وتأتي هذه المستجدات بعد مشاورات جرت بين رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير الإسكان عاصم الجزار، مع رجلي الأعمال الإماراتيين؛ رئيس مجموعة "الحبتور" الاستثمارية، خلف الحبتور، ورئيس مجموعة "إعمار" العقارية محمد العبار، لبحث الفرص الاستثمارية في مشروع الاستيلاء على الجزيرة، الذي تصفه الحكومة بـ"التطوير".
في موازاة ذلك، أوضحت المصادر الحكومية نفسها أنّ خبراء وزارة العدل المكلفين بإعداد القسم الأكبر من التقرير الفني الذي أمرت محكمة القضاء الإداري في حكمها التمهيدي في القضية بإعداده توطئة للحكم فيها، تلقوا تعليمات إدارية من مساعد وزير العدل المختص بـ"عدم الاستعجال في إعداده". وذلك نظراً لرغبة الدولة في إنهاء القضية واقعياً من خلال ترضية أو طرد الأهالي من دون أن تتورط أي جهة في إعداد تقارير بشأن الطبيعة الإدارية للأراضي أو تاريخ ملكيتها، خوفاً من تسريب تلك التقارير واستخدامها لاحقاً، سواء ضدّ الحكومة أو ضدّ المستثمرين بعد تسليم الأراضي لهم. وبالتالي، فإنّ الحكومة تعمل على منع خلق "ذيول أو تبعات" للقضية بحيث يتم إنهاؤها بحكم الأمر الواقع وبعيداً عن المحاكم.
ويتمسك محامو الأهالي بضرورة الحفاظ على الأوضاع القانونية المستقرة لأهالي الجزيرة، ونشاطهم الزراعي، خصوصاً أنهم ينتجون محاصيل زراعية استهلاكية واستراتيجية للقاهرة الكبرى. ويطالب السكان في الدعاوى بتطبيق مبادئ المحكمة الإدارية العليا التي تعلي حق الفرد في السكن على حقّ الدولة في الاستيلاء على الأراضي تحت ستار تحقيق المنفعة العامة.
وذكرت المصادر أنّ هذه المسألة تعتبر من الشواغل الرئيسية للمستثمرين الخليجيين المقبلين على شراء الأراضي أو الانتفاع بها، نظراً لدخول المستثمرين الأجانب في مصر في مشكلات مشابهة سابقاً بعد رفع الحكومة يدها عن تسليم الأراضي أو الشركات المباعة، كما حدث في قضايا الخصخصة وبيع أراضي طريق مصر الإسكندرية الصحراوي ومنطقة مفيض توشكى، والتي كانت من العقبات الأساسية أمام الاستثمارات الخليجية في سنوات ما بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
وأوضحت المصادر أنّ وزير النقل كامل الوزير أصدر تعليمات سرية للهيئات الخدمية والمرفقية في شمال الجيزة بالتوقف عن مدّ أو تحسين حالة أي مرافق في مساحات الأراضي المتبقية التي لم يتم التفاهم على إخلائها، وذلك بهدف "تطفيش" الأهالي وإجبارهم على القبول بالتعويضات المعروضة. وأضافت المصادر أنّ الوزير تواصل أيضاً مع عدد من كبار مُلاك الأراضي ورجال الأعمال الذين يملكون القسم الأكبر من أراضي الجزيرة، وطلب منهم الإسراع في تسليم قطع الأرض التي بحوزتهم في المنطقة المراد نزع ملكيتها، إلى الحكومة طواعية، وذلك قبل تقاضيهم المبالغ المالية التي تم الاتفاق عليها في مايو/أيار الماضي.
