مع الانطلاقة الرسمية لمشروع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي "تعديل" الدستور ليصبح مفصّلاً على قياس نظامه، خرجت اليوم الإثنين، مواقف مصرية عدة مجددة رفضها لهذا المشروع، وداعية إلى حراك لمعرفة كيفية منعه.
وتهدف التعديلات الدستورية إلى استمرار السيسي في منصبه لمدة 12 عاماً أخرى، بعد انتهاء ولايته الثانية في 2022، واستحداث مجلس أعلى لجميع الجهات والهيئات القضائية برئاسته، ومنحه صلاحية تعيين رئيس المحكمة الدستورية، ونائبه، واختيار النائب العام من بين ثلاثة يرشحهم مجلس القضاء الأعلى، فضلاً عن اشتراط موافقة الجيش على تسمية رئيس الجمهورية لوزير الدفاع، وحمايته لـ"مدنية الدولة".
خالد يوسف: قد أدخل السجن
وقال يوسف في البيان: "قلت سابقاً إني مستعد لدفع ثمن مواقفي، وسأتحمل ما سيأتون به مهما كان قاسياً، ومهما كانت درجة التنكيل... لأنهم يعتقدون أن المعارضين للتعديل لا بد وأن تذبح لهم القطة كي يخرسوا"، مستطرداً "سأظل أقول لا لتعديل الدستور، وسأظل لدي يقين بأن من فكر في هذا التعديل، سيدرك يوماً ما أن ما ارتكبه هو خطيئة في حق هذا النظام، وهذا الوطن".
وأضاف البرلماني المصري: "أعرف أن استمراري في إعلان اعتراضي على تعديل الدستور سيجلب لي المشاكل، التي قد تصل للزج بي في غياهب السجون بأي تهمة ملفقة"، مضيفاً أنه "إن كانوا لديهم كل الآليات لتمرير تعديل الدستور، من مجلس نواب به أغلبية ساحقة موافقة على التعديل - كما يبدو - واستفتاء مضمونة نتائجه كما يحدث دائماً، ويملكون كل أدوات اللعبة غير منقوصة... فلم يكن ضرورياً حملة الاعتقالات لكل من قال تعليقاً، حتى ولو في جلسة خاصة، معترضاً على التعديل".
Twitter Post
|
وتابع يوسف: "لم يكن هناك حاجة لمحاربة كل من أخرج من صدره زفرة امتعاض، هو وأهله، في أرزاقهم ومستقبلهم... ولم يكن هناك داعٍ لتشويه أصحاب الرأي المعارض، وشن حملات ضارية لتصفيتهم معنوياً، ونعتهم بكافة أنواع التهم... ووصفهم جميعاً بأنهم إما خونة، أو إرهابيون، أو تابعون لجماعة الإخوان، أو داعرون، كي يمر تعديل الدستور".
واستدرك بالقول: "لو كان ثمن كل ذلك حياة أفضل للمصريين، حيث إن الجائع قد شبع، والعاطل وجد فرصة عمل، والتلميذ وجد فرصة تعليم حقيقية ومجانية، والمريض قد حظي بعلاج يليق بكرامته الإنسانية، وأصحاب الحقوق أخذوا حقوقهم من دون أن يكون لهم ظهر (وساطة)، بدلاً من صرف المليارات على مشروعات ليست لها الأولوية في حياة المصريين... وقتها كنا رضينا بالكبت، والقهر، والتشهير، والسجن، وتعديل الدستور!".
وأضاف يوسف: "المشكلة دائماً، يا من تقرأون التاريخ، تأتي دائماً بعد إقرار التعديلات، وليس أثناءها، ولكم في تعديل الدستور أعوام 1980 و2007 و2012 عبرة وعظة... وراجعوا مرة أخرى مآلات كل من عبث بالدستور".
وتساءل المخرج السينمائي المصري: "إن كانوا ضامنين وواثقين من مرور التعديل كما مرت اتفاقية (تيران وصنافير)، فلماذا كل ذلك؟... ألهذا الحد لا يطيقون نفساً ولا حرفاً مخالفاً لما يفكرون فيه؟... هل يمكن لوطن كامل أن يتنفس من رئة واحدة؟، هل يمكن تصور تأميم عقول مائة مليون مصري، ومنعهم من التفكير... ومعاقبة من يحاول أن يفكر بطريقة أخرى، حتى لو كان يفكر داخل منظومة الدولة المصرية، وغير ساع لتقويضها أو هدمها"؟!
وقال يوسف: "الشعب المصري لم يخرج في ثورتيه كي تؤمم كل السلطات، وجعلها في يد رجل واحد - أياً كانت عظمة هذا الرجل - ويعطيه التعديل الحق في الاستمرار بالحكم لسنة 2034، أي لمدة 20 عاماً... والكارثة الكبرى أن من يأتي بعده، سيكون بحكم الدستور بعد تعديله، قابضاً على كل شيء في يده... الشعب المصري لم يخرج من أجل القضاء على أي أمل في بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة... والقضاء نهائياً، وبطعنة واحدة، على استقلال القضاء، وجعله تابعاً للسلطة التنفيذية تعينه وتعزله".
وختم يوسف بيانه قائلاً إن "الشعب المصري خرج من أجل العيش الكريم، والعدالة الاجتماعية، والحرية للوطن فلا تبعية، وللمواطن فلا قهر أو استبداد... وستتحقق هذه الأهداف يوماً ما، وستذكرون هذا الكلام عاجلاً أو آجلاً".
