وقال غريفيث، في إفادته خلال الجلسة التي عقدها مجلس الأمن في نيويورك لنقاش آخر التطوات في اليمن: "لقد توصلنا اليوم إلى موافقة الأطراف المعنية على خطة إعادة الانتشار المفصلة للمرحلة الأولى في الحديدة"، غربي اليمن.
وأضاف: "ربما لم ينته العنف في الحديدة بعد، لكنه تقلص كثيرا"، لافتا إلى أن "جميع الأطراف تدرك أننا بحاجة إلى تحقيق تقدم ملموس في الحديدة قبل الانتقال إلى المسار السياسي، وعلينا أن نحقق ذلك".
وتنص المرحلة الأولى من إعادة الانتشار في الحديدة على انسحاب الحوثيين من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، مقابل انسحاب القوات الحكومية من الضواحي الشرقية لمدينة الحديدة.
وناشد غريفيث، في إفادته أمام مجلس الأمن، "تقديم الدعم الكامل للنهج الذي يقوم بتنفيذه حاليا في اليمن".
من جانب آخر، وعلى الصعيد الإنساني، تبدو الصورة على الأرض قاتمة جدا، وفق أكثر من مسؤول رفيع المستوى في الأمم المتحدة خلال الجلسة.
وفي هذا السياق، قال مبعوث الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، خلال إفادته: "إنه وعلى الرغم من الالتزام بوقف إطلاق النار بشكل واسع، فيما يتعلق بالحديدة، إلا أن الاقتتال اشتد في مناطق أخرى في اليمن بما فيها تلك الواقعة شمال الحديدة".
وتحدث لوكوك عن نزوح 150 ألف يمني على الأقل خلال الأشهر الأخيرة بسبب تزايد حدة الاقتتال في مناطق مختلفة من اليمن، مشيراً إلى "مقتل المدنيين في المستشفيات بسبب مهاجمة مسلحين لها في بعض المناطق، وبسبب الضربات الجوية في مناطق أخرى، حيث أدت مؤخرا غارات جوية للتحالف بالقرب من مستشفى في صعدة إلى مقتل ثمانية مدنيين من بينهم خمسة أطفال".
خطر الكوليرا
إلى ذلك، حذر المبعوث الأممي من انتشار غير مسبوق للكوليرا قائلا "تواجه المنظمات الإنسانية عودة مقلقة لوباء الكوليرا، فبعد سنتين ووجود أكثر من 1.5 مليون حالة مشتبه بها بالإصابة بالكوليرا في اليمن، وتمكننا من تحقيق تقدم في محاربتها العام الماضي. نواجه مجددا خطر انتشارها. هناك 200 ألف حالة جديدة مشتبه بها بالإصابة بالكوليرا منذ بداية العام الحالي لوحده".
وأكد أن هذه الأرقام العالية جدا تأتي قبل أشهر من موسم الأمطار، في شهر آب/ أغسطس، الذي يرفع من احتمال الإصابة. وحذر لوكوك من احتمال انتشار المرض على نطاق أوسع وأن يؤدي إلى عدد كبير من الوفيات، مشيراً إلى أن جزء من الأسباب لهذا الانتشار يعود لسقوط الأمطار المبكرة، إلا أن الدافع الرئيس يبقى وبشكل أساسي التشرد القسري وانهيار البنية التحتية، بما فيها شبكة المياه والصرف الصحي، كما انهيار المؤسسات العامة التي تقدم الخدمات الصحية بسبب الصراع. وأشار كذلك إلى عودة وظهور أمراض إضافية كالحصبة.
وقال المصدر نفسه، إن "هناك أكثر من مليوني طفل يمني لا يذهبون إلى المدارس وتحدث عن وجود قرابة 2000 مدرسة لا يمكن استخدامها بسبب تدميرها وتستخدم من قبل نازحين أو من قبل جماعات مسلحة. وأضف إلى كل ذلك فإن خطر المجاعة ما زال يهدد ملايين اليمنيين".
وقال لوكوك إن الأمم المتحدة والوكالة الإنسانية تعمل كل ما بوسعها لتقديم المساعدات الغذائية والأساسية في جميع أنحاء اليمن.
وتمكنت المنظمات الإنسانية من تقديم المساعدات الإنسانية لثمانية ملايين يمني شهريا وعلى مدار العام الماضي. ويواجه اليمن أكبر أزمة إنسانية في العالم، منذ اندلاع الحرب. وقال لوكوك إن الأمم المتحدة وشركاؤها رفعت هذا العام حجم مساعداتها حيث تقدم المساعدات الغذائية لتسعة ملايين يمني شهريا منذ بداية العام وتخطط لرفع حجم المساعدات لتصل إلى 12 مليون يمني شهريا.
وحذر لوكوك كذلك من خطر كارثة بيئية وإنسانية بسبب ناقلة النفط "صافر" المتواجدة قرابة سواحل الحديدة على البحر الأحمر، وقال إنها كانت تستخدم لتخزين وتصدير النفط منذ عام 1998، وتحتوي في الوقت الحالي على 1.1 مليون برميل من النفط. وأكد أنه لم يتم صيانتها منذ عام 2015 وأن هناك خطر من احتمال تسرب النفط إلى البحر أو حتى انفجارها مما يهدد بوقوع كارثة بيئية وإنسانية، إن لم تتم صيانتها.
