أعلنت قيادة الجيش الجزائري، اليوم الثلاثاء، التمسك بخيار تنظيم الانتخابات الرئاسية "في أقرب وقت ممكن"، كـ"حل أمثل للخروج من الأزمة الحالية"، ودعت كافة الأطراف السياسية إلى المساعدة في توفير ظروف إجرائها، ما يعني رفضها مقترح قوى المعارضة تشكيل هيئة رئاسية مؤقتة.
واعترض الجيش الجزائري مجددا على مطلب تشكيل هيئة رئاسية انتقالية، وأصر على نقل السلطة من رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح إلى رئيس منتخب في انتخابات رئاسية.
وقال قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، في كلمة ألقاها أمام القيادات العسكرية في منطقة بسكرة، جنوب شرقي الجزائر: "احتراما للدستور ومؤسسات الدولة، وجب علينا جميعا العمل على تهيئة الظروف الملائمة لتنظيم انتخابات رئاسية في أقرب وقت ممكن، باعتبارها الحل الأمثل للخروج من الأزمة والتصدي لكل التهديدات والمخاطر المحدقة ببلادنا".
وعلق قايد صالح تحقيق باقي المطالب السياسية للشعب على عاتق الرئيس المنتخب المقبل، واعتبر أن إجراء الانتخابات الرئاسية هو "إفشال كافة المخططات المعادية الرامية إلى الوقوع في فخ الفراغ الدستوري، والزج بالبلاد في متاهات الفوضى وزعزعة استقرارها، فهذه الآلية الدستورية هي التي تسمح بانتخاب رئيس جمهورية له الشرعية والصلاحيات لتحقيق المطالب الشعبية المشروعة المتبقية، وهي كذلك القاعدة الأساسية لانطلاق بلادنا من جديد".
ولم يشر قايد صالح إلى مسألة موعد الانتخابات، وما إذا كان الجيش يتمسك بموعدها الدستوري المقرر لها، لكن تحذيره من فراغ دستوري يشير بوضوح إلى دعوته إلى انتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية الولاية الدستورية لرئيس الدولة عبد القادر بن صالح في التاسع من يوليو/ تموز المقبل.
ومن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية في الرابع من يوليو/ تموز المقبل، والتي دعا إليها بن صالح منذ التاسع من إبريل/ نيسان، رغم مطالبة القوى السياسية الموالية والمعارضة ونشطاء الحراك الشعبي بإرجائها لفترة أخرى، لحين توفر الظروف المناسبة، خاصة ما يتعلق بإنشاء هيئة مستقلة تشرف بالكامل على العملية الانتخابية، إضافة إلى المطالبة برفض إجراء الانتخابات في ظل حكومة نور الدين بدوي، وبقاء بن صالح كرئيس للدولة، حيث تطالب المسيرات الشعبية منذ 22 فبراير/ شباط برحيلهما من السلطة.
ولمح المسؤول الجزائري إلى أن عدم إجراء الانتخابات سيدخل البلاد في "نفق الفراغ الدستوري"، وقال "أكدت في لقاء سابق أننا بصدد تفكيك الألغام التي يعرف الشعب الجزائري من زرعها في كامل مؤسسات الدولة، وأن هذه الأزمة، التي كنا في غنى عنها، تم افتعالها بهدف زرع بذور عدم الاستقرار في الجزائر، من خلال خلق بيئة مناسبة للفراغ الدستوري".
وانتقد الجنرال الجزائري مجموعة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ومحيطه، "الذين تسببوا عن قصد في نشوب هذه الأزمة، وهم أنفسهم من يحاولون اليوم اختراق المسيرات ويلوحون بشعارات مشبوهة ومغرضة يحرضون من خلالها على عرقلة كافة المبادرات البناءة التي تكفل الخروج من الأزمة، وقد برهنوا بذلك بأنهم أعداء الشعب، الذي يدرك جيدا بالفطرة، رفقة جيشه، كيف يحبط هذه المؤامرات ويصل بالبلاد إلى بر الأمان".
ولفت قائد الجيش إلى أن المؤسسة العسكرية ليس من صلاحياتها تعديل الدستور وأحكامه للسماح بتنفيذ حل سياسي، موضحا أن "التمسك الشديد لقيادة الجيش بالدستور، الذي زكاه الشعب من خلال ممثليه في البرلمان، ينبع من كون أي تغيير أو تبديل لأحكامه ليست من صلاحية الجيش، بل هي من الصلاحيات المخولة للرئيس المنتخب مستقبلا، وفقا للإرادة الشعبية الحرة".
وأضاف أن "هذا الموقف المبدئي يعد علامة فارقة ودائمة على مدى تصميم الجيش على أن لا يحيد عن الدستور، مهما كانت الظروف والأحوال، ومن يقول عكس ذلك فهو مجحف في حق الجيش ومواقفه الثابتة"، مشيرا إلى أن الجيش يرفض تلقي دروس ممن وصفهم بـ"أولئك الوصوليين الذين استفادوا من خيرات البلاد على أكثر من صعيد، ويريدون اليوم تقديم الدروس للجيش وقيادته، وإننا لا نقبل، بل نرفض هذه السلوكيات الانتهازية جملة وتفصيلا، لأنها لا تخدم الجزائر ولا تسهم فعليا في حلّ أزمتها".
وحث الفريق أحمد قايد صالح القوى السياسية والمدنية ونشطاء الحراك على "التعقل وعدم فتح صراعات هامشية"، وقال إنه "يتعين على الجميع التحلي بالتعقل والتبصر وتجنب الدخول في متاهات وصراعات هامشية لا طائل منها، ولا تخدم المصلحة العليا للوطن، والتي من شأنها إطالة عمر الأزمة.. وإننا ننتظر من كل المواطنين الغيورين على مستقبل وطنهم، تضافر الجهود الصادقة لإيجاد أحسن السبل للوصول بالبلاد إلى بر الأمان".
وتأتي هذه المواقف في الوقت الذي تستعد فيه قوى المعارضة السياسية والمدنية والشخصيات المستقلة لعقد مؤتمر شامل وموسع تطرح خلاله خطة انتقال سياسي.
ويعتقد أن مواقف الجيش ستساهم في دفع قوى المعارضة إلى تقديم تنازلات وتعديل موقفها الذي يتمسك بإقالة حكومة بدوي وتنحي الرئيس المؤقت بن صالح، وإنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات، والقبول بالذهاب في فترة معقولة إلى انتخابات يمكن خلالها للمعارضة أن تتفق على مرشح رئاسي موحد ينفذ بعد انتخابه خطة انتقال ديمقراطي وتعديل الدستور.