لم يكن الاعتداء الذي شنه، مساء السبت، عشرات المستوطنين على قرية المغير بالقرب من رام الله، مفاجئاً لأحد، إذ إن البيئة السياسية والاجتماعية والأمنية السائدة في إسرائيل لا تسهم فقط في تواصل الاعتداءات التي يشنها المستوطنون، وبشكل خاص أعضاء التشكيلات الإرهابية، بل إنها تؤسس أيضاً لإحداث تحول على طابع الاعتداءات ومساحتها الجغرافية ونتائجها.
ولم يتدخل عناصر جيش وشرطة الاحتلال الذين تواجدوا في المنطقة لوقف الهجوم الذي شنه المستوطنون على الأهالي، وهو ما أدى إلى مقتل الأسير المحرر حمدي النعسان وجرح 20 آخرين على الأقل، لأن قوات الاحتلال تتصرف فقط كحامية للمستوطنين، حتى عندما ينفذون اعتداءاتهم على الفلسطينيين، وهذا الذي يفسر حدوث زيادة هائلة في عدد الاعتداءات التي نفذها المستوطنون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية خلال عام 2018 مقارنة بعام 2017.
ووصلت لامبالاة سلطات الاحتلال إزاء إرهاب المستوطنين إلى درجة أن تحقيقاً بثته قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية "كان" مؤخرا دلّ على أن بعض المدارس في المستوطنات قد تحولت إلى قواعد لتدريب الطلاب على تنفيذ الاعتداءات على الفلسطينيين.
وحسب نتائج التحقيق، فقد تدرب الإرهابيون الذين قاموا برجم المواطنة الفلسطينية عائشة الرابي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي حتى الموت، عندما كانت تقود سيارتها بالقرب من مستوطنة رحاليم، في محيط نابلس، على تنفيذ عمليات الاعتداء داخل مدرسة "بري هآرتس" الدينية التي يتلقون التعليم فيها.
اللافت أن هناك إجماعاً بين الخبراء والمعلقين في إسرائيل على أنه برز في العقد الأخير تيار ديني يرى أنه ليس فقط من الجائز تنفيذ عمليات إرهابية ضد الفلسطينيين، بل إن هذه تمثل فريضة دينية. ويجمع التيار الجديد بين التطرف الديني الذي يمثله التيار الحريدي، والتطرف القومي الذي يمثله التيار الديني القومي، بحيث بات يطلق عليه "التيار الحريدي القومي".
في الوقت ذاته، فإن المؤسسات الإسرائيلية الرسمية لا تقدم فقط دعماً للتشكيلات الإرهابية، بل إنها تجاهر بحثها على مواصلة تنفيذ العمليات الإرهابية.
ولم تحل حقيقة أن الحاخام صموئيل إلياهو، حاخام مدينة صفد، هو موظف دولة، وضمن المرشحين لتولي قيادة المؤسسة الدينية الرسمية في إسرائيل (الحاخامية الكبرى)، دون قيامه قبل أيام بنشر فيديو يجاهر فيه بأنه أبلغ طلاب مدرسة "بري هارتس" المسؤولين عن قتل عائشة الرابي بأن مثل هذه العمليات هي التي ستفضي إلى تولي التيار الديني قيادة الدولة في إسرائيل.
وحتى على مستوى الحكومة والبرلمان، فإن الوزراء والنواب يرفضون اتخاذ حتى موقف نقدي إزاء العمليات الإرهابية اليهودية. فقد رفض يوفال شطاينتس وزير الطاقة وعضو المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن، اليوم الأحد، وصف الاعتداء على قرية المغير بأنه "إرهاب يهودي"، وهو الموقف الذي تبناه أيضا الليكودي أفي ديختر، رئيس لجنة الخارجية والأمن والرئيس الأسبق لجهاز "الشاباك".
إلى جانب ذلك، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية التي يملكها اليمين الديني تلعب دوراً مهماً في التشجيع على العمليات الإرهابية.
فعلى سبيل المثال، تعكف قناة "20" على استضافة باروخ مارزيل، القيادي السابق في حركة "كاخ" الإرهابية، وأحد زعماء الجيب الاستيطاني في مدينة الخليل، في أوقات متقاربة ليتحدث عن تجربته في قمع الفلسطينيين في الخليل، حيث يتباهى بدور الاعتداءات التي يقودها هناك في "ترويض" الفلسطينيين على التعايش مع المستوطنين.
واستناداً إلى ما تقدم، فإن هناك أساساً للاعتقاد أن البيئة السياسية والاجتماعية التي يعمل فيها أعضاء التشكيلات الإرهابية اليهودية قد تغريهم بالانتقال إلى أنماط أخرى أكثر فتكا من العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين، بحيث تنتقل إلى ساحات جغرافية أخرى.
في غضون ذلك، فإن تواصل اعتداءات المستوطنين، دون أن تقوم السلطة الفلسطينية، التي تواصل التعاون الأمني مع إسرائيل، بأي دور فاعل لمنع هذه الاعتداءات، قد يعجل بانفجار موجة جديدة من العمليات أو حتى اندلاع نمط جديد من الهبات الجماهيرية التي يمكن أن تقلب المشهد السياسي والأمني في الضفة الغربية وإسرائيل.