وتشكل هذه النقطة، التي كان تبكير موعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل وفق موعدها الرسمي سابقاً إلى التاسع من إبريل/ نيسان الماضي، مفتاحاً لرسم ملامح حكومة نتنياهو المقبلة وخطوطها العريضة، خصوصاً بعد الكشف أول من أمس عن
هذا التلاقي في مصالح نتنياهو (على المستوى الشخصي، بحمايته من المحاكمة، مع وزيري شاس ويهدوت هتوراة) يوازيه تلاقٍ في المصالح على المستوى الفكري والأيديولوجي مع أعضاء تحالف أحزاب اليمين الديني الاستيطاني، الذين يعتبرون المحكمة الإسرائيلية العليا، عائقاً أمام إفلات أياديهم في سلب الأراضي الفلسطينية الخاصة في الضفة الغربية المحتلة وإقامة بؤر استيطانية عليها. كما يعتبرون المحكمة العليا سداً أمام إطلاق المشاريع والمخططات الاستيطانية الحكومية في الضفة الغربية المحتلة، أو في تقليص وحتى حرمان الفلسطينيين من أي مسار قانوني أو قضائي للاعتراض على ممارسات الاحتلال. وتُوج سعيهم "لتصحيح الوضع القانوني القائم" بحسب مفاهيمهم، في العام الماضي بقرار وزيرة القضاء الإسرائيلية السابقة من حزب البيت اليهودي، أيليت شاكيد بإقامة محكمة لوائية في القدس تكون العنوان الأول للفلسطينيين المتضررين شخصياً وبشكل مباشر من عمليات الاستيطان، ومنْع طرف ثالث (مثل جمعيات حقوقية إسرائيلية مثل منظمتي "بتسيلم" و"ييش دين") من التوجه إلى المحكمة العليا كممثلة عن الفلسطينيين المتضررين.
تلاقي مصالح نتنياهو السياسية المؤيدة للاستيطان، مع مصالح التيار الديني الصهيوني الاستيطاني، يتم التعبير عنه بشكل بارز في المفاوضات المستمرة لتشكيل الحكومة وذلك عبر تصدّر عضو الكنيست بتسليئيل سموطريتش الواجهة في الكنيست المنتخب، كمن يشترط تعديل قانون الحصانة، ولكن أيضاً ما يسمى بـ"فقرة تغليب قوانين وسلطة الكنيست على المحكمة الإسرائيلية العليا"، كي لا تتدخل الأخيرة أو تلغي قوانين سنها الكنيست. وفرْض تعديل هذه الفقرة، التي ليس من الواضح حتى الآن إلى أي قانون ستضاف، بات ممكناً أيضاً في ظل تراجع القوة السياسية لموشيه كاحلون، وسكوته أخيراً خلافاً لما تخللته فترة عمل الحكومة المنتهية ولايتها حالياً (تسمى حكومة انتقالية)، من الهجوم السافر على جهاز القضاء والمحاكم.
هذا الوضع الناشئ في إسرائيل، المتمثل في ظروف نتنياهو "القضائية"، يجعل من الأخير أكثر انصياعاً للابتزاز. وقد بدأت بوادر هذا الرضوخ تظهر خلال الأيام الأخيرة للمعركة الانتخابية في إبريل الماضي، عندما تنكر لكل تصريحاته السابقة بما يتعلق بدعم حل الدولتين، والامتناع عن قبول مطالب حزب البيت اليهودي ببسط السيادة الإسرائيلية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ووقف مقترحات قوانين بهذا الاتجاه خلال حكومته الرابعة وانتقل إلى التعهد بضم كل المستوطنات في الضفة الغربية بما فيها المستوطنات المعزولة والنائية البعيدة عن الكتل الاستيطانية، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها.
ووفقا لما نشر في الصحف الإسرائيلية على مدار أيام جلسات المفاوضات الأولية، تبدو خطوط حكومة نتنياهو المقبلة، أشد تطرفاً على مستوى الفعل التشريعي والعمل التنفيذي أيضاً، مما سبقتها من حكومات، خصوصاً في ظل التصريحات الأميركية المتواترة عن الاعتراف بالمستوطنات الإسرائيلية وحقها في "التوسع والتطرف العمراني".
وتشير المؤشرات المختلفة، إلى أن حكومة نتنياهو الخامسة ستكون حكومة الفساد السلطوي والمالي، بمعنى ضمها في صفوفها رئيس حكومة يُشتبَه بارتكابه مخالفات جنائية خطيرة بدءاً من خيانة الأمانة العامة وصولاً إلى تلقي الرشوة، ووزيرين على الأقل، ليتسمان ودرعي، تحوم حولهما شبهات بفساد مالي في حالة درعي، وفساد سلطوي وخيانة الأمانة العامة في حالة ليتسمان.
وإلى جانب بعدي الفساد المالي والسلطوي، والتطرف القومي الديني، وفق ما يبدو أن نتنياهو سيمنحه من دعم تشريعي وسياسي للاستيطان، فإن ما يقلق الطبقة السياسية المعارضة لنتنياهو أيضاً (وهي لا تختلف معه كثيرا في مسائل الحل الدائم ورفض حل الدولتين، باستثناء بقايا حزب العمل وحركة ميرتس ولهما معا 10 مقاعد فقط في الكنيست) هو ما تعتبره "تقويضاً للنظام الديمقراطي من خلال تهديم سلطة الجهاز القضائي"، وإخضاعه، في حال مرت التشريعات المذكورة أعلاه، لقرار الأغلبية السياسية، وتحييده ليصبح غير قادر على نقض شرعية القوانين ما دامت اتخذت بأغلبية عددية في الكنيست، بغض النظر عن فحواها واحتمالات كون هذه القوانين مناقضة لحقوق الإنسان الأساسية، سواء الداخلية لإسرائيل أم حتى القوانين الدولية.
إلى ذلك، فإن "الشيك" المفتوح الذي يعتزم نتنياهو تقديمه للأحزاب الدينية، بما فيها الحريدية وتحالف أحزاب اليمين الديني الصهيوني المتطرف، ينذر بزيادة تأثير الدين على الدولة وحتى ضرب النشاط الاقتصادي فيها في حال تم إقرار مطالب الحريديم بمنع النشاط الاقتصادي أيام السبت.
مقابل هذا كله، يأمل نتنياهو، أن يصبح "أخيراً" صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، بفعل قيود يفرضها في الاتفاقيات الائتلافية، في قضايا السلم والحرب أيضاً، وأن يكون رئيس حكومة لا توجد لها ولا بأيدي معارضيها منظومة كوابح لا قضائية ولا سياسية وتحظى بدعم أميركي مفتوح.