على الرغم من أن زيارة بابا الفاتيكان فرانسيس، إلى المغرب، والتي تبدأ اليوم السبت، لن تستمر لأكثر من 27 ساعة، إلا أنها تحمل العديد من الملفات المهمة، لعل أبرزها ملف الهجرة، والتي تُعد الرباط لاعباً أساسياً فيه، إضافة إلى وضع المسيحيين في هذا البلد، في ظل مطالبات بـ"الحرية الدينية".
زيارة البابا التي وُصفت بأنها تاريخية، وجاءت تحت شعار رسمي هو "البابا فرانسيس خادم الأمل ـ المغرب 2019"،"ستسمح بمواصلة وإحياء رسالة السلام بين المسيحيين والمسلمين، كما تثبت علاقات الترحاب والتفاهم بين المملكة المغربية والكنيسة الكاثوليكية التي استمرت لقرون"، بحسب الفاتيكان. وتعيد الزيارة إلى الأذهان، الزيارة التاريخية التي قام بها البابا يوحنا بولس الثاني إلى المملكة عام 1985، والتقى حينها الملك الراحل الحسن الثاني في ملعب الدار البيضاء الذي غصّ بالجماهير، بينما سيلقي البابا فرانسيس خطابه بالقرب من مسجد حسان التاريخي وسط العاصمة الرباط، وسيلتقي الملك محمد السادس، كما سيطلع على برامج المؤسسات المسيحية التي تساعد المهاجرين في المغرب، وينصت إلى شهادات مهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء.
ومن المقرر أن يلتقي البابا فرانسيس، مهاجرين اليوم السبت في مركز أبرشية كاريتاس، ويلقي كلمة أمامهم. وأنشأت الكنيسة الكاثوليكية المحلية مراكز استقبال للمهاجرين في عدد كبير من المدن المغربية. ومسألة المهاجرين موضوع دقيق في المغرب الذي يؤكد تبنّي سياسة استقبال "إنسانية"، لكن الرباط تتعرض لانتقادات من مدافعين عن حقوق الإنسان في ما يتعلق بموجات من الاعتقالات تهدف الى إبعاد الساعين للهجرة عن شواطئ البحر الأبيض المتوسط. وقال رئيس أساقفة طنجة، المونسنيور سانتياغو أنجيلو مارتينيز، "آمل في أن تحقق زيارة البابا تقدماً في هذه القضية".
وعن ذلك، يقول الباحث السياسي إدريس الكنبوري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "قضية الهجرة تشكّل نقطة اهتمام مشتركة"، بدليل أن ملف زيارة البابا تضمّن إشارة إلى كون المملكة "نقطة عبور نحو أوروبا، وبلد استقبال عدد متصاعد من المهاجرين غير المنتظمين، وطالبي اللجوء، واللاجئين". ويشرح الكنبوري أن "المغرب لديه سياسة هجرة متميّزة في أفريقيا، واتخذ مبادرات مهمة، مثل تسوية الأوضاع القانونية للمهاجرين الأفارقة، كما طرح مبادرات حول الهجرة في القمم الأفريقية والقمة الأفريقية-الأوروبية، ثم هو ممر ومعبر إلى أوروبا، وموقعه يجعله مركز اهتمام لأوروبا". ويعتبر أن "الزيارة تعتبر من هذه الناحية بمثابة تنويه بسياسة المغرب في ملف الهجرة، وقد يرسل بابا الفاتيكان رسائل محددة حول الهجرة من المغرب، ليكون ذلك نوعاً من التتويج"، في الوقت الذي يذكّر فيه الفاتيكان بالدعم الذي تقدمه الكنيسة في المغرب للمهاجرين عبر "كاريتاس المغرب".
أما من الناحية الدينية، يضيف الكنبوري، أن "لقاء بابا الفاتيكان مع الملك محمد السادس، الذي يحمل صفة أمير المؤمنين، هو بمثابة لقاء بين زعيمين دينيين في المسيحية والإسلام، وإن كان الأول يحمل صفة دينية فقط، بينما يحمل الثاني الصفتين الدينية والسياسية".
في سياق آخر، شكّلت زيارة البابا فرصة لمسيحيين مغاربة لرفع الصوت ومطالبته بالتدخّل من أجل "الحرية الدينية بالمملكة المغربية". ودعت "لجنة المسيحيين المغاربة" (غير معترف بها رسمياً)، في رسالة مفتوحة، إلى إعفاء الأطفال المغاربة المسيحيين من تعلّم الدين الإسلامي المفروض في المقررات الدراسية، ومنحهم حق إطلاق أسماء مسيحية على أبنائهم، كما دعت السلطات المغربية والبابا إلى "اغتنام هذه الزيارة للحوار بأكبر قدر من الصراحة في موضوع الحرية الدينية".
