ولعبت الأحوال الجوية السيئة أخيراً دوراً في تراجع وتيرة العمليات العسكرية، حسبما كشفت مصادر محلية، مشيرة إلى أن الهدوء النسبي سيطر على محافظة إدلب، مع تسجيل غياب طائرات النظام وروسيا عن أجواء المنطقة منذ منتصف ليل السبت ـ الأحد. بدوره، ذكر المرصد السوري لحقوق الانسان أن محاور التماس في شرق وجنوبي شرق إدلب، شهدت استهدافاً متبادلاً بالقذائف والرشاشات الثقيلة، بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، والفصائل المعارضة من جهة أخرى.
وجاء الهدوء النسبي بعد يوم سبتٍ طويل، تخلله قصف روسي جوي على مدن وبلدات في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، بالتزامن مع قصف مدفعي من قوات النظام البرية استهدف قرى جبل شحشبو بريف حماة الشمالي، ومحاور ريف إدلب الجنوبي. وتدلّ مجريات الصراع على أن فصائل المعارضة و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) تحاول استنزاف قوات النظام والمليشيات التابعة لها، من خلال هجمات عكسية. وذكرت وكالة "إباء" التابعة لـ"الهيئة" نقلاً عن مصدر عسكري، إن أكثر من 40 عنصراً قُتلوا، وأُصيب أكثر من 65 آخرين بجروح مساء السبت من نخبة قوات النظام إثر الهجوم على مواقعهم في جرجناز والتح جنوبي إدلب.
إلى ذلك، أفادت "الجبهة الوطنية للتحرير" التابعة لـ"الجيش السوري الحر" في بيان، أن مقاتليها شنّوا هجوماً على مواقع النظام في جنوب إدلب، ما أسفر عن مقتل وجرح العشرات من عناصر النظام، فضلاً عن تدمير غرفة عمليات بعد استهدافها بالمدفعية الثقيلة. في حين نقلت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام، عن مصدر عسكري روسي تأكيده التصدي لهجومين من قبل فصائل المعارضة و"هيئة تحرير الشام" على بلدة جرجناز، مدّعياً مقتل وإصابة نحو 30 من مقاتلي المعارضة وتدمير سيارتين رباعيتي الدفع، وعدم مقتل واصابة أحد من قوات النظام. كما نقلت الصحيفة عن مصدر في قوات النظام قوله إن العواصف الجوية الشديدة لم تمنع هذه القوات من مواصلة عمليتها العسكرية ضد من وصفهم بـ"الإرهابيين" في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، مشيراً إلى أن قوات النظام بسطت سيطرتها على قريتي سمكة عشائرية وجديدة نواف شمال فروان، وقرية خوين الشعر شمال برنان.
وفي سياق تأكيد نيّة الأتراك البقاء في الشمال الغربي من سورية، أعلن وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أمس، أن بلاده لن تخلي بأي شكل من الأشكال نقاط المراقبة الـ 12 في منطقة خفض التصعيد بإدلب. وشدّد أكار خلال اجتماع عقده بولاية هطاي (جنوب تركيا) مع قادة الوحدات التركية المتمركزة على حدود سورية، على أن تركيا تبذل جهوداً حثيثة من أجل منع حدوث مأساة إنسانية في هذه المنطقة، مقدّمة التضحيات لإنهاء المآسي والكوارث بالمنطقة. ونقلت وكالة "الأناضول" التركية عن أكار قوله "إن نظام الأسد يواصل هجماته ضد الأبرياء، رغم جميع الوعود المقدمة والتفاهمات المتفق عليها، وتعمل تركيا جاهدة لإنهاء هذه المجزرة". وأضاف: "ننتظر من روسيا في هذا الصدد، أن تستخدم نفوذها لدى النظام في إطار التفاهمات والنتائج التي توصلنا إليها خلال اللقاءات، وممارسة الضغط عليه لوقف الهجمات البرية والجوية".
