"نحن في أمسّ الحاجة لأطر فعالة لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاعات، وتعزيز الحكم الرشيد واحترام حقوق الإنسان بمختلف أبعادها، والقضاء على الفقر والأوبئة، وتفجير طاقات الشباب وتمكين المرأة، بهدف الارتقاء بالإنسان وتحقيق تطلعاته في التنمية المستدامة. كما أنه يتعين علينا جميعاً التضامن والتعاون الصادق من أجل دحر الإرهاب ومحاربة نزعات التطرف والعنصرية والتمييز والطائفية وتكفير الآخر".
هذا جزء من كلمة ألقاها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال قمة "نيلسون مانديلا للسلام"، في إطار فعاليات الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
والمصادفة أنه في اليوم نفسه الذي كان يخطب فيه السيسي حول "الحاجة الماسة لاحترام حقوق الإنسان"، كانت محكمة مصرية تصدر حكمها بالإعدام على عشرين متهمًا في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"كرداسة".
وأيدت محكمة النقض المصرية، الاثنين، أحكام الإعدام لـ20 شخصاً والمؤبد لـ80، والسجن لـ34 آخرين في قضية اقتحام قسم كرداسة.
وسبق هذا الحكم بأسابيع حكم آخر بالإعدام والمؤبد والسجن المشدد لعشرات المتهمين في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"غرفة عمليات رابعة"، حيث أصدرت محكمة جنايات جنوب القاهرة، الدائرة 28 إرهاب، في 8 سبتمبر/أيلول الجاري، برئاسة المستشار حسن فريد، في القضية رقم 34150 لسنة 2015 جنايات مدينة نصر أول، والمعروفة إعلاميا بـ"أحداث فض اعتصام رابعة العدوية"، والمتهم فيها 739 شخصًا (300 محبوس، 439 منهم غيابياً)، بينهم معارضون سياسيون وقيادات بارزة في جماعة الإخوان المسلمين وصحافيون، خلص الحكم إلى إدانتهم جميعًا بلا استثناء.
وقررت المحكمة إعدام 75 متهمًا في القضية، بينهم قيادات بارزة في جماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عن الحكم بالسجن المؤبد لـ47 شخصًا، والسجن 15 سنة لـ374 آخرين، و10 سنوات لـ22 طفلاً، و5 سنوات لـ215 شخصًا، هذا بالإضافة لوضع جميع المحكوم عليهم، عدا الصادر بحقهم حكم بالإعدام والمؤبد، رهن المراقبة الشرطية لمدة 5 سنوات بعد انقضاء مدة حبسهم في عقوبة تبعية، بالإضافة لمصادرة أموال جميع المتهمين، عدا الأطفال، وحرمانهم من وظائفهم الحكومية.
وبالتزامن مع تلك الكلمات الرنانة التي قالها السيسي، كانت منظمة العفو الدولية تدشن حملتها لمطالبة السلطات المصرية بوضع حد لقمع المعارضين.
وقالت المنظمة في البيان التعريفي للحملة: "اعتقلت السلطات المصرية عشرات الأفراد – من بينهم ناشطون وصحافيون وسياسيون ومشجعو كرة قدم وفنانون – وذلك في أسوأ حملة قمع ضد حرية التعبير في العقود الأخيرة في مصر. يتعرض المصريون الذين يتجرأون على انتقاد الحكومة للسجن بدون محاكمة عادلة". وقد وصفتهم وسائل الإعلام بأنهم "إرهابيون" و"مجرمون"، وذلك فقط بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم. ولم تشهد البلاد حملة بهذا الحجم منذ عقود. وبسبب الخوف، يضطر الكثير من المصريين لالتزام الصمت، أو حتى مغادرة البلاد. لكن بعض المصريين يواصلون رفع أصواتهم علناً، على الرغم من المخاطر التي تهدد حريتهم.
وذكرت المنظمة في حملتها الناشطة السياسية المعتقلة أمل فتحي، ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات سابقًا ومسؤول مكافحة الفساد الحكومي هشام جنينة، والمدون المصري وائل عباس، وجميعهم معتقلون بسبب التعبير عن آرائهم.
ومنذ حوالي أسبوع فقط، جرى رصد وتوثيق فريق "كوميتي فور چستس" في الفترة الزمنية من أغسطس/ آب 2017 إلى أغسطس 2018، عدد حالات الاختفاء القسري في مصر التي تم رصدها وقد بلغت 1989 حالة، وعدد الحالات التي تم رصد ظهورها بعد الاختفاء القسري 1830 حالة، وعدد الحالات التي تم توثيقها من قبل فريقهم بلغ 318 حالة، فيما بلغ عدد الشكاوى التي قدمت إلى الآليات الدولية لمساعدة ضحايا الاختفاء القسري 141 شكوى، فيما لم يُحَل بلاغ واحد من مئات البلاغات المقدمة من الضحايا أو ممثليهم إلى التحقيق الجدي.
وقالت إن التقرير السنوي الصادر عن الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي بالأمم المتحدة، وثّق استمرار جريمة الاختفاء القسري في مصر بشكل ممنهج بحق الناشطين والحقوقيين والعديد من المواطنين، وعدم تعاون السلطات المصرية معه في "الإجراءات" بشكل كبير، بالتزامن مع تقليص مساحة المجتمع المدني في مصر، واستهداف النشطاء الحقوقيين الذين يعملون على توثيق جريمة الاختفاء القسري من جانب قوات الأمن المصرية.