اقــرأ أيضاً
وتقدّر الكنيسة الكاثوليكية عدد أتباعها في المغرب بما بين 30 ألفاً إلى 35 ألفاً، معظمهم من الأجانب الذين أتوا من أفريقيا جنوب الصحراء، وطلبة أو مهاجرين كانوا في طريقهم إلى القارة الأوروبية. ومن المنتظر أن يشارك حوالى ثلثهم في قداس يقام الأحد في مجمع رياضي، لم يسبق له مثيل منذ زيارة البابا يوحنا بولس الثاني في 1985. وقال السفير المغربي في باريس شكيب بن موسى، بحسب وكالة "فرانس برس"، إن "زيارة البابا فرانسيس لحظة بالغة الأهمية، لمحاربة تيارات التعصب، والتكتم على الهوية، وعدم التسامح، لكن أيضاً من أجل التفاعل الإيجابي بين الأديان والشعوب والحضارات".
ويرى منظمو الزيارة أن مجيء البابا إلى المغرب ولقاءه العاهل المغربي واجتماعه بعدد من الفعاليات، يمكن أن يساهم في دعم الحوار والتعاون بين المسلمين والمسيحيين في المنطقة المغاربية كلها، وأن الزيارة ستسهم في نبذ العنف ومحاربة التطرف والأفكار المتشددة. الخبير في شؤون الفاتيكان ماركو بوليتي، قال إن البابا فرانسيس يهتم بتعزيز الحوار مع المسلمين، ويرفض "من يزرعون بذور الحقد والكراهية ومن يؤججون نيران الانقسامات والتعصب والأيديولوجيات التي تستخدم اسم الله من أجل تبرير العنف"، مبدياً أمله في أن يضطلع المغرب بدور طلائعي في الحوار بين المسلمين والمسيحيين.
في سياق آخر، برزت مطالبة مكفوفين عاطلين عن العمل، يتظاهرون في الرباط طلباً للتوظيف المباشر، في رسالة مفتوحة، دعم البابا فرانسيس، قائلين: "لم نجد بداً من التوجه إلى قداستكم طمعاً في رعايتكم السامية، مقدّرين جسامة المسؤوليات التي تتحملونها في خدمة البشرية، وبغية اطلاعكم على خصوصية ملفنا الذي لم تأخذه الحكومة بعين الاعتبار أثناء وضعها الحلول المنتظرة لمعضلة البطالة، خصوصاً فئة المكفوفين".
وبالنسبة لتاريخ العلاقة بين المغرب والفاتيكان، يشرح أستاذ مادة التاريخ، عبد الرزاق السعيدي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "العلاقة بين رجال الدين المسيحيين ومؤسسة إمارة المؤمنين بالمغرب حظيت باحترام متبادل ومستمر". ويضيف أن "العلاقات بين الطرفين باتت تقليداً حضارياً متميزاً يعزز الحوار الإسلامي المسيحي بشكل غير متقطع ولا خاضع لمتغيرات العلاقات الدولية أو المعطيات السياسية الطارئة"، مردفاً أن "العلاقات سارت دائماً بشكل متطور وحققت التراكم الحضاري المنشود، خصوصاً في تناول بعض الملفات الصعبة، مثل القضية الفلسطينية وعاصمتها القدس".
ويتابع أنه "خلال التاريخ الوسيط استمر الوجود المسيحي في المغرب على الرغم من الماضي الاستعماري الروماني في البلاد، وظل التعايش والتسامح سيد الموقف". أما خلال الفترة المعاصرة وإبان فترة "الحماية" الفرنسية والإسبانية على المغرب، يقول السعيدي إن "المغربيين ظلوا يميزون بين مقاومتهم للاستعمار بكل الوسائل الممكنة عسكرياً وسياسياً، وبين الاحترام التام لرجال الدين والأساقفة المسيحيين، وعموم معتنقي الديانة المسيحية في المغرب، خصوصاً من ليست لهم أي علاقة بالمسألة الاستعمارية".
اقــرأ أيضاً
زيارة البابا التي وُصفت بأنها تاريخية، وجاءت تحت شعار رسمي هو "البابا فرانسيس خادم الأمل ـ المغرب 2019"،"ستسمح بمواصلة وإحياء رسالة السلام بين المسيحيين والمسلمين، كما تثبت علاقات الترحاب والتفاهم بين المملكة المغربية والكنيسة الكاثوليكية التي استمرت لقرون"، بحسب الفاتيكان. وتعيد الزيارة إلى الأذهان، الزيارة التاريخية التي قام بها البابا يوحنا بولس الثاني إلى المملكة عام 1985، والتقى حينها الملك الراحل الحسن الثاني في ملعب الدار البيضاء الذي غصّ بالجماهير، بينما سيلقي البابا فرانسيس خطابه بالقرب من مسجد حسان التاريخي وسط العاصمة الرباط، وسيلتقي الملك محمد السادس، كما سيطلع على برامج المؤسسات المسيحية التي تساعد المهاجرين في المغرب، وينصت إلى شهادات مهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء.
