بعد الانقسامات الحادة والسجالات الحامية التي خلّفها موضوع الحريات الفردية في المغرب، خاصة ما يتعلّق بالحريات الجنسية والإجهاض وحرية العقيدة، شهدت مدينة سلا، قرب العاصمة الرباط، يوم أمس السبت، لقاء نادراً من نوعه جمع عدة أحزاب مغربية تنتمي إلى مواقع سياسية وإيديولوجية متناقضة، خصّص بالكامل لمناقشة الحريات.
وشارك رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، في أولى جلسات المناظرة، وتجنّب الخوض في المواضيع الحساسة للحريات الفردية، وتحدّث في المقابل عن الوضع السياسي العام في المغرب.
وقال العثماني، الذي يقود حزب "العدالة والتنمية"، إن "المغرب يتسم باستقرار سياسي وأمني، بفضل كل من العاهل المغربي، الملك محمد السادس، ووعي الشعب"، داعياً الطبقة السياسية إلى لعب دور إيجابي في ظل هذا الاستقرار، بهدف تعزيزه واستعادة ثقة المواطنين في العمل السياسي، باعتباره من ركائز العمل الوطني.
من جهته، توقّف زعيم حزب "الحركة الشعبية"، امحند العنصر، في خطابه الافتتاحي عند الصعوبات التي قال إنها اعترضت الفكرة، علما أن حزبه نظّم هذه المناظرة في إطار تقليد يُعرف باسم "الجامعة الشعبية".
وأوضح العنصر أن عدداً من "الأصدقاء" الذين لم يفصح عن هويتهم، نصحوه بعدم الإقدام على تنظيم هذا اللقاء بين الأحزاب السياسية لمناقشة الحريات الفردية، وأنه على العكس من ذلك، "اعتبرنا أنه من المهم مقارنة الآراء والاستماع إلى كل من لديه ما يقول حول هذا الموضوع".
أما وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، القيادي في "العدالة والتنمية" المصطفى الرميد، فقدّم أطول خطاب أمام هذه المناظرة، دافع فيه عن القوانين المغربية، معتبراً أنها تحمي الحريات الفردية والحياة الخاصة، محمّلا في المقابل مسؤولية الخروقات المسجلة إلى التطبيق والممارسة. وشدّد على أن الحريات الفردية حق تابث في القوانين المغربية، معتبرا ذلك متناسقا مع الشريعة الإسلامية في تمييزها بين الفضاءين العام والخاص.
وخلص الرميد إلى أن القوانين المغربية لا تسمح بأي "تلصص" أو "تجسس" أو "كسر للأبواب" من أجل محاربة الفساد الأخلاقي، لكون الشخص في الفضاء الخاص يكون "في علاقة بربه ولا شأن للدولة به، ما دام لم يضر غيره".
في المقابل، كشف الرميد عن أن الخلاف حول تجريم الإثراء غير المشروع سبب عرقلة مشروع قانون معروض حاليا على البرلمان، وليس الفصول الخاصة بالحريات الفردية. وحمّل الرميد مسؤولية هذا الجمود لفريق برلماني لم يحدّده، في إشارة منه إلى فريق حزب "الأصالة والمعاصرة" المعارض، والذي أعاق التوافق حول البنود الخاصة بتجريم الاغتناء غير المشروع.
من جانبه، قال الأمين العام لحزب "التقدم والاشتراكية" اليساري، محمد نبيل بنعبد الله، المنسحب من الحكومة أخيراً، إن المغرب ليس بحاجة إلى تشنج جديد بين معسكرين متناقضين حول مسألة الحريات الفردية. وأضاف أن ما يحتاجه المغرب هو إنضاج النقاش وجعل الأحزاب السياسية تلعب دوراً أساسياً في هذا الأمر، بدل السجال الذي يخلق أجواء التوتر.
وفي اعتراف ضمني بغياب الأحزاب السياسية عن مناقشة هذه المواضيع، قال بنعبد الله إن هيئات كثيرة تعرف مثل هذه النقاشات، وإن على الأحزاب السياسية أن "تتملّكها" كي لا تكون تابعة "بل علينا أن نكون في الطليعة".
وشدّد القائد السياسي المنتقل حديثا من الحكومة إلى المعارضة، أن المغرب في أمسّ الحاجة حاليا إلى جعل السياسيين والحزبيين في طليعة النقاشات المفتوحة و"حمل القضايا الأساسية وكل أنواع التعبير التي من الضروري أن نكون معبرين أوفياء عنها"، مضيفاً أنه من الأفضل أن تكون الأحزاب هي المعبرة عن هذه القضايا عبر قنواتها، "بدل تعبيرات عفوية أخرى، خارج هذا الإطار، بما يمكن أن يكون لذلك من نتائج غير محسوبة العواقب".
وفي تصريح غير معهود من جانبه، قال الأمين العام لحزب "الاتحاد الدستوري" المشارك في الحكومة، محمد ساجد، إن موضوع الحريات الفردية يهم كل المغاربة ويؤثر على مستقبل المجتمع المغربي، مؤكداً أنه يتعين على الهيئات السياسية تملّك الشجاعة لتناول هذه المواضيع.
واعترف ساجد الذي كان يتولى حقيبة وزارة السياحة قبل التعديل الوزاري لشهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن النقاش حول القانون الجنائي الذي يوجد قيد الدراسة في البرلمان، "لم يتقدم منذ سنوات". ودعا ساجد في المقابل إلى رفع حالة الجمود التي تعرفها بعض القضايا المصيرية بالنسبة للمغرب.