فشل رؤساء روسيا وتركيا وإيران، فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان وحسن روحاني، بشكل علني وغير مسبوق، أمس الجمعة، في الاتفاق على كيفية حلّ "أزمة إدلب" السورية، بين حماسة محور حليفَي النظام السوري لشن حملة دموية عليها، وإصرار أردوغان على حمايتها من "حمام دم"، ليغيب حلّ أزمة المحافظة عن البيان الختامي، وليبقى مصيرها معلّقاً إما على المجهول أو على اتفاقات غير معلنة قد تكون عقدت بين الرؤساء الثلاثة وقد تظهر معالمها سريعاً. وتابع العالم، أمس الجمعة، مباشرة على الهواء، طيلة أكثر من ساعة، مشهداً غير مألوف بتاتاً في الأعمال الدبلوماسية، عندما اجتمع بوتين وأردوغان وروحاني أمام شاشات العالم، وتساجلوا واختلفوا بشكل حاد أحياناً، وإلى جانبهم مساعدوهم وأعضاء وفودهم، في طهران، في إطار القمة الثالثة للدول الضامنة لمسار أستانة الذي بدا أنه انتهى عملياً بما أنه قام على أساس مناطق خفض التصعيد التي "أصبحت مجرّد فكرة إلا في إدلب"، على حد تعبير أردوغان، الذي كان "نجم القمة" في خلافه العلني والواضح مع كل من روحاني وبوتين لجهة رفضه حصول مجزرة في إدلب بدا كل من نظيرَيه شديدي الحماسة لها، بحجة "محاربة الإرهاب" طبعاً.
واحتدم النقاش في الاجتماع الثلاثي الوحيد بين الرؤساء، بعدما اجتمعوا على صعيد ثنائي منذ وصول أردوغان وبعده بوتين ظهراً إلى العاصمة الإيرانية، بين معسكرين: أردوغان من جهة، الذي أصرّ على إدخال بند الهدنة ووقف إطلاق النار فوراً في إدلب، ومن جهة أخرى محور روحاني ــ بوتين المصرّ على خيار المجزرة في إدلب والرافض لوقف إطلاق النار، "على قاعدة رفض حماية الإرهابيين بحجة وجود مدنيين" على حد تعبير بوتين نفسه، الذي بدا روحاني معتدلاً مقارنة به أمس. وعلى الرغم من أن كلمات الرؤساء الثلاثة شملت مواقف بلادهم من عدد كبير من عناوين الملف السوري، من اللجنة الدستورية والوجود الأميركي في سورية وعودة اللاجئين والحل السياسي، إلا أن ملف إدلب كان الموضوع الأبرز بطبيعة الحال ومادة الخلاف الرئيسية لا الوحيدة. وقد تعاطى أردوغان مع موضوع إدلب على اعتبار أنه "بالنسبة لنا قضية حياة أو موت، وأي حل عسكري هناك قد يتسبّب في انهيار الحل السياسي وسيعطي ذريعة للإرهابيين والمتطرفين". بناءً على ذلك، ظلّ موقفه حاسماً في رفض إصرار بوتين وروحاني على الحسم العسكري في تلك المحافظة، وتمسك بإضافة بند الهدنة والوقف الفوري لإطلاق النار على البيان الختامي للقمة، وهو ما رفضه رسمياً بوتين وروحاني، قبل أن يعود أردوغان إلى اقتراح إرفاق بند الهدنة بآخر، ينصّ على "دعوة المتطرفين وجبهة النصرة لإلقاء السلاح من أجل إحلال السلام"، وهو ما بدا حسن روحاني موافقاً عليه، بينما ظلّ بوتين رافضاً للفكرة، "لأن متشدّدي جبهة النصرة وداعش المتمركزين هناك ليسوا طرفاً في محادثات السلام" على حد تعبيره، علماً أنه لا وجود لداعش في إدلب. وردّاً على إصرار أردوغان على الهدنة ووقف إطلاق النار، قال بوتين إن "الإرهابيين يقومون بأعمال استفزازية ويستهدفوننا ولا يمكننا أن نتجاهل ذلك، وهذه قضية معقدة جداً مع تفهم أن الحكومة السورية لها الحق بالسيطرة على كل المناطق السورية".
وانعكست أجواء الخلاف حول إدلب غياباً لشكل الحل المتفق عليه بخصوص المحافظة في البنود الضبابية للبيان الختامي الذي دعا إلى الفصل بين التنظيمات الإرهابية والمعارضة المسلحة والحد من خسائر المدنيين، وهو ما قد يكون البند الأبرز والذي ربما يوحي بأن المهمة ستقع على تركيا لجهة مواجهة جبهة النصرة وحلّ مشكلتها في المحافظة الشمالية الغربية. ولفت البيان إلى اتفاق الأطراف الثلاثة "على السعي لحل الوضع في إدلب"، من دون توضيح كيفية حصول ذلك، ومن دون أن يفيد كلام بوتين في توضيح المقصود بـ"إرساء الاستقرار في إدلب على مراحل". وشدد البيان على استمرار التعاون الثلاثي للقضاء على الإرهاب، مع "رفض تام لمحاولات إيجاد ذرائع جديدة على الأرض السورية بدعوى محاربة الإرهاب"، وهو بند يعتقد أنه موجه تحديداً ضد الوجود الأميركي في الشرق السوري إلى جانب قوات سورية الديمقراطية ذات الغالبية الكردية. كذلك دعا بيان قمة طهران إلى تجهيز أرضيات عودة اللاجئين السوريين لبلادهم بإشراف أممي، وإرسال المساعدات الإنسانية والتجهيز لمرحلة إعادة الإعمار، على أن يكون الاجتماع المقبل في روسيا لمواصلة المشاورات، من دون تحديد موعد محدد، مع إشارة النصّ إلى الوقوف "في وجه أي محاولات انفصالية تستهدف وحدة سورية"، في إحالة إضافية إلى الدور الأميركي الداعم للأكراد الذين تتهمهم تركيا بالرغبة الانفصالية. واختتم البيان الختامي باتفاق الرؤساء الثلاثة على أن "الصراع السوري لا يمكن أن ينتهى سوى بعملية تفاوض سياسية وليس بوسائل عسكرية".