تستعد فرنسا، غدا الاثنين، لتنظيم تكريم رسمي كبير لجنودها الثلاثة عشر، الذين قتلوا في مالي في حادث تصادم طائرتي هليكوبتر أثناء مطاردة عناصر من تنظيم "داعش" الإرهابي.
وسيلقي الرئيس إيمانويل ماكرون خطابا في الثالثة والنصف بعد ظهر غد، وذلك بحضور رئيس دولة مالي إبراهيم بوبكر كيتا.
ولكن ما كانت الحكومة تريده إجماعاً في المواقف، كسرته حركة "فرنسا غير الخاضعة"، مرة أخرى. فبعد الموقف الذي تلا خبر سقوط جنود فرنسيين، والذي عبَّرت من خلاله الحركةُ السياسية الفرنسية الراديكالية عن حزنها على هذه الخسارة الكبيرة، وفي الوقت نفسه عن رغبتها في فتح نقاش عمومي يفسّر للفرنسيين جدوى وجود جنود فرنسيين في دول الساحل والصحراء، والذين تجب عودتهم، نشَرَ زعيم "فرنسا غير الخاضعة"، جان لوك ميلاينشون وباستيان لاشو، وهو برلماني من الحركة وعضو في لجنة الدفاع في البرلمان، مقالا في صحيفة "لوجورنال دي ديمانش"، عبّرا فيه عن رغبتهما في "إعادة جنودنا إلى البيت".
وكشف ميلاينشون ولاشو عن أن البرلمان الفرنسي لم يكن هو من قَرَّر إرسال هؤلاء الجنود (4500 عنصر)، ولم يناقش الأمر، ولو مرة واحدة.
وتساءل المقال عن سبب وجود فرنسا في المنطقة، وإلى متى، وأيضا إن كان الماليّون قادرين على تقرير مصيرهم، وإن كانت الحالة اليوم أفضل مما كانت عليه ساعة التدخل، قبل ست سنوات، وهل الفرنسيون مُرحَّبٌ بهم بشكل أفضل؟ قبل أن يجيب الكاتبان على هذه الأسئلة بالنفي، "بل إن الكثيرين يتحدثون عن الكارثة".
وعدَّد السياسيان ثلاثة خيارات، الأول يقتضي البقاء في المنطقة، وهو في نظرهما "خيار عبثيٌّ". أما الثاني، وهو إرسال جنود إضافيين، و"هذا ما لا نستطيعه"، باعتراف رئيس الأركان الفرنسي الجنرال فرنسوا لوكوانتر، عندما صرَّح بأنه "في أقصى قدراته".
وتساءل السياسيان، كخيار ثالث، إن كان من الضروري تعبئةُ المجموعة الدولية، ولاحَظا أن الأمر غير محتمل، لأنه "يتوجب تحديد أهداف متقاسَمَة بشكل حقيقي، وهو ما ليس متوفرا"، والسبب هو أن "مالي أصبحت موضوع صراع تأثيرات، حيث إن جهود العديد من القِوى تتعارَض فيما بينها بدل أن تتعزز".
وتحدث المقال عن وضع دولة مالي الكارثي، حيث انعدام المدارس والمحاكم، وانعدام الجيش تقريبا، وعن التطرف الذي تغذيه المملكة العربية السعودية، واستنتجا أنه يتوجب "بناء قبضة من الرفاهية"، بدل "القبضة الأمنية"، كما أنّ استرجاع الأراضي يستلزم البناء والمصالحة تحت سلطة الشعب نفسه، ويجب البدء بهذا في الأراضي التي لم يَصِلها الجهاديون بعدُ، وهو ما يَحُول دون توسيع دائرة تأثيرهم، و"هذه الأعمال ليست من مهمة العسكريين".
وختم السياسيان مقالهما بالتأكيد على أنه "من غير الممكن الانسحاب الفوري للقوات الفرنسية، حيث إن اتفاقاتنا الدفاعية (مع مالي) تمنعنا من ذلك"، لكنهما استدركا بأنه "من الضروري تحديد وسائل إعادة الجنود، بسرعة، إلى البيت"، وهو ما يعني أنه "حان الوقت من أجل الانتقال إلى علاقة أخرى مع شعوب أفريقيا".
وإذا كان موقف قياديي حركة "فرنسا غير الخاضعة" موقف أقلية في فرنسا، إلا أن الإعلام أصبح يتحدث من دون مواربة عن أن المأزق في الساحل والصحراء يغذيه تساقط جنود فرنسيين، بين الحين والآخر، وهو ما يقلل من شعبية التواجد الفرنسي، على الرغم من أن الفرنسين في أغلبيتهم الساحقة يبكون أبطالهم، الذين "ماتوا من أجل فرنسا"، ومن أجل "حماية الفرنسيين"، كما علق الرئيس إيمانويل ماكرون مباشرة بعد الحادث المأساوي المكلف.
ويعرف المسؤولون الفرنسيون أن عليهم فعل شيء لوقف النزيف، أو تقاسم الأعباء والمسؤوليات، وهو ما أكده الرئيس الفرنسي، من خلال استعداده لـ"مراجعة كل صيغ تدخل القوات الفرنسية"، وهو ما فسرته وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورنس بارلي، في حوار لها مع صحيفة "لوجورنال دي ديمانش"، بأن "كل الخيارات موضوعة على الطاولة، من أجل منح كل الفعالية لهذه العملية الكبرى ضد الإرهاب في الساحل".
وشرحت الوزيرة الفرنسية أن "النجاحات التي تحققها عملية "برخان" ليست انتصاراً، كما أن أي انتكاسة ليست هزيمة"، وهو ما يعني الرهان على "المدى الطويل".
واعتبرت أن "مكافحة الإرهاب كفاح جيل بأكمله"، وحتى لا تُظهِر الموقفَ الفرنسي وكأنه معزولٌ، في وقت تَكْثُر فيه مطالبات السياسيين الفرنسيين، من حكومة ومعارَضة، بانخراط أوروبي أكبر، خاصة أن فرنسا تدافع عن أوروبا، كما يقولون، لذا كشفت وزيرة الجيوش أن بعض الأوروبيين حاضرون في الجبهة، وخاصة البريطانيين، الذين كان دورُ ثلاث من طائراتهم، شينوك، خلال الأيام الأخيرة، "حاسما"، خاصة بُعيْدَ حدوث التصادم.
وكأنّ هذا لا يكفي، أضافت الوزيرة الفرنسية أن "هدفنا هو أن يكون معنا أوروبيون كثر في الصفوف الأمامية". وهو ما سيتحقق مع عملية "تاكوبا"، وحدة القوة الخاصة الأوروبية، التي سترافق الوحدات المحلية في المعارك. وكشفت بارلي أن دول تشيكيا وبلجيكا وإستونيا وافقت على المشاركة فيها، فيما تنتظر بلدانٌ أخرى موافقةَ برلماناتها.
ولم تمنع الوزيرة نفسها من انتقاد التدخل التركي في سورية، الذي وصفته بالأحادي الجانب، والذي "جعل وحدة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في وضعية صعبة"، كما تقول.