وتصرّ حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب على تطبيق قرار محكمة الاحتلال المركزية في القدس المحتلة، التي أمرت بإغلاق المصلى أمام المصلين المسلمين؛ في حين أن الأردن الذي يتولى الإشراف على المقدسات الإسلامية في القدس، ويدير الأوقاف في المدينة، يدرك حجم
التصميم الذي يبديه المقدسيون على عدم إغلاق "باب الرحمة"، الذي يعد إحدى البوابات الرئيسة للأقصى.
وحاول الأردن وإسرائيل التوصل لصيغ حل وسط تضمن إنهاء القضية، إلا أنه بدا بشكل واضح أن مظاهر المرونة التي أبدتها تل أبيب لا تمس تصميمها على وجوب إغلاق "باب الرحمة".
وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، فقد وافقت حكومة بنيامين نتنياهو على السماح للأوقاف بإدخال مواد البناء اللازمة لترميم المصلى، على أن يتم إغلاقه أمام المصلين المسلمين.
وإن كانت بعض المصادر الصحافية الإسرائيلية قد أشارت إلى أن تل أبيب تشترط موافقتها على ترميم "باب الرحمة" أيضا بوجود ممثلين عن دائرة الآثار الإسرائيلية، بزعم أن مثل هذه الخطوة تضمن ألا يؤدي الترميم إلى المسّ بالآثار في المكان.
وفي ظل غياب رواية أردنية رسمية إزاء ما يتم تداوله في الاتصالات الرسمية السرية مع الاحتلال، والتي بلغت ذروتها في الزيارة التي قام بها رئيس جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلية "الشاباك" نداف أرغمان، لعمان، ولقائه بقادة الأمن الأردني، فإنه من الصعب التكهن بنتائج الاتصالات بين الجانبين.
ويبقى اللافت أنه في الوقت الذي تتواصل فيه الاتصالات السرية بين عمان وتل أبيب، فإن الطرفين يواصلان تعزيز علاقاتهما الاقتصادية.
وقد حرصت تل أبيب، أمس السبت، على التسريب، عبر إذاعة الجيش الإسرائيلي، أنها توصلت مع عمّان لاتفاق يضمن زيادة عدد العمال الأردنيين الذين يتم جلبهم للعمل في ميناء "إيلات" الإسرائيلي، وقد كان لافتا أن جاكي حوكي، معلق الشؤون العربية في الإذاعة، قد ذكر أن "إسرائيل من خلال هذا الاتفاق تريد تنبيه الأردن إلى العوائد التي يجنيها من الالتزام باتفاق السلام معها حتى يراعي مصالحها في المقابل".
وبغض النظر عن مآلات الاتصالات الأردنية الإسرائيلية والظروف المحيطة بها، فإن أية صيغة لا تضمن إبقاء "باب الرحمة" مفتوحا أمام المصلين لن تسهم في حل القضية. فقادة الأوقاف الإسلامية والقياديون السياسيون الفلسطينيون في القدس يدركون تماما التداعيات بالغة الخطورة لقبول تنفيذ قرار محكمة الاحتلال بشأن "باب الرحمة"، على اعتبار أن احترام القرار من قبل الفلسطينيين يعني تسليما عمليا بالسيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى.
وإلى جانب محاولاتها تجاوز المقدسيين عبر محاولة التوصل إلى اتفاق مع الأردن، فإن إسرائيل تعمد إلى تكثيف الإجراءات القمعية الهادفة إلى المس بفاعلية الممانعة التي يبديها المقدسيون، عبر عمليات الاعتقالات وقرارات الإبعاد عن المسجد الأقصى التي صدرت بحق قادة الأوقاف الإسلامية وحرّاس الحرم.
ومما يحسّن من قدرة إسرائيل على مواصلة إجراءاتها القمعية غياب ردة فعل عربية أو إسلامية جادة، وهذا الواقع يزيد من رهان تل أبيب على هذه الإجراءات، التي يمكن أن تتسع دائرتها.
وبغض النظر عن مدى الإسناد العربي وتعاظم وتيرة الإجراءات القمعية، فإن ما يفاقم خطورة أي مظهر من مظاهر التراجع الفلسطيني حقيقة أن الأحزاب والحركات التي تمثل اليمين الديني والعلماني في إسرائيل، التي ستشارك كلها أو بعضها في الحكومة التي ستُشكل بعد الانتخابات القادمة، قد تضمنت برامجها الانتخابية مطالب بفرض السيادة "اليهودية" على الأقصى، وهذا يعني أن هناك أساسا للاعتقاد بأن حسم مصير الأقصى قد يكون على رأس أولويات الحكومة المقبلة، وهذا يعني أن نجاح إسرائيل في تمرير قرارها بإغلاق "باب الرحمة" قد يشجعها على المضي قدما في مخطط حسم مصير الأقصى، كما يجاهر بذلك قادة اليمين الإسرائيلي.
وفي المقابل، فإن إفشال تنفيذ القرار سيقنع رئيس الحكومة الإسرائيلية المقبلة بصد محاولات قادة اليمين إحداث أي تحول في مكانة الأقصى والقدس.