لا تبدو الطريق سهلة ومعبدة أمام عقد الملتقى الوطني الليبي، الذي من المفترض أن يجمع كافة أطياف هذا البلد كما تطمح البعثة الأممية إلى ليبيا، رغم اتخاذها جملة من الخطوات الاحترازية، من بينها الإعلان فقط عن موعد عقد الملتقى، دون الإفصاح عن تفاصيل أجندته أو هوية ممثلي الشرائح المشاركة، في وقت يرجح متابعون أن تكون البعثة بانتظار توافق محلي حول رؤيتها لحلّ الأزمة في ليبيا، فيما في المقابل تبدو مواقف الأطراف الرئيسية شديدة الغموض.
وفي هذا الإطار، اكتفى مجلس النواب الليبي، الذي يتخذ من مدينة طبرق، شرق البلاد، مقراً له، بالقول إنه لم يتسلم دعوة رسمية حتى الآن للمشاركة في الملتقى، في وقت طالب فيه المجلس الأعلى للدولة، شريكه في العملية السياسية، أي مجلس النواب، بضرورة تجديد لقاءات لجنتي الحوار في المجلسين.
ودعا خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، إلى تجديد لقاء لجنتي الحوار في المجلسين، لوضع الصياغة النهائية لما تمّ التوافق عليه بشأن إعادة تشكيل السلطة التنفيذية من رئيس ونائبين ورئيس حكومة منفصل. لكن المتحدث الرسمي باسم "النواب"، عبد الله بليحق، أفاد بأن دعوة المشري لم يتم البت فيها حتى الآن، مرجحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، ألا يكون الطلب ضمن أجندة جلسات المجلس القريبة، التي لفت إلى أنها ستكون مخصصة لمناقشة المشاكل التي تعاني منها مدن جنوب ليبيا.
وفيما لم يتمكن "العربي الجديد" من التواصل مع رئيس لجنة الحوار بمجلس النواب، عبد السلام نصية، اعتبر فرج موسى، رئيس لجنة الحوار عن مجلس الدولة، أن الدعوة جاءت ضمن مساعي المجلس للتقارب مع مجلس النواب، كما أنها تدعم جهود الأمم المتحدة للسلام في ليبيا، وتحديداً إنجاح الملتقى الوطني الجامع المرتقب.
وأكد موسى، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن التواصل بين أعضاء من المجلسين لم يتوقف بشكل فردي، فيما يطمح المجلس الأعلى لأن يكون هذا التواصل رسمياً ومن خلال اللجان المكلفة بتجديد مناقشة الاستحقاقات المتبقية، وتوحيد الرؤية بشأن السلطة التنفيذية التي اتفقت المؤسستان الليبيتان في السابق على ضرورة إعادة تشكيلها.
وحول أسباب توقيت الدعوة، أوضح موسى أنه "لو تمكن المجلسان من التوافق حول رؤية موحدة، فستكون محل نقاش المجتمعين خلال الملتقى الجامع الذي سيجمع كافة الشرائح الليبية، ما يزيد التوافق قوة، بدلاً من أن تتجه نقاشات الملتقى لخدمة مصالح أطراف بعينها"، معتبراً في المقابل أن تشتت الرؤية بين المشاركين يمكن أن يفشل الملتقى بشكل كبير.
وتجري جميع هذه التحركات في وقتٍ يخيم الصمت المطبق على كل من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، ما يزيد الغموض الذي يلف مصير الملتقى. ولا تثق أوساط ليبية عديدة في مواقف حفتر، خاصة أن سجل الرجل حافل بالكثير من المواقف المشوشة على أي اتفاق، في ظلّ تمسكه بتمرير مشروعه العسكري بعيداً عن أي توافق سياسي.
وفي هذا الصدد، رأت الصحافية الليبية نجاح الترهوني، أن "المجلسين، النواب والأعلى، يدركان أن عقد الملتقى يعني نهايتهما تماماً، وما دعوة المجلس الأعلى لاستعادة الحوار مع النواب، سوى محاولةٍ للتشويش على هذا المسار"، مضيفة من جهة أخرى، أن مجلس النواب "حسم أمره وخضع لأوامر حفتر بالتراجع وترك الساحة له، فهو أدى المهمة المطلوبة منه وأوصل حفتر ليصبح شريكاً أساسياً في السلطة، فلم تعد هناك حاجة إليه اليوم، أما الأعلى للدولة، فهو يستشعر أن السراج تخلى عنه، بعدما كان قريباً منه".
