وأدت الحكومة الجديدة مراسيم اليمين الدستورية برئاسة رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد الصباح، أمس، أمام أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح في قصر بيان، بحضور ولي العهد الشيخ نواف الأحمد وكبار قادة الدولة. وبعد أداء مراسم اليمين، وجّه أمير البلاد كلمةً إلى رئيس مجلس الوزراء وأعضاء الحكومة، قائلاً لهم إن عليهم احترام الدستور والقانون والمال العام وتبسيط الإجراءات الإدارية، فيما قال رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم إن "رئيس مجلس الوزراء سيتحمّل مسؤولية اختياراته بعدما أخذ وقته الكافي في تشكيل الحكومة".
وتتألف الحكومة الكويتية الجديدة من 14 وزيراً، بينهم سبع وزراء جدد، وثلاث وزيرات للمرة الأولى في تاريخ البلاد منذ إقرار قانون حقوق المرأة السياسية عام 2005. في المقابل، غابت عن الحكومة التيارات الإسلامية البارزة، وهي تيار "الإخوان المسلمين" ممثلاً بـ"الحركة الدستورية الإسلامية"، والمجموعات السلفية والسياسيون الإسلاميون المستقلون، فيما شهدت الحكومة تواجد وزراء ووزيرات محسوبين على التيارات الليبرالية والوطنية.
ولعل أبرز اسم إشكالي في الحكومة، سيكون اسم وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، غدير أسيري، وهي أكاديمية ليبرالية ومرشحة سابقة في انتخابات مجلس الأمة عام 2016، إذ أثار تعيينها الكثير من اللغط، وسط تهديدات من قبل نواب البرلمان باستجوابها، نتيجة ما اعتبروه مواقف نقدية لها من دول الخليج، وذلك بعد بروز تصريحات سابقة لها برفض دخول قوات "درع الجزيرة" إلى البحرين إبان الاحتجاجات الشعبية عام 2011. كما أن لأسيري مواقف لافتة تتعلق بحرية الأديان والحجاب والسماح بالخمور في الكويت، وهو ما يعتبره النواب الإسلاميون أمراً يحتم استجوابها وإقصاءها من الحكومة.
وسارع النائب محمد المطير، إلى دعوة رئيس الوزراء "لنزع فتيل أزمة في بداية مشوارك"، محذراً من أنه "في حال أقسمت الوزيرة أسيري في جلسة القسم، سأتقدم مباشرة باستجواب لك بتعريض مصالح البلاد والعباد للخطر".
ومن بين الوزيرات الجديدات، الدكتورة رنا الفارس، وهي أكاديمية ومهندسة ومعمارية كويتية، وستتولى منصب وزيرة الأشغال العامة ووزيرة الإسكان، وتنتظرها تحديات كبيرة في ملف الأمطار والبنية التحتية، بعدما غرقت الكويت العام الماضي بالأمطار، ما أدى إلى خسائر في الأرواح، أُجبرت على إثرها وزيرة الأشغال السابقة جنان بو شهري على الاستقالة بعد استجواب قُدم لها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
كما ستتولى مريم العقيل منصب وزيرة المالية، خلفاً لنايف الحجرف الذي تولى منصب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي. ويُتوقع أن تكون العقيل بمنأى عن الاستجوابات، على الرغم من أنها ورثت وزارة مليئة بالمشاكل الإدارية التي لم تجد لها حلاً، وذلك بسبب تركز أنظار النواب على أسيري ورغبتهم باستجوابها أولاً. واحتفظ وزير الإعلام ووزير الشباب محمد الجبري، وهو قبلي مستقل، بمنصبه، وكذلك وزير التجارة خالد الروضان، والصحة باسل الصباح، ووزير النفط والكهرباء خالد الفاضل بمنصبه، كما احتفظ محمد العفاسي بمنصبه كوزير للعدل، مع إسناد مهمة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إليه.
