وبينما ترجح مصادر برلمانية إجراء التعديل خلال الأسبوع الحالي، تتوقع مصادر أخرى التأخر في إجرائه إلى مطلع العام المقبل، عازية ذلك لانشغال السيسي بإعادة ترتيب الأوضاع في مؤسسة الرئاسة والمخابرات العامة وتوزيع بعض الملفات والمسؤوليات التي كانت متركزة مع نجله محمود ومدير المخابرات عباس كامل ومساعده أحمد شعبان، بإدخال شخصيات جديدة من المخابرات والجيش في دائرة اتخاذ القرار، في إطار محاولته تخفيف الضغوط على النظام وحلحلة بعض الأوضاع التي يراها سلبية ومؤثرة على شعبيته، وكذلك على المستقبل السياسي لنجله، وعلى تماسك دائرته، فضلاً عن انشغاله بملف الاستثمارات الإماراتية المتعثرة التي سببت خلافاً في وجهات النظر بين البلدين الفترة الماضية، وكذلك مراقبته عن كثب محاولات وجهود التهدئة في الخليج وإنهاء الأزمة مع قطر، والتي ما زال هو خارج تفاصيلها الدقيقة حتى الآن.
إلا أن مصدراً مطلعاً على العلاقة بين الرئاسة والجيش، كشف لـ"العربي الجديد" أن من بين أسباب تأخر إعلان التعديل الوزاري أن السيسي يبحث منذ أسبوعين، وبجدية، إزاحة وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي ورئيس الأركان محمد فريد حجازي، في رسالة يريد توجيهها إلى الجيش في هذا التوقيت تحديداً، مفادها أنه القائد الأعلى والمتحكم الأول والأخير بمصائر كبار القادة، وكذلك ضخ دماء جديدة في رئاسة الأركان. فحجازي الذي تربطه علاقة قوية للغاية بالسيسي على المستوى الشخصي، كان بالنسبة له خياراً آمناً لخلافة صهره الفريق محمود حجازي منذ عامين، ولكنه ليس الخيار الأمثل بالنسبة له على الصعيد الفني والقيادي.
أما بالنسبة لزكي، فهناك العديد من الشائعات والأنباء المتواترة عن سوء علاقته بالسيسي في الآونة الأخيرة، على خلفية انتقاده الطريقة التي أدارت بها أجهزة النظام، المخابرات والأمن الوطني، المشهد في أحداث 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، وتعريضها سلامة النظام للخطر من وجهة نظره، ورفضه الدفع بوحدات من الشرطة العسكرية إلا بشكل محدود حول السفارات الأجنبية والمواقع العسكرية حتى لا تتقاطع مهامها مع المهام الشرطية أو التعليمات التي كانت تصدر في اليومين الأولين من الأحداث من المخابرات، ثم انتقلت دفة القيادة إلى الشرطة في وقت لاحق بتعليمات مباشرة من السيسي الذي كان حينها في نيويورك.
ورغم أن زكي كان في مقدمة مستقبلي السيسي عند عودته إلى جانب رئيس الحكومة ورئيس البرلمان ووزراء الخارجية والعدل والداخلية، في مشهد تم تصميمه بعناية من قبل مدير المخابرات عباس كامل ومساعده أحمد شعبان، لتأكيد تبعية كل سلطات الدولة وأجهزتها للسيسي، إلا أن السيسي أبلغه عن طريق مدير مكتبه اللواء محسن عبد النبي الذي يحاول حالياً توسيع سلطاته، أن زكي تحدث لعدد من القادة بلهجة انتقادية حادة لطريقة تعامل السيسي والأجهزة مع أزمة ظهور الممثل والمقاول محمد علي من بدايتها، وصولاً بالتعامل مع التظاهرات الشعبية الأوسع في عهد السيسي.