وعن ذلك، يقول الباحث السياسي إدريس الكنبوري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "قضية الهجرة تشكّل نقطة اهتمام مشتركة"، بدليل أن ملف زيارة البابا تضمّن إشارة إلى كون المملكة "نقطة عبور نحو أوروبا، وبلد استقبال عدد متصاعد من المهاجرين غير المنتظمين، وطالبي اللجوء، واللاجئين". ويشرح الكنبوري أن "المغرب لديه سياسة هجرة متميّزة في أفريقيا، واتخذ مبادرات مهمة، مثل تسوية الأوضاع القانونية للمهاجرين الأفارقة، كما طرح مبادرات حول الهجرة في القمم الأفريقية والقمة الأفريقية-الأوروبية، ثم هو ممر ومعبر إلى أوروبا، وموقعه يجعله مركز اهتمام لأوروبا". ويعتبر أن "الزيارة تعتبر من هذه الناحية بمثابة تنويه بسياسة المغرب في ملف الهجرة، وقد يرسل بابا الفاتيكان رسائل محددة حول الهجرة من المغرب، ليكون ذلك نوعاً من التتويج"، في الوقت الذي يذكّر فيه الفاتيكان بالدعم الذي تقدمه الكنيسة في المغرب للمهاجرين عبر "كاريتاس المغرب".
أما من الناحية الدينية، يضيف الكنبوري، أن "لقاء بابا الفاتيكان مع الملك محمد السادس، الذي يحمل صفة أمير المؤمنين، هو بمثابة لقاء بين زعيمين دينيين في المسيحية والإسلام، وإن كان الأول يحمل صفة دينية فقط، بينما يحمل الثاني الصفتين الدينية والسياسية".
في سياق آخر، شكّلت زيارة البابا فرصة لمسيحيين مغاربة لرفع الصوت ومطالبته بالتدخّل من أجل "الحرية الدينية بالمملكة المغربية". ودعت "لجنة المسيحيين المغاربة" (غير معترف بها رسمياً)، في رسالة مفتوحة، إلى إعفاء الأطفال المغاربة المسيحيين من تعلّم الدين الإسلامي المفروض في المقررات الدراسية، ومنحهم حق إطلاق أسماء مسيحية على أبنائهم، كما دعت السلطات المغربية والبابا إلى "اغتنام هذه الزيارة للحوار بأكبر قدر من الصراحة في موضوع الحرية الدينية".
وتقدّر الكنيسة الكاثوليكية عدد أتباعها في المغرب بما بين 30 ألفاً إلى 35 ألفاً، معظمهم من الأجانب الذين أتوا من أفريقيا جنوب الصحراء، وطلبة أو مهاجرين كانوا في طريقهم إلى القارة الأوروبية. ومن المنتظر أن يشارك حوالى ثلثهم في قداس يقام الأحد في مجمع رياضي، لم يسبق له مثيل منذ زيارة البابا يوحنا بولس الثاني في 1985. وقال السفير المغربي في باريس شكيب بن موسى، بحسب وكالة "فرانس برس"، إن "زيارة البابا فرانسيس لحظة بالغة الأهمية، لمحاربة تيارات التعصب، والتكتم على الهوية، وعدم التسامح، لكن أيضاً من أجل التفاعل الإيجابي بين الأديان والشعوب والحضارات".
في سياق آخر، برزت مطالبة مكفوفين عاطلين عن العمل، يتظاهرون في الرباط طلباً للتوظيف المباشر، في رسالة مفتوحة، دعم البابا فرانسيس، قائلين: "لم نجد بداً من التوجه إلى قداستكم طمعاً في رعايتكم السامية، مقدّرين جسامة المسؤوليات التي تتحملونها في خدمة البشرية، وبغية اطلاعكم على خصوصية ملفنا الذي لم تأخذه الحكومة بعين الاعتبار أثناء وضعها الحلول المنتظرة لمعضلة البطالة، خصوصاً فئة المكفوفين".
وبالنسبة لتاريخ العلاقة بين المغرب والفاتيكان، يشرح أستاذ مادة التاريخ، عبد الرزاق السعيدي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "العلاقة بين رجال الدين المسيحيين ومؤسسة إمارة المؤمنين بالمغرب حظيت باحترام متبادل ومستمر". ويضيف أن "العلاقات بين الطرفين باتت تقليداً حضارياً متميزاً يعزز الحوار الإسلامي المسيحي بشكل غير متقطع ولا خاضع لمتغيرات العلاقات الدولية أو المعطيات السياسية الطارئة"، مردفاً أن "العلاقات سارت دائماً بشكل متطور وحققت التراكم الحضاري المنشود، خصوصاً في تناول بعض الملفات الصعبة، مثل القضية الفلسطينية وعاصمتها القدس".
ويتابع أنه "خلال التاريخ الوسيط استمر الوجود المسيحي في المغرب على الرغم من الماضي الاستعماري الروماني في البلاد، وظل التعايش والتسامح سيد الموقف". أما خلال الفترة المعاصرة وإبان فترة "الحماية" الفرنسية والإسبانية على المغرب، يقول السعيدي إن "المغربيين ظلوا يميزون بين مقاومتهم للاستعمار بكل الوسائل الممكنة عسكرياً وسياسياً، وبين الاحترام التام لرجال الدين والأساقفة المسيحيين، وعموم معتنقي الديانة المسيحية في المغرب، خصوصاً من ليست لهم أي علاقة بالمسألة الاستعمارية".