إلى ذلك، شهدت الحكومة دخول وجهين جديدين من الأسرة الحاكمة، وهما وزير الدفاع الشيخ أحمد المنصور الصباح، ووزير الخارجية الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، نجل رئيس الوزراء السابق، وأحد أبرز المرشحين للحكم في البلاد. كذلك شهدت الحكومة تعيين سعود الحربي وزيراً للتربية، والنائب مبارك الحريص كوزير للخدمات ولشؤون مجلس الأمة، ووليد الجاسم كوزير للبلدية، وسيعمل هؤلاء كوزراء تكنوقراط بلا أهداف سياسية محددة.
وللمرة الأولى في تاريخ البلاد السياسي، سيكون وزير الداخلية من خارج الأسرة الحاكمة، وهو أنس الصالح. وتُعتبر وزارة الداخلية في الكويت إحدى الوزارات السيادية، إضافة إلى وزارتي الدفاع والخارجية، والتي لا يتولى منصبها في العادة إلا وزراء من الأسرة الحاكمة. ويقول مراقبون إن نواب مجلس الأمة، بمن فيهم المعروفون بموالاتهم للحكومة، سيؤيدون طرح الثقة في أي وزير سيستجوب لإبعاده عن المشهد السياسي، وذلك بسبب قرب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة أواخر العام 2020، وحاجتهم لتسجيل مواقف سياسية أمام ناخبيهم الغاضبين.
وستكون مهمة رئيس مجلس الوزراء صعبة في محاولة الحفاظ على حكومته من الهجمات البرلمانية، خصوصاً أنه يحتاج إلى وقت أكثر كي يصل إلى صيغة تفاهم مشتركة مع البرلمان، وهو أمر غير ممكن نظراً لقرب موعد الانتخابات. ورأى النائب في البرلمان، وأحد قيادات المعارضة، الحميدي السبيعي، لـ"العربي الجديد"، أن "ظروف تشكيل الحكومة تؤكد أنها حكومة مؤقتة، وبحسب معلوماتنا، فإنها شكلت على عجل وحتى يوم الإثنين لم يكن هناك وزراء أصلاً، بل جرى اختيارهم ارتجالاً".
وكانت مفاوضات ومشاورات الحكومة قد شهدت ولادة متعسرة وذلك بسبب إحجام عدد كبير من أبناء الأسرة الحاكمة والسياسيين البارزين عن المشاركة فيها لمعرفتهم بأنها مؤقتة، وفق تصريحات رئيس مجلس الوزراء الحالي في اجتماع له مع رؤساء الصحف المحلية قبل أسابيع.
واستقالت الحكومة الكويتية في منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد خلافات حادة بين رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ جابر المبارك الصباح ووزير الداخلية الشيخ خالد الجراح الصباح من جهة، وبين وزير الدفاع ونجل الأمير الحالي، الشيخ ناصر صباح الأحمد، من جهة أخرى. واتهم الشيخ ناصر صباح الأحمد، رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، بالتورط والتستر على عملية فساد كبيرة في وزارة الدفاع عرفت باسم "صندوق الجيش"، فيما اتهم وزير الداخلية وزير الدفاع الشيخ ناصر صباح الأحمد باستخدام القضية لتحقيق مكاسب سياسية.
وقبِل أمير البلاد استقالة رئيس الحكومة وكلفه بتصريف العاجل من الأمور، ثم أقال وزيري الداخلية والدفاع، وعزلهما من الحياة السياسية، وهو إجراء يُتخذ للمرة الأولى في الكويت ضد أفراد من الأسرة الحاكمة. واعتذر الشيخ جابر المبارك عن الاستمرار في تشكيل الحكومة الجديدة بعد تكليف الأمير له، كما اعتذر الشيخ صباح الخالد، والذي كان وزيراً للخارجية، عن تولي المنصب، لكنه قبِل به بعد وعود من القيادة السياسية بأن تكون الحكومة مؤقتة لمدة عام واحد حتى موعد الانتخابات البرلمانية عام 2020.