واستناداً لما يتيحه الدستور الأميركي، تجول التمنيات بعزل الرئيس في ما يمكن استخدامه لتحقيق هذا الهدف، سواء عبر انتظار تحقيق روبرت مولر حول التدخل الروسي، أو التمسك بحبل نجاة آخر، قد يساعد على تحييد دونالد ترامب، والعودة إلى منطق "عقلانية الاستبلشمنت" المتعارف عليه لدى صانعي القرار في الولايات المتحدة.
وقد يكون حبل النجاة هذا، الذي تشتهيه النخب الأميركية والقواعد المناوئة لترامب، الوصول إلى تقييم طبي واضح وصريح، يؤكد إصابته باضطراب عقلي، وهو في الواقع تقييمٌ لم يسلم منه الرئيس الأميركي منذ وصوله إلى السلطة، سواء أكان على شكل تقارير صحافية مدعومة بآراء مختصين، أم على شكل مؤلفات، أم رسائل وتقارير وقّعها أطباء نفسيون.
"النرجسية الخبيثة"
وأجمعت العديد من التقارير الصحافية المستندة إلى شهادات أطباء نفسيين، على إصابة دونالد ترامب بـ"النرجسية الخبيثة" التي تفتقر إلى علاج.
وتقول الطبيبة النفسية الأسترالية هيلين ماكغراث، إن ترامب، رغم بدء إنصاته إلى المحيطين به شيئاً فشيئاً، إلا أنه سيبقى يظن نفسه "رجل التفلون"the Teflon man، وهو المصطلح الذي يسري على الأشخاص الذين لا يقبلون أن يحاسبوا على أي خطأ ارتكبوه. وبنظر ماكغراث، فإن المصاب بـ"النرجسية الخبيثة" يعتقد دائماً بأنه الأكثر ذكاء، وبأنه دائماً على صواب.
في كتاب "حالة دونالد ترامب الخطيرة"، الصادر في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2017، من تأليف بادني لي، خرج 27 باحثا نفسيا وخبيرا في عالم الصحة النفسية، عن "حيادهم"، كما يقولون، وقاموا بتقييم حالة الرئيس الأميركي الحالي العقلية من خلال خطابه وسلوكه على مدى طويل من حياته العامة، ليصلوا إلى أنه "رجل معقد، ومجنون بشكل خطير".
ويعيد فيليب زيمباردو وروزماري سوورد، مثلاً، في الكتاب، "اندفاع ترامب وطيشه"، إلى التصاق شخصيته بـ"مذهب المتعة"، hedonism، وهو مذهب يجعل من اللذة والمتعة غايةً قصوى. أما كريغ مالكين، فيصف ارتباط النرجسية المرضية والسياسة بـ"الخليط القاتل". من جهته، يتحدث غايل شيهي، عن انعدام الثقة لدى ترامب، التي تتخطى الـ"بارانويا"، أو جنون الشك والارتياب. وأخيراً، حذر روبرت جاي ليفتون، من "شخصية خبيثة"، قد تتغلغل في كل الأشياء، إذا استمر الأطباء النفسيون في صمتهم.
زيمباردو وسوورد، كانا قد كتبا في فبراير/شباط من العام ذاته، مقالاً بعنوان "الفيل في الغرفة" the elephant in the room، في مجلة psychology today، استعادا فيها النقاش الذي فتح على صفحات المجلة منذ العام 2015، حول "الوضع العقلي" للمرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية آنذاك، دونالد ترامب.
هذا النقاش "النفسي"، جاء تعبيراً عن قلق لدى الباحثين حول إمكانية أن تجذب "صراحة" دونالد ترامب، ووضعه كقادم على عالم السياسة الأميركية من خارج "الإستبلشمنت"، والكاريزما التي يتمتع بها، أشخاصاً غير مدركين لمخاطر "نرجسيته"، والتصرفات العدوانية التي قد ترافقها.
ويشرح الباحثان "علامات" نرجسية دونالد ترامب المبدئية، أي التي قد تظهر علامات غيرها في المستقبل، وهي "التعالي، المبالغة (الكذب)، الغيرة، تقدير النفس الهش، فقدان التعاطف، والنظر إلى العالم على أساس "هم مقابل نحن"، لافتين إلى سلسلة من المقالات ( bullies an exploration into different types of bullies – the narcissist personality –shrinks battle over diagnosing Donald trump ( تحذر من مرض ترامب العقلي. ويؤكد الطبيب النفسي جون غارتنر، في إحداها، أن ترامب "مصاب بمرض عقلي خطير يجعله غير قادر على تأدية مهامه كرئيس للولايات المتحدة الأميركية".
