ووفقاً لمصادر حكومية يمنية، تحدثت مع "العربي الجديد"، فقد وصل الاتفاق إلى مرحلةٍ حاسمة، من خلال موافقة الطرفين، الحكومة الشرعية و"الانتقالي الجنوبي"، على صيغةٍ نهائية، مساء أول من أمس الخميس، تزامنت مع لقاءٍ عقده نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، جرى خلاله وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق وتحديد موعد توقيعه غداً الأحد ما لم تطرأ تغييرات تؤخر ذلك. وأكد مسؤول حكومي يمني أن التوقيع سيتم بحضور الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، والمبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث.
من جهته، شدّد وزير النقل اليمني صالح الجبواني على أهمية ألا يكافئ أي اتفاق من وصفهم بـ"المتمردين" في إشارة إلى "الانتقالي"، محذراً من أن مصير أي اتفاق يخالف ذلك سيكون الفشل.
من جانبها، عبّرت خمسة مكونات جنوبية، هي مجلس الحراك الثوري، ومؤتمر حضرموت الجامع، ومرجعية حلف قبائل وادي حضرموت، والائتلاف الوطني الجنوبي، وتكتل الحراك السلمي المشارك في الحوار الوطني، في رسالة للرئيس اليمني، عن اعتراضها على آلية المشاورات بين الحكومة الشرعية، و"الانتقالي الجنوبي"، مطالبة بإشراكها في أي حلول سياسية تتعلق بجنوب اليمن.
وفي الوقت الذي لا تزال فيه الصيغة النهائية للاتفاق حبيسة الغرف المغلقة، أوضحت المصادر ذاتها أن الخطوط العريضة للاتفاق لم تخرج عن المضامين المُسرّبة خلال الأسبوعين الماضيين. ويضاف إلى هذه المضامين، بحسب المصادر، تقرير قضايا تفصيلية، على غرار تحديد أن تكون الحكومة اليمنية المقبلة مؤلفةً من 24 وزيراً، نصفُهم من المحافظات الجنوبية، ومثلهم من الشمال اليمني، تنفيذاً للمبدأ الذي اعتمده مؤتمر الحوار الوطني الشامل (2013 - 2014).
وينصّ الاتفاق بمجمله على تشكيل حكومة يمنية جديدة، قد لا يشمل بالضرورة إطاحة رئيس الوزراء معين عبد الملك، على أن يشارك "الانتقالي الجنوبي" في عملية التشكيل، من خلال حقائب محدودة، وفي مقابل جملة من الترتيبات، تبدأ بعودة الحكومة بكامل أعضائها إلى مدينة عدن الجنوبية، وتسلم القوات السعودية زمام الإشراف على مختلف الخطوات الأمنية والعسكرية. وترتبط هذه الخطوات خصوصاً بهيكلة ودمج قوات "الانتقالي" والتشكيلات المسلحة التي أسّستها أبو ظبي، بالمؤسسات اليمنية الرسمية (وزارتي الدفاع والداخلية)، وغيرها من البنود.
وبصرف النظر عن التعديلات النهائية عليه، فقد باتت ملامح الاتفاق معروفة إلى حدٍّ كبير، ومن شأنها أن تؤسس لمرحلة سياسية جديدة في الجنوب اليمني، وكذلك على صعيد العلاقات بين دولتي "التحالف" الذي يقود الحرب في هذا البلد، أي الإمارات والسعودية، في ما بينهما من جهة، وعلى صعيد العلاقة مع الحكومة اليمنية. فما هي موازين الربح والخسارة؟
الشرعية
وفقاً لمضامين الاتفاق، المقرر توقيعه في العاصمة السعودية الرياض، فإن أبرز ما يمكن اعتباره انتصاراً للحكومة اليمنية هو إنقاذ الوضع الهشّ الذي وصلت إليه، في أعقاب فقدانها السيطرة على مدينة عدن في أغسطس/ آب الماضي لصالح الانفصاليين، بعد فقدانها العاصمة صنعاء (تحت سيطرة الحوثيين). هكذا يبدو أي اتفاق يحقق عودة مسؤولي الشرعية إلى عدن، بمثابة مكسب، إذا ما نُفذ دون التفاف.
إلى جانب ذلك، فإن انسحاب الإماراتيين أو نزع القرار الأول في عدن من أيديهم على الأقل، يشكل أحد أهم التحولات منذ سنوات على صعيد التطورات في الجنوب اليمني، لا سيما بعدما وصلت الممارسات الإماراتية في ذروتها إلى حربٍ عسكرية ضد الشرعية.
كذلك، فإن إخضاع مختلف التشكيلات العسكرية والأمنية في الجنوب اليمني، وأبرزها "الحزام الأمني" وقوات النخبة الحضرمية والشبوانية، للمؤسسات الرسمية اليمنية، يعد أحد المطالب التي سعت إليها الحكومة الشرعية منذ سنوات، وواجهتها أبوظبي بالرفض. وتبقى إجراءات الدمج والإلحاق بـ"الدفاع" و"الداخلية" مرهونة بصدق التنفيذ، بحيث لا تكون مجرد إجراء شكلي، يبقي على هذه القوات كأذرعٍ لـ"الانفصاليين" والإماراتيين.
