيضاً بمواقفه وتصريحاته الحادة، ولم يوفّر أياً من رؤسائه السابقين، ولا حتى رئيسه الحالي، من الانتقادات اللاذعة.
ففي الشهر الماضي، قبل اجتماع ترامب بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي، قال جيفري في حديث للصحيفة نفسها إنه "يتوقّع أن يحاول ترامب تبني سياسة أكثر ليونة حول ضمّ موسكو لشبه جزيرة القرم من أجل نيل مساعدة روسيا في طرد إيران من سورية"، مضيفاً أنّ ذلك "يتعارض مع مشكلات عدة على أرض الواقع. ففي الوقت الذي يقدّم فيه ترامب نوعاً من الاعتراف بالقرم، هناك مجموعة كاملة من العقوبات على روسيا من قبل الكونغرس وكذلك أوروبا في هذا الشأن، وهذا لا يتماشى مع ذلك. وكذلك، كيف سيجعل الروس الإيرانيين خارج سورية؟".
وتابع جيفري أنّ "بوتين يسعى إلى تقويض النظام الأمني الأميركي بأكمله في الشرق الأوسط، ويواصل ترامب السماح له بالقيام بذلك، كما فعل أوباما، ولكن بطرق مختلفة"، مضيفاً "يعتقد ترامب أنه يستطيع الحصول على كل شيء من دون أي كلفة، وهذه مغالطة كبيرة في الدبلوماسية".
وتعليقاً على تعيين جيفري في منصبه الجديد، قال مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، روبرت ساتلوف، في بيان، إنّ "جيمس جيفري هو كنز وطني. أي إدارة ستكون حكيمة لإيجاد طريقة لاستثمار نباهته وعزيمته وتجربته وخوضه في أعلى مستويات صنع السياسة الخارجية الأميركية. بومبيو يستحق التهنئة على استحداثه منصباً يستغل من خلاله مواهب جيفري الخاصة".
إلى ذلك، رأى الكاتب الأميركي توم روغان في مقال في مجلة "واشنطن إكزامينر"، أنه "علينا الترحيب بتعيين إدارة ترامب لجيمس جيفري ممثلاً خاصاً للولايات المتحدة في سورية"، معتبراً أن لجيفري "خبرة قوية ستساهم في دفع الحرب الأهلية السورية والتوصّل إلى تسوية مرضية". وتابع روغان أنّ هذه الخبرة والمهارات التي يتمتع بها جيفري "ستساهم في تحويل الخطابات إلى أفعال".
وأشار روغان إلى أن خبرة جيفري في العراق بين عامي 2010 و2012، "تجعله الأفضل لتولي هذا المنصب الجديد الهام. فالسفير السابق استطاع أن ينسج علاقات قوية مع مختلف الفصائل العراقية من أجل تحقيق المصالح الأميركية. هذه التجربة مهمة في سياق الوضع السياسي بالغ التعقيد الذي تعيشه سورية. باختصار، لديه سجّل حافل لإنجاز المهمة في سورية".
ويذكّر روغان بموقف جيفري عندما غادر مكتبه احتجاجاً على قرار الرئيس الأميركي الأسبق بسحب القوات الأميركية من العراق في أواخر عام 2011، إذ اعتبر وقتها أنه "بدون وجود بصمة على الأرض عبر بقاء القوات الأميركية، فإن تأثير أميركا ونفوذها سيتحجّم لصالح إيران". ويؤشّر ذلك إلى إمكانية بقاء القوات الأميركية في سورية، بعدما هدد الرئيس الأميركي أكثر من مرة بسحبها.
ويخلص روغان إلى أنّ تعيين جيفري في هذا المنصب "يعطيه السلطة اللازمة لإدارة المفاوضات الأميركية حول مستقبل سورية مع الأطراف الإقليمية الأخرى، من أجل صياغة سلام يخدم أمن الولايات المتحدة والإقليم، علماً أنّ عمله سيكون قاسياً، إذ سيواجه عرقلة روسية وإيرانية لا هوادة فيها، ومع ذلك لديه ما يلزم لتحريك العملية السياسية".
وفي هذا الإطار، بدت المعارضة السورية، المدعومة تركياً، مطمئنة لتعيين جيفري مبعوثاً خاصاً للخارجية الأميركية إلى سورية. وظهر ذلك واضحاً من خلال البيان الذي نشره الائتلاف السوري مبرزاً من خلاله سيرة جيفري، وتركيزه كذلك على آراء سابقة له في ما يتعلّق بحزب العمال الكردستاني وقوات سورية الديمقراطية ناعتاً إياها بـ"المنظمات الإرهابية"، وهو ما يبدو ملتبساً في ظلّ دعم واشنطن لهذه القوات على الأرض في الشرق السوري.