تحوّلت لجان التحقيق في تونس من آلية رقابة برلمانية لمتابعة المشاكل والصعوبات التي يعرفها التونسيون والمساهمة في تجاوزها، إلى عنصر معطل وذر للرماد في العيون دون جدوى تذكر ولا نتائج تنتظر.
ولم يعد متابعو العمل البرلماني قادرين على إحصاء عدد لجان التحقيق البرلمانية التي بعثت منذ انطلاق المدة البرلمانية في العام 2014 إلى اليوم، ولا جدوى من إحداثها ونتائج عملها، حتى أن بعضها بقي حبراً على ورق رغم مرور أكثر من سنة على إقرارها في جلسة عامة.
وشهد البرلمان تكوين 3 لجان تحقيق، توقف بعضها عن النشاط لأسباب مجهولة دون أن ترفع تقاريرها. في حين صادق على إحداث 3 لجان أخرى دون تعيين أعضائها ورئيسها رغم مرور سنة على المصادقة عليها في جلسة عامة، حتى أن البرلمانيين الذين طالبوا بإحداثها نسوا أمرها.
في هذا الصدد، قال الأستاذ الخبير في القانون البرلماني، رابح الخرايفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن إحداث لجان التحقيق البرلمانية تحول إلى ظاهرة إعلامية يراد منها كسب نقاط سياسية وتسجيل مواقف دون العمل على إنجاح عملها والوصول إلى حقائق وبلوغ نتائج ملموسة تفضي إلى إصلاحات.
وحذر الخرايفي من تعميم القول إنه "إذا أردت أن تقتل قضية وتقبرها فشكل لها لجنة"، لاعتبار أن "لجان التحقيق من أهم آليات العمل الرقابي على الحكومات؛ فأهدافها سامية، غير أن الاتجاه نحو قتل هذه الآليات من قبل البرلمانيين أنفسهم أخطر من قتل الملفات والقضايا".
ورأى الخبير أنّ "ضعف القانون الداخلي للبرلمان وعدم وجود قانون ينظم عمل لجان التحقيق، ويكون ملزماً للجهات الحكومية وغير الحكومية بتقديم المعلومات والمعطيات، ساهما في تعطيلها وإضعافها"، مشدداً على "ضرورة تنقيح القانون البرلماني لإضفاء النجاعة المطلوبة وتعزيز دور لجان التحقيق البرلمانية حتى تعطي النتائج المرجوة من إحداثها".
وشكّل البرلمان التونسي منذ إبريل/نيسان 2016 لجنة للتحقيق في "موضوع الفساد المالي والتهرب الضريبي"، الذي تم الكشف عنه في ما يسمى أوراق "بنما"، غير أن سرعان ما توقف نشاط هذه اللجنة دون أي نتيجة تذكر بعدما قوبل عملها برفض من النيابة العمومية التي اعتبرت عملها تدخلاً في سير قضية جارية إلى جانب رفض صحافيين والمجتمع المدني الحضور لتقديم شهادات أمامها.
كذلك، شكل البرلمان في يناير/كانون الثاني 2017 لجنة التحقيق حول "شبكات التجنيد"، التي تورطت في تسفير الشباب التونسي إلى مناطق القتال. وعقدت هذه اللجنة قرابة 14 جلسة وهي تعد النموذج الأنشط من بين جميع اللجان، إلا أنّها خصصت جميع جلساتها للاستماع لمنظمات وشخصيات وسقطت في خانة تصفية الحسابات السياسية والابتزاز الحزبي دون نتيجة ملموسة، بحسب أعضائها الذين أخذوا يستقيلون منها تباعاً.
وعقب ذلك، شكّل البرلمان في يناير/كانون الثاني 2018 لجنة التحقيق حول "تصنيف تونس من الاتحاد الأوروبي ملاذاً ضريبياً". غير أن اللجنة تخبطت في خلاف حول رئاستها لتعقد 4 اجتماعات منذ سنة دون الوصول إلى نتيجة تذكر.
من جهة ثانية، نسي البرلمانيون أنفسهم لجنة التحقيق البرلمانية حول "التصرف في النفايات الخطرة"، التي أقرتها الجلسة العامة منذ يناير 2018 والتي لا يعرف أحد تركيبتها أو رئيسها ولم تعقد أي اجتماع يذكر منذ المصادقة عليها.
وشكّل البرلمان في وقت لاحق من العام الماضي لجنة التحقيق حول "الوضع في ولاية نابل إثر الفيضانات التي اجتاحتها"، وعقد بعدها خمسة اجتماعات باءت جميعها بالفشل بسبب الخلاف حول رئيسها، ليتم أخيرا تكوين لجنة التحقيق من قبل المعارضة حول "أسباب تفاقم العجز التجاري وتداعياته"، أُعلن عنها نهاية شهر يناير 2019، ولم تشرع في العمل أيضاً.
بدوره، اعتبر رئيس لجنة النظام الداخلي والقوانين البرلمانية، شاكر العيادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن لجان التحقيق التي أُحدثت سابقاً في مجلس نواب الشعب أو خلال فترة عمل المجلس الوطني التأسيسي لم تكن ذات جدوى بسبب عدم توفر الإطار التشريعي والآليات القانونية حتى تتمكن من أداء عملها على أفضل وجه.
ولفت العيادي إلى "غياب القانون المنظم لعمل لجان التحقيق، إلى جانب تهميش من قبل السلطة التنفيذية ومختلف المؤسسات ذات العلاقة غير الراغبة في مساعدة لجان التحقيق والتعاون معها"، مشيراً إلى أن هذه المؤشرات تجعل من عمل لجان التحقيق متذبذباً وغير منتظم.
واعتبر العيادي أن "غياب الإرادة السياسية أو تضارب المصالح يعطل عمل لجان التحقيق البرلمانية، لاعتبار أنها تطرح إشكاليات أو مواضيع لا تناسب أطرافاً سياسية بعينها تعد بدورها طرفاً في لجنة التحقيق أو لديها ارتباط بالتجاوزات المراد التحقيق فيها وبالتالي فإنها تسعى إلى تهميش عمل اللجنة وطمس الحقائق وإخفاء الشبهات".