يتداول أهالي السويداء جنوبي سورية، أخبار تسويات أمنية يتولّاها فرع أمن الدولة، في ظل عمليات ابتزاز مالية بمبالغ طائلة، مستغلاً وجود آلاف الطلبات الأمنية بحق أبناء المحافظة، والتي تكدّست بفعل توقف حملات الاعتقالات منذ 2014، نتيجة معارضة قوى محلية.
وقالت مصادر أهلية في محافظة السويداء، طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية، لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، إنّ "الآلاف من أهالي السويداء، محاصرون داخل المحافظة أو خارجها لأسباب أمنية، بالرغم من أنّ المحافظة لم تشهد عمليات اقتتال عسكري".
وأوضحت أنّ "غالبية الطلبات الأمنية لدى أمن الدولة بحق أبناء السويداء، إما ملفات تتعلّق باتصالات أو كتابات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو مسائل تتعلق بالتجارة بمواد المحروقات، والتي غالباً ما كان يرعاها نافذون في الأمن".
وأضافت أنّ "الوضع بين أهالي المحافظة والسلطة، خلال الفترة الماضية، وصل لأكثر من مرة إلى حد الانفجار، لكن هناك قرارا حاسما من قبل السلطة بعدم استخدام العنف".
وبيّنت المصادر أنّ "أسباباً عديدة تزيد من هذا التوتر، على رأسها؛ ملف المستنكفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، وملف المطلوبين أمنياً، فضلاً عن سوء الوضع الاقتصادي والخدمي، ما انعكس حكماً على الوضع الاجتماعي".
وفي وقت كان أهالي السويداء، يعتمدون على أموال أبنائهم المغتربين، لا يتمكّن غالبيتهم، حالياً من مغادرة الحدود الإدارية لمحافظتهم، خوفاً من الاعتقال، بحسب المصادر، مشيرة إلى أنّ "حتى أبواب ما كان يعرف بدول الاغتراب كدول الخليج العربي والأردن ولبنان ودول أميركا الجنوبية قد أغلقت بوجههم لأسباب سياسية وأخرى اقتصادية تخص عدداً من تلك الدول".
وقالت المصادر إنّ "مشايخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سورية، وبعض الشخصيات والفعاليات في السويداء، سعوا جميعاً، خلال الفترة الماضية، للحفاظ على تجنّب أي صدامات أو صراعات في المحافظة مع أي جهة كانت، وخاصة مع السلطة، كما عقدت لقاءات مع اللجنة الأمنية المركزية في دمشق، ولقاء مع قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، المتغول في مؤسسات الدولة، لحلحلة الملفات وإعطائها الزمن الكافي لذلك".
وأضافت المصادر أنّه "تم طلب تسوية أوضاع آلاف الشباب في الداخل والخارج، وإنهاء أي إجراءات أمنية بحقهم، عبر لجنة خاصة تفتح بابها للجميع، بالتنسيق مع مشايخ العقل والفعاليات والقوى في المحافظة، تقوم بتنظيم الأسماء في قوائم خاصة، لتقوم الجهات الخاصة من جهتها بإغلاق ملفاتهم".
ولفتت المصادر إلى أنّ "النظام، وكعادته بالتفرّد بأي إجراء، وجّه عبر الأمن الوطني تعميماً لإجراء تسويات عبر فرع أمن الدولة في السويداء، دون أي دور لقوى المجتمع، فكانت فرصة للفاسدين لاستثمار التعميم لحسابهم الخاص، حيث تكتموا على الأمر بداية، ثم قاموا بابتزاز الأشخاص المقتدرين على الدفع، وغالبيتهم ممن عملوا في مجالات غير قانونية، بغطاء من النافذين في الأمن".
وكشفت المصادر عن "مبالغ طائلة جناها الفاسدون في الأفرع الأمنية، وعلى رأسه أمن الدولة والمرتبطون به، بحجة إجراء تسويات أمنية لأبناء السويداء"، مشيرة إلى أنّ "هذا الأمر أسفر عن امتعاض ورد فعل سلبي لدى الأهالي، وزاد من شعورهم بعدم الثقة بالسلطة والأجهزة الأمنية".
ورأت المصادر أنّ "مثل هذه القضايا الهامة، إن لم تكن علنية وبالشراكة ما بين قوى المجتمع المتنوعة والسلطة، فسيسيطر عليها الفساد المتفشي في مؤسسات الدولة بشكل فج وعميق، وسيأتي بنتائج معاكسة قد تتسبب في حال تراكمت بحدوث أزمة حقيقية".
وفي السياق، نقل موقع "السويداء 24"، المختص بالشأن المحلي، عن "مصدر خاص"، قوله إنّ "الأمن الوطني في دمشق، كلّف فرع أمن الدولة في السويداء بمسألة التسويات، إذ احتكرها الأخير بدوره وتكتّم عليها، وبدأ يستقطب عبر عناصره، شريحة محددة قادرة على دفع (حلوان) التسوية، أي مبالغ مالية حدودها الدنيا 100 ألف ليرة، وسقفها الأعلى تحدده التهمة الموجهة للمواطن، ودور الوسيط".
السويداء 24Thursday, 14 February 2019" style="color:#fff;" class="facebook-post-link" target="_blank">Facebook Post |
وأوضح أنّ "سبب هذه المبالغ المالية التي يتم ابتزاز الأشخاص الراغبين في تسوية أوضاعهم لدفعها، هو حصر الدخول إلى الفرع، لأخذ الإجراءات اللازمة، وهي صورة هوية وبصمة، بضرورة أن يكون الشخص المراجع قادماً إلى أحد رؤساء الأقسام أو رئيس الفرع أو مدير مكتبه".
ولفت إلى أنّ "عدد الأشخاص الذين تقدموا لهذه التسوية لا يتجاوز العشرات، وهم من فئات محدودة، في حين أنّ عدد الأشخاص المطلوبين لأجهزة المخابرات في السويداء، أكثر من ذلك بكثير"، مرجعاً عدم إقبال القسم الأكبر من المطلوبين على هذه التسوية، إلى "طريقة تعامل الفرع معهم".
كما نفى مصدر مطلع للموقع المحلي، أن يكون "لمشايخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز في سورية، أي دور أو علم بهذه التسويات".
وكان "العربي الجديد"، قد أورد عن مصدر محلي خاص، تجربة مشابهة مع فرع المخابرات العسكرية، الشهر الماضي، قائلاً إنّه تفاجأ بوجود إشارة من الفرع على اسمه لسبب مجهول، وجرى ابتزازه عن طريق أحد الوسطاء المحسوبين على الفرع، لإزالة الإشارة عن اسمه مقابل دفعه مبلغ 250 ألف ليرة، حيث اضطر لدفعها بسبب طبيعة عمله خارج المحافظة، تخوفاً من الاعتقال.
وأكد المصدر الذي فضّل عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، أنّه لم يعرف ما هي التهمة الموجهة إليه، حيث يعتقد أنّها "ملفقة" لابتزازه مالياً.
وإلى اليوم لم يتم شطب اسم أي شخص تقدّم إلى هذه التسوية، في ظل وعود ببدء العمل على شطب أسماء من تقدّم إلى تسويات خلال الأيام المقبلة، وفي وقت يتم الحديث فيه عن تحركات لمرجعيات وقوى محلية، لإعادة النظر في الآلية المتبعة، وإيجاد سبيل لكفّ يد "المتنفذين والفاسدين" عن هذه العملية أو الحد منها على أقل تقدير، بحسب ناشطين.