في المقابل، فإن الاعتراف بـ"الانتقالي الجنوبي" يعد أبرز ما يمكن اعتباره تنازلات أو خسائر بالنسبة للشرعية. ويعني ذلك الاعتراف بهذا الكيان الانفصالي كجزءٍ من الحكومة، وإشراكه فيها، على نحوٍ قد يؤثر على قدرتها بالوقوف في وجه الأجندة الإماراتية، إذا ما استمرت بشكل أو بآخر. ويأتي ذلك فيما من غير المستبعد أن يتم استغلال الحقائب التي قد تُمنح لـ"الانفصاليين" كغطاءٍ رسمي لتنفيذ الأجندة المعلن عنها من قبل "الانتقالي". وفي هذا السياق، يأتي أيضاً دور الضمانات ومدى قدرة ووفاء الرياض بوعودها بدعم الاتفاق فعلياً على الأرض، بما يصب في خدمة الشرعية.
"الانتقالي":
يُعدّ المكسب الأول الذي حققه "المجلس الانتقالي الجنوبي"، كمُكونٍ يتبنى الانفصال تأسس بدعمٍ كبير من الإمارات في مايو/ أيار2017 في مواجه الشرعية اليمنية، هو الاعتراف رسمياً به كطرفٍ في العملية السياسية، ومنحه أفضليةً بالتمثيل جنوباً، إلى جانب مكونات أخرى، بحسب المسودة المسربة للاتفاق. وبالتالي، لم يعد "المجلس" في خانة "التمرد"، التي تأسس على ضوئها للمطالبة بالانفصال، وتبني إسقاط الشرعية بانقلابٍ، على غرار ما فعل الحوثيون في صنعاء في عام 2014.
وتشمل المكاسب التي حققها المجلس أيضاً المشاركة في الحكومة المزمع تشكيلها على ضوء الاتفاق، بما يعنيه ذلك من مصالح يمكن أن تُستغل بصورةٍ أو بأخرى، فضلاً عن الإطار الرسمي الذي سيُمنح من خلال ضمّ التشكيلات المسلحة التابعة له إلى الأطر الرسمية، على أن عملية الضم هذه بحدّ ذاتها يمكن أن تمثل خسارة بالنسبة لـ"الانتقالي الجنوبي"، إذا ما نفذ الاتفاق، عندما تصبح هذه القوات تابعة فعلاً للحكومة كمؤسسة، وليس للمجلس كطرف.
في المقابل، فإن أبرز ما يخسره "المجلس" من اتفاق الرياض – جدة اليمني هو نفوذ داعميه الإماراتيين في عدن، وهو أمرٌ يعني له الكثير، ويعتمد على الموقف الذي تضع فيه السعودية المجلس باعتباره حليفاً من عدمه، في ظلّ السياسة التي تسعى من خلالها لأن تبدو كمن يقف على مسافة واحدة من مختلف الأطراف، مع الانحياز المعلن للشرعية.
كلّ ذلك يضاف إلى أن المجلس الذي يعتبر الانفصال واستعادة ما يصفه بـ"الدولة الجنوبية" هدفه الأول بات مضطراً لمراجعة أدبياته السياسية وممارساته، على نحوٍ يضعه في أزمة مع مناصريه المتحمسين لـ"الانفصال". ومع ذلك، فإن الاتفاق يمثل مخرجاً مرضياً للتراجع إلى الوراء، مع حفظ ماء الوجه، في ظلّ معطيات الواقع والموقف الإقليمي الذي يشير إلى أن الانفصال يبقى مشروعاً غير مرحب به، وإن كان يجد من يدعمه بإجراءات واقعية، لا تقود بالضرورة لقيام دولة جديدة باليمن، بقدر ما تدعم واقع التمزيق للبلاد.
الإمارات
عند الحديث عن موازين الربح والخسارة في اتفاق يرتب وضعاً جديداً جنوبي اليمن تحضر الإمارات كأحد أبرز المعنيين، باعتبارها الطرف المحرك للانفصاليين، والتي تصدرت واجهة نفوذ "التحالف" منذ سنوات. ويطالب الاتفاق أبوظبي بالتخلي عن هذا النفوذ، أو على الأقل تسليم زمام الأمور للسعوديين، ما يعني أنها حتى وإن احتفظت بوجودٍ عسكري أو نفوذ ما، فهي لن تعود صاحبة القرار الأول في الجنوب اليمني.