معاناة الأطفال
أما فرجينيا غامبا ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والصراعات فرسمت كذلك صورة قاتمة جدا عن معاناة أطفال اليمن. وتحدثت غامبا ضمن ما يعرف بآلية المراقبة والإبلاغ والتي تم إنشاؤها بموجب القرار 1612 والتي تتيح جمع المعلومات عن الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في مناطق النزاعات في ستة مجالات من بينها؛ تجنيد الأطفال، واستخدامهم والقتل والتشويه والاغتصاب والعنف الجنسي ومنع وصول المساعدات الإنسانية.
وفي ما يخص اليمن، فإن الآلية أنشئت عام 2013 وترصد منذ ذلك العام في تقاريرها الأطراف التي قامت بارتكاب واحدة أو أكثر من الانتهاكات بحق أطفال اليمن. وتحدثت غامبا عن التقرير الذي سيصدر قريبا وسيغطي كذلك الخروقات التي تم التأكد من ارتكابها منذ إبريل 2013 إلى نهاية عام 2018.
وأكدت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة أن "الأرقام مخيفة، إذ تم التأكد من تجنيد واستخدام أكثر من ثلاثة آلاف طفل يمني في القتال، كما تم قتل وتشويه أكثر من 7500 طفل يمني. وتم التأكد من 800 حالة فيها تم منع وصول المساعدات الإنسانية للأطفال. أضف إلى ذلك تأكدت الأمم المتحدة من 350 هجمة ضد المدارس والمستشفيات. وأكدت أن العنف الجنسي ضد الأطفال لا يتم التبليغ عنه بشكل كاف ولا تعكس الأرقام المنخفضة نسبيا الواقع بتاتا. وتحدثت عن تهديدات ومنع العائلات بالتبليغ أو الحديث عما يحدث من انتهاكات جنسية ضد أبنائها.
وتطرقت غامبا لثلاثة مجالات رئيسية، من بينها منع وصول المساعدات الإنسانية للأطفال، وتجنيدهم، وقتلهم وتشويههم. وقالت غامبا "إن الصراع والأزمة الاقتصادية الناجمة عنه وغلاء الأسعار تركت أثرا مدمرا على الأطفال بما في ذلك موتهم من الأمراض كالكوليرا والجوع. ولكن لا يمكن تفسير مواجهة سبعين في المائة من اليمن لخطر المجاعة، فقط كنتيجة للصراع لوحده. لقد تأكدت الأمم المتحدة من وجود أكثر من 800 حالة تم فيها منع وصول المساعدات الإنسانية منذ تأسيس الآلية لليمن عام 2013. وأغلب تلك الحالات تتضمن تحديد حركة المساعدات الإنسانية وهجمات على الطواقم التي تقدم المساعدات أو أماكن تقديم المساعدات".
وأضافت في السياق نفسه: "كما تتم مهاجمة مصادر المياه الضرورية لأي تجمعات مدنية من أجل الاستمرار. وفي الآونة الأخيرة، رأينا استهداف غارات جوية لمواقع قريبة من مستشفى أدى إلى وقوع الضحايا من المدنيين بمن فيهم الأطفال".
وتحدثت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والصراعات عن ثمانين في المائة من اليمنيين بحاجة إلى مساعدات إنسانية وحماية. وأكدت أن هناك مليوني طفل يمني يعانون من سوء تغذية حاد ويجاهدون من أجل البقاء على قيد الحياة.
وقالت غامبا إن سبعين في المائة من حوادث منع وصول المساعدات الإنسانية التي تم تسجيلها تقع على عاتق أنصار الله (الحوثيين) وعشرة في المائة على عاتق التحالف وسبعة في المائة على عاتق قوات الحكومة اليمنية.
وتحدثت غامبا عن التأكد من تجنيد 500 طفل منذ بداية العام الحالي للقتال. وأكدت أنه يتم تجنيد هؤلاء الأطفال في الغالب من بين العائلات الأكثر فقرا في استغلال واضح لظروفها واضطرار هؤلاء الأطفال للتجنيد في محاولة لإعالة عائلاتهم التي تعاني من مخاطر المجاعة والفقر والأمراض بسبب الحرب.
وقالت غامبا إن الأمم المتحدة تمكنت من التأكد من أنه قد قتل وشوه 7500 طفل يمني، نصفهم نتيجة غارات جوية للتحالف، منذ عام 2013. أما الاقتتال على الأرض بما في ذلك القصف المدفعي للمناطق المدنية والأسلحة فأدى إلى مقتل وتشويه قرابة 40 في المائة من الحالات التي تم التأكد منها. وأكدت غامبا أن المسؤولية عن مقتل الأطفال وتشويههم في تلك الحالات تقع على عاتق قوات الحوثي، تليها قوات تابعة للحكومة اليمنية وأطراف أخرى.