عوارض النرجسية الخبيثة
تتخلص أهم عوارض النرجسية الخبيثة لدى الأطباء النفسيين بالتالي:
- يشعرون أنهم في برج عالٍ، ولا يكترثون للناس من حولهم
- يتمتع المصاب بالنرجسية بشخصية درامية ليس بوسعها الاتفاق مع أي شخص من حولها
- تسيطر على النرجسي أوهام النجاح والقوة والجاذبية
- المغالاة في إبراز النجاحات والموهبة والإنجازات
- توقع المديح عن كل ما يفعله
- تعتقد الشخصية النرجسية أن الآخرين في حالة غيرة دائمة منها
- لديه تقدير للذات هش
- سلوك أناني
"جنون" في البيت الأبيض
في كانون الثاني/يناير الماضي، خرج مقالٌ في "ديلي إنتلجنسر"، كتبه إريك لفيتز، بعنوان "الرئيس ليس بصحة جدية عقلياً، ومن حوله يعلمون ذلك"، تحدث عن توافق الآراء حول وضع ترامب العقلي بين المحيطين به، والباحثين الذين يراقبونه من بعيد، ليصل الأمر إلى الحديث عن "انحدار عصبي"، بعد متابعة خطابه الذي أعلن فيه الاعتراف بالقدس "عاصمة لإسرائيل"، وعدم ترابط أفكاره خلال مقابلة أعطاها لصحيفة "نيويورك تايمز"، مروراً بتغريداته الشاردة، ووصولاً إلى ما تضمنه كتاب "نار وغضب" حول كواليس البيت الأبيض في عهد ترامب لمايكل وولف.
وخلص التقرير، الذي وصف كل ما يدور بـ"الجنون"، إلى أن الجمهوريين لا يريدون عزل ترامب، رغم إدراكهم لقصوره العقلي، معتبراً أن كل الحوار حول "مرض ترامب العقلي" اتسم بالسخافة المقصودة، رغم أن علامات خرف أصبحت ظاهرة على الرئيس الأميركي، ورغم أن نرجسيته ليست أبداً "وهمية"، مستشهدة بقول السيناتور الجمهوري بوب كوركر (تشرين الأول/أكتوبر 2017) بأن البيت الأبيض تحول إلى "دار حضانة للبالغين"، وأنه على علمٍ بأن "كل يوم في البيت الأبيض يشهد محاولات لاحتواء الرئيس"، مؤكداً أن زملاءه في الحزب لديهم جميعهم تقييم مشابه لتقييمه.
الدستور والتعديل الـ25
من الناحية العملية، سخّر الليبراليون جلّ اهتمامهم للتعديل الـ25 في الدستور الأميركي، وهو تعديل صمم لتسوية بعض الغموض بشأن نقل السلطة الرئاسية في وقت الأزمات، وقد وردت أكثر التغييرات المباشرة في الفقرات الأولى والثانية والثالثة من التعديل، أما الأكثر تعقيداً فقد كانت هي الفقرة الرابعة التي لم تستخدم، لكنها تسمح بإطاحة الرئيس من منصبه إذا أعلن نائب الرئيس، جنباً إلى جنب مع غالبية إما من المسؤولين الرئيسيين في الإدارات التنفيذية أو أعضاء هيئة أحرى، يحددها الكونغرس بقانون، أن الرئيس عاجز عن القيام بسلطات ومهام منصبه"، وهو إجراءٌ مختلف عن توجيه اتهام للرئيس الأميركي أو تثبيت جرم عليه يسمح بعزله.
ولكن بحسب "ديلي إنتلجنسر"، فإن هذا التعديل في الدستور هو جذاب في شكله الظاهري، لكنه لا يحل المعضلة الأساسية، وهي أن الجمهوريين في الكونغرس لا يريدون إخراج ترامب من البيت الأبيض. وبرأي المقال، فإن "كونغرس ملتزماً" لن يتعب في إيجاد سبب لإزاحة ترامب على أساس "عدم أهليته" للقيام بمهامه، ولكن التعديل الـ25 يتطلب ثلثي الأعضاء ليقوموا بذلك، وذلك بعدما عبّر طاقمه عن "رغبته" في أن يحصل هذا الأمر، بشكلٍ من الأشكال. ولكن، مع اعتبار الجو السياسي القائم، فإنه "سيناريو بعيد المنال"، رغم تيقن الجمهوريين بأن ترامب يعاني من الإصابة بـ"أولى مراحل الخرف، وأن لديه ارتباطا سطحيا مع الواقع".