وسبق للعشرات من الأهالي ملاك قطع الأراضي الصغيرة، الذين كانوا قد تضامنوا في إقامة القضية، أن عادوا ورضخوا لتسليم أراضيهم بعد تخييرهم بين تقاضي المبالغ المالية واستلام الوحدات السكنية البديلة، خصوصاً مع استمرار تعرضهم لتهديدات وحرب شائعات على مدار اليوم وفرض قيود على حركة نقل البضائع من وإلى الجزيرة وتكثيف الوجود الأمني، والقول لهم إنّ الأهالي الذين أبلغوا السلطات المحلية برغبتهم في تسليم عقاراتهم أثبتوا في محاضر رسمية تخليهم عن الدعاوى المرفوعة أمام القضاء الإداري، وذلك في إطار رغبة الحكومة في زعزعة الروابط بين السكان وبث الفتنة بينهم.
وكانت لجان تابعة للجيش ووزارة الإسكان قد أجرت محاولات، نهاية العام الماضي، لحصر الملاك الظاهرين لجميع الأراضي التي لم يتم التنازل عنها بعد، لكن السكان رفضوا التعامل مع هذه اللجان ولم يمنحوها أي أوراق أو مستندات بهذا الشأن، ما أدى إلى تعطيل العمل المستهدف لإخلاء الأراضي. وللتغلب على هذا الأمر، لجأت الحكومة لإصدار قرار الاستيلاء، على أن يتم تأجيل منح الأهالي التعويضات لفترة لاحقة، من دون حصر مسبق للملاك الظاهرين والأوضاع المستقرة على الأراضي. وستكون الحكومة بنزعها ملكية هذه الأراضي قد أفرغت محيط الجزيرة من سكانها، ولم يتبق إلا الأراضي الداخلية الأقل قيمة، والتي لا يمانع أهلها تركها شرط الحصول على التعويض العادل، وبالتالي فإنّ الحكومة ستضعف بذلك موقفهم خلال التفاوض.
وفي تصريحات سابقة، قال مصدر حكومي مصري، لـ"العربي الجديد"، إنّ جميع الجهات الحكومية، التي تملك أو تستأجر أو تسجل قطعاً من الأراضي لصالحها في جزيرة الوراق، ستسلمها إلى هيئة المجتمعات، تمهيداً لاستلام الأراضي المملوكة من الأهالي، وكذلك لرجال الأعمال كمحمد أبو العينين، بنظام نزع الملكية للمنفعة العامة والتعويضات المالية أو العقارية بوحدات سكنية أخرى في مناطق قريبة.
وتتضمن الخطة الحكومية لإعادة استغلال الجزيرة وغيرها من جزر النيل، التي كانت تعتبر منذ العام 1998 محميات طبيعية في أنشطة الاستثمار العقاري، تعويض الأهالي المقيمين على أراضي الجزر، التي سيتم استغلالها، بمساكن جديدة ستقيمها الدولة بالمداخيل الأولية التي ستجنيها من عملية الاستثمار العقاري.
وتعود أزمة جزيرة الوراق إلى 16 يوليو/تموز 2017، حين شرعت قوات من الجيش والشرطة في إزالة 18 منزلاً، ما أدى إلى اشتباكات بين الأهالي وقوات الأمن التي قامت بإطلاق الأعيرة النارية وقنابل الغاز المسيل للدموع، الأمر الذي أسفر عن مقتل أحد أهالي الجزيرة ويدعى سيد الغلبان، وإصابة آخرين، ليصدر قرار من وزير الداخلية آنذاك بوقف حملة الإخلاء القسري لأهالي الجزيرة.
وفي 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، تجدد الصراع على أرض الجزيرة بعدما حاصرت قوات الشرطة معدية دمنهور، وهي أهم المعديات التي تربط الجزيرة بمنطقة شبرا الخيمة من الناحية الشرقية، وأمرت أصحابها بإخلاء المرسى لإزالته من أجل تشغيل عبارة تابعة للجيش مكانها، إلا أن الأهالي تصدّوا للإخلاء، وتبع ذلك حضور قوات أكبر من الأمن المركزي، وإصدار مدير أمن القليوبية قراراً بسحب القوات خشية تطور الأحداث.