في هذا الإطار، يبدو الانسحاب الإماراتي معاكساً للأطماع والأجندة التي رسمتها أبوظبي في اليمن، ووسعت من خلالها نفوذها في جنوبه خلال السنوات الماضية. ومن زاوية أخرى، فإن الاتفاق يوجد للإمارات مخرجاً دبلوماسياً من مأزق سياساتها التي لم تحولها فقط إلى خصم للحكومة اليمنية ومكونات واسعة في البلاد، بل إنها شكلت أحد أبرز ملامح فشل "التحالف" السعودي، وخلقت إحراجاً كبيراً للرياض، من خلال تأسيس انقلاب يقتفي بعد أكثر من خمس سنوات أثر ما قام به الحوثيون.
السعوديون: مسؤولية ثقيلة
بحسب ما تشيرُ إليه مختلف المضامين المُسرّبة، تعد السعودية مستفيداً رئيسياً من الاتفاق، لسببٍ أول هو اعتبار أنه جرى تحت إشرافها ووفقاً للهندسة التي أرادت من خلالها احتواء الأزمة جنوباً. كذلك تمرّ المكاسب السعودية بمجمل البنود التي تمنحها صلاحية الإشراف على مختلف الإجراءات التنفيذية للاتفاق وتكثيف وجودها العسكري في عدن، على حساب الإمارات، وصولاً إلى أن أي حلّ للأزمة في جنوب اليمن، من شأنه أن يخفف عن الرياض الضغوط بشأن الواقع الذي آلت إليه البلاد بعد سنوات من الحرب، بما في ذلك، فشل الشرعية في إثبات وجودها على الأرض.
في المقابل، فإن الاتفاق يحمّل الرياض مسؤولية ثقيلة، سواء لجهة بنود فيه يمكن أن تكرس قاعدة سياسية داعمة للانفصال، أو لجهة أي تقصير في مسألة التنفيذ، مروراً بكونها باتت في عين العاصفة بما يرتبط بأي تحولات قد تطرأ جنوباً، وصولاً إلى الالتزامات المالية المترتبة عليها إثر الاتفاق.
حزب الإصلاح: ربحٌ نسبي
على مدى سنوات، نُظر إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح بوصفه الطرف الأكثر تنظيماً في مكونات الشرعية، وواجه حرباً بلا هوادة من الإماراتيين، الذين يصنفونه كذراع لـ"الإخوان المسلمين" في اليمن. ويأتي ذلك خلافاً للسعودية التي تحاول النظر إلى "الإصلاح" اليمني كمكون شبيه بغيره من المكونات المحسوبة على الشرعية.
وفي هذا السياق، فإن إبعاد الإماراتيين عن واجهة قرار "التحالف" يمكن أن يمثل مكسباً لـ"الإصلاح" ومجموع القوى المحسوبة عليه، خصوصاً إذا ما أفضى الاتفاق إلى مرحلة جديدة تستفيد منها مختلف القوى المحسوبة على الشرعية. وفي المقابل، تجرى الإشارة إلى "الإصلاح"، في إطار الأطراف المتوقع أن يقلص الاتفاق من نفوذها، من خلال إدخال شركاء جدد إلى الحكومة، سواء كنتيجة لجملة المضامين والترتيبات العسكرية والأمنية والسياسية، أو كنتيجة لتوجهات غير مدونة بالضرورة، للأطراف الفاعلة إقليمياً ودولياً.
الحوثيون والحرب شمالاً
إزاء مختلف المعطيات السياسية والميدانية جنوباً، وما رافقها من أزمة بين "التحالف" والشرعية، ومظاهر فشل الأخيرة بفرض سيطرتها على المناطق غير الخاضعة للحوثيين، يمثل أي اتفاق يعيد ترتيب مجموع القوى التي تتخذ موقفاً مناوئاً لانقلاب "أنصار الله"، تطوراً يمكن أن يساهم بتقوية موقف الشرعية أو على الأقل سدّ بعض ثغرات الضعف مؤقتاً بغطاء سياسي. الأمر ذاته ينطبق على الرياض، التي واجهت ضغوطاً كبيرة بالتزامن مع تطورات عدن.
ويعزز هذا التقييم أن التصعيد الإماراتي خلال الأشهر الماضية ترافق مع هجمات غير مسبوقة نفذها الحوثيون، ومن خلفهم إيران، تجاه السعودية (هجمات منشآت أرامكو مثالاً)، ما يعني أن الاتفاق قد يرفع أسهم الشرعية في التفاوض، أو ميدانياً في بعض الجبهات. وفي العموم، فإنه يشكل بداية العودة إلى المسار السياسي على حساب التصعيد عموماً.
وبين قراءات مكاسب أو خسائر وتنازلات مختلف الأطراف اتفاق الرياض – جدة اليمني المرتقب، يبقى المؤكد أن النجاح يبقى مرهوناً بالتنفيذ. فلطالما شهد اليمن إبرام اتفاقات، بقي العديد منها حبراً على ورق، أو حظي بتنفيذ جزئي لم يمنع لاحقاً الانفجار، تماماً كما حصل خلال مؤتمر الحوار الوطني اليمني منذ سنوات، الذي لم يكد يمضي عام على توقيعه، حتى أصبحت صنعاء خاضعة للحوثيين.