برهن ممثلو الدول الأكثر قوة في العالم من الناحية العسكرية، وعلى مدى ثلاثة أيام في مدينة ميونخ الألمانية، الخطوط المتعارضة التي تسود بين القوى الرئيسية، الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا، في ظلّ تضارب المصالح المشتركة بينها، وأنه لا يجب الاعتراف بالتعددية بين الأطراف عندما يتعلق الأمر بالمصالح الخاصة، والسبب أن الحلول المشتركة للأزمات الدولية تفتقر الى الثقة والرغبة في تقديم التنازلات، والعمل على قدم المساواة، رغم أن تعبير التعددية بين الأطراف صاحب خطابات القادة الأساسيين الذين اعتلوا المنبر في قاعة فندق "بايريشيرهوف".
واعترف نائب الرئيس الأميركي مايك بنس بنيّة بلاده إقامة تحالف مع الأوروبيين، إنما بشروط، بينها الخروج من الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما لا يريد الاتحاد الأوروبي الالتزام به، فيما موسكو، وبلسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف، لمحت إلى أهمية المنزل الأوروبي المشترك، مع وجوب أن يحرر الأوروبيون أولاً أنفسهم من الأميركيين، فيما الصين خيبت الآمال في إمكانية أن توافق على المشاركة في المفاوضات حول الأسلحة النووية، أو تمهيد طريق لمعاهدة جديدة مع إنهاء الاتفاق بين أميركا وروسيا.
وبالتالي، فإن التركيز بات ينصب على الدول المتوسطة الحجم، مثل اليابان والهند وكندا والمملكة المتحدة، لتبقى قضايا التعاون العسكري من دون حل، بينها ما يتعلق بصادرات الأسلحة، أو ما إذا كانت فرنسا ستوسع درعها النووي، إذا لم يعد الأميركيون يوفرون الحماية.
إلى ذلك، لم يكن هناك مواقف تبرهن عن حلول مرتقبة بشأن حلّ الصراع على السلطة في فنزويلا من قبل الاتحاد الأوروبي، أو في ما خص إطلاق سراح مواطنين كنديين محتجزين في الصين، ليسود حول ذلك صمت مطبق من قبل الحلفاء، وهذا ما يترجم تفضيل المصالح الخاصة على الالتزام بالمصالح المشتركة.
أما العلامة الفارقة الوحيدة في المؤتمر، ووفق إجماع المحللين، كان الخطاب المدوي للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قاطعه الحضور مراراً بالتصفيق الحاد، وبدا كأن المستشارة أرادت في هذه اللحظة أن تقبل الدور الذي رفضته دائماً، وهو بأن تكون زعيمة العالم الحر، ولردم الهوة التي أحدثتها سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وذلك بحملها لنداء شديد اللهجة من أجل التعددية بين الأطراف والتعاون الدولي، ولصالح التجارة الحرة والحفاظ على الاتفاقات بشأن نزع السلاح، ولسياسة خارجية أوروبية أكثر التزاماً، وإنقاذ الاتفاق النووي الايراني.
في المقابل، اعتبر آخرون أن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين الولايات المتحدة والأوروبيين، فكلاهما لا يريدان دوراً لإيران في سورية، وهما يعترفان بغياب حقوق الإنسان في طهران، ومبرزين أن العمل المشترك معقد، لكنه يبقى أفضل من العمل المنفرد على الرغم من أن بنس تبنى في كلمته وجهة نظر فيها الكثير من الواقعية، إذ قال سنتعامل مع العالم كما هو، وليس كما نتمناه "قبل أن يضيف: لا يمكننا الدفاع عن الغرب إذا كان حلفاؤنا يعتمدون على الشرق".