في الشكل يتنافس على المقعد المخصص للطائفة السنّية أربعة مرشحين إضافة إلى جمالي، وهم النائب السابق مصباح الأحدب الذي كان أحد صقور قوى "14 آذار"، على الرغم من أنه لم ينل أكثر من ألف صوت في الانتخابات الأخيرة، مستنداً إلى إمكانية أن يصوّت له المستاؤون من سياسة تيار "المستقبل" تحديداً في إطار مهادنة "حزب الله"، ومستغلاً انسحاب اللواء المتقاعد أشرف ريفي ومصالحته مع رئيس الحكومة سعد الحريري. ومن الأسماء أيضاً التي تخوض المعركة الإعلامي عمر السيد، ويحيى مولود مرشح المجتمع المدني (نال نحو ألف صوت في الانتخابات الأخيرة، فيما نالت لائحته نحو 2300 صوت فقط) محاولاً تثبيت الخيار المدني في المدينة، فضلاً عن الترشيح الرمزي لنزار زكا، الأمين العام للمنظمة العربية للمعلوماتية والاتصالات، المعتقل في إيران بعد مشاركته في مؤتمر هناك عام 2015، بتهمة "التعاون مع دولة معادية".
ولتركيبة المدينة الديموغرافية أهمية تفرض ترقب نتائج الانتخابات لمعرفة مدى قدرة تيار "المستقبل" على الحشد في معركة هامشية لا تجذب الناخبين، وخصوصاً أن التيار شهد خلال السنوات الماضية تراجعاً شعبياً واضحاً، برز في نسبة الأصوات التي نالها في الانتخابات الأخيرة في المدينة. كما برز في تراجعه وتحوله إلى القوة رقم 2 في المدينة (نالت لائحة المستقبل في الانتخابات الأخيرة في المدينة نحو 27 ألف صوت) بعد رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي (نالت لائحته في المدينة نحو 30 ألف صوت).
ويبلغ عدد الناخبين المسجلين في مدينة طرابلس نحو 240 ألف نسمة، منهم نحو 200 ألف ناخب من الطائفة السنّية. وعلى الرغم من أن المعركة محسومة بكل المقاييس اللبنانية، إلا أن تيار "المستقبل" حاول خلال الأسابيع الماضية شدّ العصب في المدينة، في مسعى لرفع نسبة المشاركة، وسط تخوّف من تدنّي النسبة، ومن أيّ مفاجأة ممكن أن تقلب المعادلة في اللحظات الأخيرة.
لذلك، رمى تيار "المستقبل" ثقله في المدينة، التي كانت يوماً خزاناً شعبياً خلال فترة ما بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري عام 2005، وزارها كل رموز "التيار" من رئيس الحكومة سعد الحريري، إلى النائب بهية الحريري، إضافة إلى رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، مستحضرين شعارات تخدم هدف التحشيد، من الوعود الاقتصادية، إلى استحضار رفيق الحريري، وصولاً حتى التخويف من "حزب الله"، على الرغم من أن تيار "المستقبل" يتبع سياسة مهادنة مع الحزب منذ سنوات، إضافة إلى خطاب الوتر الطائفي وتحديد إطار المعركة بوصفها "معركة سنّية".
وكان تيار "المستقبل" نجح في حشد كل القوى السياسية الرئيسية في المدينة لدعم جمالي، وأبرزهم الوزير السابق محمد الصفدي، ورئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، والوزير السابق أشرف ريفي، الذي كان على خلاف مع تيار "المستقبل" في المرحلة الأخيرة بسبب التباين في النظرة من "حزب الله" وكيفية التعامل معه، قبل إجراء مصالحة بينه وبين الحريري برعاية السنيورة، بعد الانتخابات الأخيرة التي خسرها ريفي في المدينة (نالت لائحته نحو 8 آلاف صوت).
وبسبب هذا الدعم لجمالي، باتت المعركة شبه محسومة وسط غياب أي مرشح يمكنه مقارعتها، وخصوصاً أن الانتخابات تجري وفق النمط الأكثري، وهو الأمر ذاته الذي أدى إلى بروز قلق واضح في أروقة تيار "المستقبل" من تدنّي نسبة المشاركة، وخصوصاً أن الانتخابات الأخيرة لم يقترع فيها، على الرغم من احتدام المعركة، إلا نحو 95 ألف مقترع من أصل 240 ألف ناخب. أي ما نسبته نحو 39 في المائة فقط، وهي من النسب الأكثر تدنياً على صعيد لبنان عموماً.
وتتوقع مصادر في المدينة تحدثت لـ "العربي الجديد" عدم تجاوز نسبة الاقتراع، على الرغم من مساعي تيار "المستقبل" الأخيرة، عتبة الـ10 في المائة أي نحو 25 ألف مقترع فقط، مستندة إلى استياء عارم في المدينة ضد الطبقة السياسية عموماً التي تمثل المدينة. استياء برز في الانتخابات الأخيرة، وخصوصاً أن المدينة تعاني من نسب فقر عالية جداً، فضلاً عن نسب البطالة العالية، وغياب المشاريع التنموية، وسط وعود عمرها عشرات السنين. ومدينة طرابلس، هي أفقر مدينة تقع على ساحل البحر المتوسط بحسب الأمم المتحدة. وتشير مصادر "العربي الجديد"، إلى أن الجوّ العام في المدينة يعكس نقمة واضحة ضد مختلف السياسيين الذين يمثلون المدينة، وخصوصاً أنهم من فئة المليارديرات، ذلك أن المدينة الفقيرة أنجبت أكبر أثرياء لبنان، مثل نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي وآل فاضل.
غياب المنافسة الجدّية في المعركة جاء بعد قرار حلفاء "حزب الله" العزوف عن المعركة. وكانت اللائحة التي تضم شخصيات مقربة من الحزب، أبرزهم النائب فيصل كرامي وجمعية المشاريع الإسلامية، نالت نحو 16 ألف صوت في الانتخابات الأخيرة. وقدّم مرشحها طه ناجي لاحقاً طعناً ضد جمالي أدى إلى إسقاط نيابتها لكن لم يعلن فوز ناجي، وهو ما فرض إعادة الانتخابات. وفضّلت هذه القوى عدم خوض المعركة لاعتبارات عدة، لعل أهمها عدم القدرة على المنافسة وفق القانون الأكثري الذي ستجري وفقه.
لكن في المقابل، يتخوف البعض في تيار "المستقبل" من أي مفاجأة في اللحظات الأخيرة، وانتهاز البعض لفرصة عدم الحماسة للاقتراع، وأن تصبّ أصوات قوى "8 آذار" في خانة أحد المرشحين الآخرين (الأحدب أو السيد أو مولود) وتقلب النتيجة كلياً، وهو الهاجس الذي دفع تيار "المستقبل" إلى تكثيف حملته الانتخابية، على الرغم من تلقيه طمأنات ضمنية.