يذكر أنه في منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، انتشر مقطع فيديو إباحي على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر يوسف، وهو عضو سابق في لجنة "الخمسين" التي أعدت دستور 2014، رفقة الفنانتين الشابتين منى فاروق وشيماء الحاج، وهما في أوضاع مخلة معه، وبأجساد شبه عارية، وذلك بتدبير من الأجهزة الأمنية، رداً على بيان سابق للمخرج عبّر فيه عن رفضه تعديل الدستور.
وكان يوسف قد نفى تكليفه بمهمة التواصل مع قوى سياسية وشخصيات عامة، تربطه بها علاقة قوية، لإقناعها بضرورة تعديل الدستور من أجل تمديد ولاية السيسي، على خلفية ما نشرته "العربي الجديد" في شأن استدعائه لاجتماع مع مدير الاستخبارات العامة اللواء عباس كامل، لطلب التواصل مع بعض الشخصيات والقوى السياسية، لإقناعها بضرورة تعديل المادة الدستورية الخاصة بمدة الفترة الرئاسية.
"الاشتراكيون الثوريون": سيبقى الشعب
ورداً على مشروع تعديل الدستور أيضاً، أعلنت حركة "الاشتراكيون الثوريون" رفضها المطلق لمسودة التعديل المطروحة أمام مجلس النواب حالياً، مؤكدة في بيان صدر عنها اليوم الإثنين، وحمل عنوان "سيسقط السيسي... ويبقى الشعب"، أن "الدساتير والقوانين لا تحمي مستبدا، ولا تمنع انتفاضة، باعتبار أن معركة تعديل الدستور هي جولةٌ جديدة ضد الثورة المضادة".
ودعت الحركة "كل المناضلين من القوى السياسية الرافضة لتلك التعديلات، لفتح أكبر نقاش ممكن حول طرق رفضها، وكيفية التواصل مع الجماهير الغاضبة التي تعاني من تحت وطأة نظام الثورة المضادة"، مشددة على أن "النظام الذي يعدل الدستور اليوم، هو نفسه نظام الإفقار، والقهر، والاستبداد، الذي دفع بسياساته الاقتصادية أكثر من نصف المصريين تحت خط الفقر، بينما دفع بكل معارضة محتملة إلى السجون".
ورأى بيان الحركة أن "تعديل الدستور يعد بمثابة فرصةٌ جديدة لمحاولة التواصل مع الجماهير، وتجذير مطالبها، كون رفض تلك التعديلات يعني رفض النظام بأكمله، وبكل ما ينتهجه اقتصادياً وسياسياً"، مشيرة إلى أنه "لن يواجه تعديل الدستور سوى الجماهير الواقعة تحت نيران الاستبداد السياسي لحكم الجنرال (السيسي)، والواقعة أيضاً تحت نيران الغلاء، والقرارات الاقتصادية التابعة لصندوق النقد".
وقالت الحركة إنها "ليست المرة الأولى التي يغير فيها ديكتاتور مستبد الدستور لينصب نفسه حاكماً أبدياً للبلاد، أو ليحقق السيطرة الكاملة على كل مناحي الحياة... فلا زالت مشاهد قوات الأمن في العام 2007 تلاحق المتظاهرين ضد تعديل الدستور، ليتمكن الرئيس المخلوع حسني مبارك من توريث الحكم لنجله جمال، في ذاكرة من يعيشون اليوم تحت نير الثورة المضادة".
وتابعت: "لم ينفع مبارك تعديله للدستور، مثلما لم ينفع الرئيس الراحل أنور السادات من قبله... وحتى الانتفاضة الجارية في السودان، جاءت في أعقاب الخطوات الأولى للبشير لتعديل الدستور، ليتمكن من البقاء في السلطة.. وفعلها هتلر من قبل في ألمانيا، وفرانكو في إسبانيا، وفيديلا في الأرجنتين... وجميعهم الآن جزء من تاريخ تلك الدول، وبقيت الشعوب الساعية لحريتها".
وزاد البيان: "ما أشبه الليلة بالبارحة، فرئيس البرلمان أعلن تقدم عدد من النواب بطلبات لتعديل الدستور تستهدف فرض سيطرة الجنرال السيسي على البلاد لأطول فترة ممكنة، رغم أنهم الوجوه نفسها التي بشرت بالدستور، وبالمادة التي تحصن مواد المدة الرئاسية، والحريات من المساس... لكن ذلك بالطبع كان رهناً للالتفاف على الزخم الثوري، الذي كان في أيام احتضاره الأخيرة، أثناء وضع دستور 2014".
واستطردت الحركة: "الواقع يقول إن السيسي ونظامه غير معنيين من الأصل بتنفيذ قوانين أو دساتير، وإن كانوا هم من وضعوها بالأساس... لكن سلطة الثورة المضادة، وكأي سلطة مستبدة في الماضي والحاضر والمستقبل، تستهدف دائماً تقنين أفعالها... وتحويل الاستثناء إلى قاعدة، حتى تستطيع استخدام ذلك في خطبها الشعبوية المخادعة".
وواصلت الحركة في بيانها: "لا يمكن الحديث أن الاستفتاء القادم على الدستور، وإن كان سيشمل محاولات عديدة في التزوير، في حكم المنتهي، وأنه لا أمل في المقاومة، ولا ناقة لنا، ولا جمل، في تلك المعركة"، مختتمة "في ثمانينيات القرن الماضي، حاولت الطغمة العسكرية الحاكمة في الأوروغواي وضع تعديلات قانونية ودستورية تسمح ببقائها، هي والنظام الذي شيَّدته على رأس الحكم... ورغم ذلك رفض الشعب تلك التعديلات، لتضطر إلى إدخال إصلاحات تستهدف امتصاص الغضب الجماهيري، والخروج الآمن لها".