واعتبرت الترهوني أن "دعوة المشري لا قيمة لها"، متسائلة "كيف ستواصل اللجنتان أعمالهما، فيما المشري هو أول المعترضين على إقرار قانون الاستفتاء من طرف مجلس النواب بمفرده، دون العودة للمجلس الاعلى؟"، و"ماذا بشأن اعتراض المجلس الأعلى على التعديلات التي أجراها منفرداً مجلس النواب على الإعلان الدستوري أخيراً؟"، و"كيف سيتجاوز المجلس الأعلى كل تلك الاعتراضات للحديث عن مسائل أخرى تتعلق بالسلطة التنفيذية ومسائل أخرى؟".
ورأت الصحافية الليبية أن "التعديلات الأخيرة على الإعلان الدستوري تقصي المجلس الأعلى، وتجعل مجلس النواب متفرداً في قرارته، مع عدم نيته في استمرار الحوار، وهو ما أدركته البعثة الأممية، حول استحالة توافق المجلسين، فاتجهت لتجاوزهما من خلال الملتقى الوطني الذي أنيط به تقرير المسائل ذاتها التي من المفترض أن يقررها المجلسان، وهي الدستور والانتخابات"، متسائلة مجدداً عن "الحاجة بعد ذلك للمجلسين؟".
وقالت الترهوني إنه "صحيح أن أي أطراف ليبية سياسية أو عسكرية لم تعلن نيتها مقاطعة الملتقى، لكن مبادرة أي طرف لمقاطعته ستجعل من أي اتفاق ينتج عنه مشوهاً، كما أن غياب أو تغييب أي طرف سيؤدي للتشكيك بما سينتج عن الاتفاق، مثلما حدث بعد توقيع الاتفاق السياسي في الصخيرات المغربية، نهاية 2015".
ورغم اعتقاد عقيل الأطرش، المحلل السياسي الليبي، بأن البعثة تبني ثقتها في نجاح الملتقى على أساس توافق ورغبة دولية بضرورة إنهاء الأزمة، إلا أنه "يعتبر اتكال البعثة على تحصين مقررات الملتقى المرتقب بقرار من مجلس الأمن، غير كافٍ".
ورأى الأطرش في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "اتفاق الصخيرات محصن بقرار من مجلس الأمن، لكن المجتمع الدولي لم يتمكن من فرضه على أرض الواقع"، معتبراً أن الملتقى "لا يزال مهدداً حتى الآن بالفشل، فيما تبدو البعثة الأممية وكأنها تتجه لفرض اتفاق معد مسبقاً، بناء على توافق دولي على الأطراف المشاركة في الملتقى، لكن ذلك غير كافٍ، لا سيما مع تعدد المشاركين وتوسيع دائرة التمثيل في الملتقى، وهو الأمر الذي سيصعب إقناعهم بالموافقة على كل بنود الاتفاق".
واعتبر المحلل السياسي الليبي أن موقف المجلس الأعلى من الملتقى يشكل أولى تلك الإشارات التي من المرجح أن تختلف عنها مواقف أطراف أخرى، لا سيما بيان المجلس الذي أكد فيه أنه "سيدعم مخرجات الملتقى إذا كانت وطنية وبعيدة عن الإملاءات الخارجية"، في إشارة لرفضه مخرجات اتفاق أبوظبي إذا كانت أساساً للملتقى الجامع.
ولفت الأطرش إلى أن حديثاً صدر عن رئيس دار الإفتاء الشيخ الصادق الغرياني، تصب في الاتجاه ذاته، موضحاً أن الغرياني "الذي يمثل شريحة كبيرة من الثوار السابقين، وبعضهم لا يزال يملك السلاح والمقاتلين، أكد على رفضه للملتقى ومخرجاته إذا كان سيتيح لحفتر تولي منصب عسكري رفيع".