وفي الوقت الذي لا يستطيع أحد أن يؤكد أو ينفي هذه المعلومات، كشف المصدر عدداً من الأدلة الإضافية التي تصب في تأكيد حدوث فتور بين السيسي وقائد حرسه الجمهوري الأسبق الذي اختاره وزيراً مفضلاً إياه على القادة الميدانيين. من هذه الشواهد عدم استشارة زكي في اختيار قائد الحرس الجمهوري الجديد اللواء مصطفى شوكت قائد "وحدات الصاعقة"، وعدم دعوته لبعض الاجتماعات مع رئيس الهيئة الهندسية أخيراً، وتأخر اعتماد السيسي لاختيارات زكي الجديدة لقادة الأسلحة المختلفة حتى الآن، إذ تم إبلاغ بعض القادة بالرحيل وتكليف آخرين ضمن حركة القوات المسلحة الجديدة من دون إعلان رسمي منذ 10 أيام.
وأوضح المصدر أنه كان من المقرر عدم تغيير زكي في التعديل الوزاري وإرجاء حسم مصيره إلى العام المقبل، لكن السيسي بات يرى أنه من غير الملائم إجراء تعديل وزاري خاص بوزير الدفاع بعد التعديل الواسع في الحكومة، وأن هذا قد يفتح بابا للتكهنات وينشر مشاعر سلبية بشكل أوسع داخل الجيش، من أن يتم التعديل مرة واحدة مع باقي الوزراء كما حدث مع الوزير السابق صدقي صبحي في يونيو/حزيران 2018.
في المقابل ينصح بعض المقربين من السيسي بصرف النظر عن تغيير وزير الدفاع نهائياً حفاظاً على لحمة الجيش، وحتى لا يظهر وكأنه يتصرف تحت الضغط، انطلاقاً من نفس فكرة من أقنعوه بتأجيل التعديل الوزاري عقب الحراك الشعبي في سبتمبر، رغم أنه نفسه كان يرغب في إجراء التعديل منذ مايو/ أيار الماضي، نتيجة غضبه من سوء الأداء وخروج بعضهم بتصريحات اعتبرها "غير مقبولة" عن انخفاض التمويل الحكومي لمشاريع تطوير التعليم والصحة. ومنذ ذلك الحين كلّف المخابرات العامة والرقابة الإدارية برفع تقارير أسبوعين للرئاسة عن أداء الوزراء، وعدم نشر وسائل الإعلام المحلية الموالية للسيسي أسماء وصور جميع الوزراء كقاعدة عامة، لعدة أشهر، عدا رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية، كنوع من التأديب لهم على التجرؤ بالتصريح من دون استشارة دائرة السيسي مسبقاً، ولمنع حصول الوزراء على أي قدر من الشعبية. مع العلم أن مصادر حكومية وبرلمانية مصرية سبق أن كشفت لـ"العربي الجديد" أن جهازي المخابرات العامة والرقابة الإدارية، استدعيا الشهر الماضي عدداً من الوزراء الحاليين، بدعوى مناقشتهم في حجم إنجازهم ومدى التزامهم بتعليمات السيسي ودائرته. وجرت "مواجهة بعضهم" بعدد من الوقائع المنسوبة لذويهم ومساعديهم والتي تحمل شبهات فساد أو إساءة استغلال السلطة، ولكن بقدر لا يستدعي المساءلة القضائية لقلة الأدلة الدامغة أو عدم التأكد، وذلك لإجراء تقييم نهائي لهم، وما إذا كانوا سيستمرون في الحكومة من عدمه.
وأضافت المصادر أن من الوزراء الذين تم استدعاؤهم وزيرة الاستثمار سحر نصر ووزير التعليم طارق شوقي ووزير التموين علي مصيلحي ووزيرة الصحة هالة زايد ووزير التنمية المحلية اللواء محمود شعراوي ووزير التجارة والصناعة عمرو نصار ووزير التعليم العالي خالد عبدالغفار ووزير الآثار خالد العناني. وشهدت بداية الدورة البرلمانية الحالية مطالبات متكررة بالتعديل الوزاري وتحميل الوزراء مسؤولية الاحتقان الشعبي ضد النظام، ودعم ذلك حديث رئيس المجلس علي عبد العال في الجلسة الافتتاحية لدور الانعقاد عن "تقصير الحكومة" وأن "البرلمان لن يسمح للمسؤولين التنفيذيين أن يصدروا المشاكل لرئيس الجمهورية".