وحذّر أكار من أن استمرار الهجمات على المنطقة سيؤدي إلى حدوث موجة هجرة كبيرة، وسيكون العبء الإضافي كبيراً على تركيا التي تستضيف نحو 4 ملايين سوري. وأشار إلى أن تركيا تحترم الاتفاق المبرم مع روسيا وتنتظر من الأخيرة الالتزام به أيضاً. وأكد أنه "لن نخلي بأي شكل من الأشكال نقاط المراقبة الـ12 التي تقوم بمهامها بشجاعة وتضحيات لضمان وقف إطلاق النار في إدلب، ولن نخرج من هناك". وأوضح أن "هناك تعليمات لنقاط المراقبة التركية في المنطقة، وسترد من دون تردد في حال تعرضها لأي هجوم أو تحرش".
وينشر الجيش التركي 12 نقطة مراقبة في محيط محافظة إدلب، حيث تقع النقطة الأولى في قرية صلوة بريف إدلب الشمالي، والثانية في قلعة سمعان بريف حلب الغربي، والثالثة في جبل الشيخ عقيل بريف حلب الغربي. أمّا النقطة الرابعة ففي تلة العيس بريف حلب الجنوبي، والخامسة في تل الطوقان بريف إدلب الشرقي، والسادسة قرب بلدة الصرمان بريف إدلب الجنوبي. وتأتي النقطة السابعة في جبل عندان بريف حلب الشمالي، والثامنة في الزيتونة في جبل التركمان، والتاسعة في مورك بريف حماة الشمالي. وتقع النقطة العاشرة في الراشدين الجنوبية بريف حلب الغربي، والحادية عشرة في شير مغار بريف حماة الغربي، والأخيرة في جبل اشتبرق بريف إدلب الغربي. وتحاصر قوات النظام ومليشيات محلية نقطتين من بين النقاط التركية هما نقطة مدينة مورك في ريف حماة الشمالي، التي حوصرت في منتصف العام الحالي خلال الحملة العسكرية الأولى التي بدأت في أبريل/نيسان الماضي وانتهت في أواخر شهر أغسطس/آب الماضي، ونقطة الصرمان في ريف إدلب الجنوبي الشرقي التي حاصرتها قوات النظام خلال الحملة الثانية على محافظة إدلب منذ أيام. وكان وزير خارجية النظام السوري، وليد المعلم، قال منذ أيام إن قوات النظام لن تتعرض للنقاط التركية في محيط محافظة إدلب، متسائلاً عن جدوى بقائها، في ظل سعي قوات النظام إلى حسم عسكري.
ولا تزال محافظة إدلب ومحيطها محكومة نظرياً فقط باتفاق سوتشي المبرم بين تركيا وروسيا في سبتمبر/أيلول من عام 2018، إذ لم يعلن الجانبان صراحة انهياره، في مؤشر على أن موسكو وأنقرة تحاولان تجنب انزلاق الوضع في شمالي غرب سورية إلى مواجهة تفضي إلى كوارث إنسانية يصعب التحكم بها. ونصّ اتفاق سوتشي على "استعادة طرق نقل الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب - اللاذقية) وإم 5 (حلب - حماة)"، إلا أن الاتفاق لم ينفّذ على وقع جرائم روسيا والنظام السوري. ويجري الطرفان التركي والروسي مفاوضات جديدة في موسكو منذ أيام لوضع خريطة طريق جديدة لتجنب الأخطر في محافظة إدلب، في ظلّ تأكيد المعطيات الأولية أن الجانب الروسي رفع سقف مطالبه، بمطالبته بعودة "إعلامية" للنظام إلى مدن وبلدات محافظة إدلب، وهو ما يرفضه الجانب التركي، الذي يريد التأكيد على اتفاق سوتشي، وفق مصادر مطلعة.
في غضون ذلك، استمرت حركة نزوح المدنيين من مدينة معرة النعمان وريفها في ريف إدلب الجنوبي، وسط مخاوف من تقدم قوات النظام إليها، بعد زوال المنخفض الجوي. وأشار مصدر من الدفاع المدني لـ"العربي الجديد" أن آليات الدفاع المدني تعمل على نقل من تبقى من المدنيين في المنطقة، مستغلة توقف القصف، مضيفاً: هناك عائلات كانت قد تركت حاجياتها في المنازل، فعادت لإخراجها، كي تستفيد منها في رحلة النزوح الجديدة قرب الحدود التركية.