يذكر أن المسؤول "المجهول" داخل إدارة ترامب، كان قد كتب في مقال بصحيفة "نيويورك تايمز" الأسبوع الماضي أنه "في ضوء عدم الاستقرار الذي شهده كثيرون، كانت هناك همسات مبكرة داخل الإدارة تدعو إلى اللجوء للتعديل الخامس والعشرين لبدء عملية معقدة لإزاحة الرئيس"، مضيفاً "لكن ما من أحد أراد التعجيل بأزمة دستورية. لذلك سنفعل ما في وسعنا لتوجيه الإدارة في الاتجاه الصحيح، إلى أن ينتهي الأمر بطريقة أو بأخرى".
شاهد الفيديوغراف التالي حول نرجسية ترامب الخبيثة:
أمة "نرجسية"؟
هل يعاني ترامب وحده من النرجسية؟ أم جميع الذين صوتوا له؟ هل الولايات المتحدة بأكملها أمة مريضة؟ هل يقبل المصوتون لترامب بإزاحته؟ أم أنهم رغم علمهم بمرضه، لا يزالون يريدون أن يستمعوا إلى وعود لا تنتهي تحاكي رغباتهم المدفونة والمجبولة بالعنصرية وبكل آفات المجتمع الأميركي؟
هذه الأسئلة، هي حصيلة جميع الآراء التي تمحورت حول مرض دونالد ترامب العقلي، والتي تقول إن المصوتين له والمؤيدين لسياسته هم أخطر من نرجسيته، لأنهم مستعدون للدفاع عنه، حتى لو أطلق النار على أحدهم في الجادة الخامسة في نيويورك، والذين لا يبالون بتحرشاته الجنسية أو هم المدافعون عن عدوانيته الدائمة.
في مقال بموقع "ألترنت"، يكتب فيث غاردنر أن قاعدة ترامب النرجسي هي "مجموعة نرجسيين" وهي باتت تؤلف "طائفة خطيرة داخل المجتمع الأميركي".
سؤال آخر وأخير: أي مرتبة قد ينال ترامب بين الرؤساء الأميركيين النرجسيين، من جورج واشنطن إلى جون كينيدي إلى جورج دبليو بوش؟ لائحة الرؤساء النرجسيين في الولايات المتحدة لم تكتمل بعد...والتعديل الـ25 لا يزال غائباً.
من أبرز الأقوال "النرجسية" لترامب:
- لا أحد محافظ (نسبة إلى المحافظين) أكثر مني
- لا أحد أقوى في ما خص التعديل الثاني (حمل السلاح في الولايات المتحدة) أكثر مني
- لا أحد يحترم النساء أكثر مني. لأ أحد يقرأ الكتاب المقدس أكثر مني
- لا يوجد أحد داعم لإسرائيل أكثر مني
- لم يفعل أحد من أجل المساواة أكثر مما فعلت أنا
- لا أحد مطلع على موضوع الضرائب أكثر مني، ربما في تاريخ العالم كله
- لقد تعمقت بالاتفاق النووي مع إيران أكثر من أي شخص آخر
- لم يصل أحد إلى مستوى نجاحي
-لا أحد يعرف بالمصارف أكثر مني
-لا أحد يعرف عن الديون أكثر مني
-أنا أقل الناس عنصرية قد تصادفونهم يوماً
-لا أحد يعرف "المنظومة السياسية" أكثر مني
-لا أحد يبني جدراناً أفضل مني
-لا أحد يعرف بالتجارة أكثر مما أعرف
-لا أحد معارض لأوباماكير أكثر مني
-سأكون أفضل رئيس دولة خلقه الله.
-أنا أقل مناهض للسامية صادفتموه في حياتكم كلها
- إنهم جميعهم يأكلون، ويحبونني، ويقبلون مؤخرتي، ثم يغادرون ويسألون "أليس فظيعاً؟"، ولكن أنا الملك...