حذر وزير الخارجية الجزائري الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، والذي يعتبر شخصية سياسية بارزة في بلاده، اليوم الأربعاء، من "تغول الجيش وفرضه خيارات سياسية محددة على الشعب"، منتقدا تمسكه بـ"مؤسسات منبوذة شعبيا"، ويقصد الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، اللذين يطالب الحراك برحيلهما.
ودعا الإبراهيمي، في رسالة نشرها اليوم، الجيش الجزائري إلى "إفساح المجال للبحث عن حل سياسي للأزمة، بدلا من التمسك الحرفي بالدستور"، موضحا أن "المؤسسة العسكرية تتسم بالانضباط وتفادي التدخل المباشر في الشأن العام، لكنها في هذا الظرف الخاص يجب أن تُصغي إلى اقتراحات النخب وعقلاء القوم، وأن لا تكون سندا لمؤسسات لا تحظى بالرضى الشعبي، حتى وإن كانت في وضع دستوري ثابت كان مبرمجا لحالات عادية، وليست استثنائية كالتي نمر بها اليوم".
وحذر الوزير الأسبق من "تغول الجيش في المشهد السياسي في الوقت الحالي"، مشددا على أنه "لا يجب أن تكون مشروعية تدخل المؤسسة العسكرية بديلا عن الشرعية الشعبية، بل عليها أن تكون قناة لتحقيق هذه الشرعية عبر الاستجابة الواضحة للمطالب الشعبية، وفق قراءة واعية ومسؤولة للواقع السياسي، وضغوطات المرحلة، بحيث لا تنحرف هذه المشروعية إلى إعادة إنتاج وسائل وآليات الحكم السابق عبر عناوين جديدة، يلتبس فيها مبدأ الاستقرار المؤسساتي والدستوري بريبة المطامع السلطوية، التي لا تخلو منها أي نفس بشرية".
ويأتي نشر الإبراهيمي رسالته بعد أيام من الجدل المثير الذي أعقب رسالة نشرها رفقة أب الحركة الحقوقية علي يحيى عبد النور، والجنرال السابق في الجيش رشيد بن يلس، دعوا فيها الجيش إلى "فتح حوار مباشر مع رموز الحراك الشعبي والقوى السياسية لإيجاد حل للأزمة الراهنة ووضع خطة انتقالية".
ودعا طالب الإبراهيمي إلى "البحث عن حلول للأزمة خارج الدستور، الذي لا يحمل حلولا بسبب النظام السابق الذي صاغ دستورا لصالحه"، وقال: "النقاش الدائر حول الدستور تحول إلى جدل مجتمعي من إيجابياته أنه جعل الشباب ينتقل من موقع العزوف عن العمل السياسي إلى موقع المهتم بالعمل السياسي، ولكنه أيضا بيّن أن النص الدستوري وُضع ليوافق هوى السلطة الحاكمة دون مراعاة للتفاعلات الاجتماعية والتوازنات الحقيقية للقوى، بسب غياب ثقافة الدولة لدى السلطة التي تعاملت مع الدستور كوسيلة للحكم، وليس مرجعا يُحتكم إليه، وكان من نتاج ذلك أن كثيرا من الجزائريين لا يرون حرجا في تجاوز هذا العقد الاجتماعي، غير مبالين بالمخاطر، ومن بينها الفراغ الدستوري".
واعتبر المرشح الرئاسي السابق في انتخابات عام 1999 الحراك الشعبي عبارة عن "استفتاء"، وحث على "صياغة حل يجمع بين المرتكزات الدستورية في المادتين السابعة والثامنة، وما يتسع التأويل فيهما، على اعتبار أن الهبة الشعبية استفتاء لا غبار عليه، وبين بعض المواد الإجرائية التي تساهم في نقل السلطة دستوريا"، مضيفا "أرى أن الحكمة تقتضي تغليب المشروعية الموضوعية على المشروعية الشكلية، انطلاقا من حق الشعب في التغيير المستمر"، مشددا على أن "الدستور لا يجب أن يكون متخلفا عن حركة الواقع، ولا ينبغي أن يكون مُعوقا لحركة المستقبل".
ورد وزير الخارجية الأسبق على خطاب قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، الذي أبدى استغرابه، الثلاثاء الماضي، من صمت الشخصيات الوطنية، وعدم طرحها لمواقف ومبادرات.
وانتقد الإبرهيمي تجاهل السلطة والجيش لـ"مبادرات سياسية عديدة طرحتها أحزاب ونقابات وشخصيات وأفراد، والتي أستغرب كيف غابت كلها عن أصحاب القرار"، مشيرا إلى أن رؤيته للحل الذي يطرحه ليس هدفها "الاصطفاف مع جزائري ضد آخر، وإنما شغلي الشاغل هو كيفية إنقاذ بلادي من هذا المأزق السياسي بأقل التكاليف، لأن استمراره قفزة في المجهول، فضلا عن كونه يزيد اقتصادنا الوطني هشاشة، ويهدد الاستقرار الذي لا غنى عنه للحفاظ على وتيرة التنمية".
ودعا المسؤول الجزائري السابق إلى "الإسراع في تقريب وجهات النظر والحد من حالة الاستقطاب الراهن في المشهد السياسي"، وقال: "بلغ الحراك الشعبي مستوى عاليا من النضج والوعي رغم ما يعتريه من انقسامات طبيعية، ورغم كل المخاطر والمخاوف، بما فيها مع الأسف لغة التخوين تجاه بعض القيادات السياسية، أو جهات من الوطن، أو الإساءة إلى قيادة المؤسسة العسكرية، إلا أنه علينا جميعا الحفاظ على هذا المكسب الحضاري، وأن نصلح بين كل الأطراف، وأن نستخلص من الحراك الشعارات الجامعة، ومن بينها (الجزائريين خاوة خاوة) و(الجيش والشعب خاوة خاوة)".
ووصف الوجه السياسي البارز في الجزائر دور الجيش في منع نزيف الدم وقمع الحراك الشعبي بـ"الهام"، واعتبر أن "المؤسسة العسكرية لعبت دورا هاما في الحفاظ على سلمية الحراك الشعبي، من خلال حرصها على تجنب استعمال العنف، وتجلّى هذا واضحا في عمل قوات الأمن من شرطة ودرك التي هي على تماس دائم مع المحتجين".
كما ثمن حرص الأمن والمحتجين على "سلمية المسيرات الشعبية"، ورأى في ذلك "بذور ثقافة جديدة يقوم عليها صرح الديمقراطية غدا، وأعني بذلك ثقافة منع استعمال العنف من أجل الوصول إلى السلطة أو التشبث بها".
وثمن الإبراهيمي، الذي انسحب من السلطة نهاية الثمانينيات، دعوات شعبية وسياسية توجهت إليه لترؤس مرحلة انتقالية، نافيا وجود أية طموحات سياسية له بسبب تقدمه في السن، وقال "كتب لي أن أعيش حتى أشاهد استعادة الشباب الجزائري لزمام المبادرة في صنع مستقبله (..) لقد تقدم بي السن وألغى كل طموح في نفسي، بيد أنه لم يستطع منعي من التفاعل مع قضايا وطني. لم أعد بتلك الفتوة التي تمنحني القوة لأكون معكم في مسيراتكم المباركة، التي تدكّون بها في كل يوم يمر منذ 22 فبراير (شباط) الماضي ركائز نظام فاسد، وتؤسسون لبناء دولة القانون تحترم فيها الحريات وحقوق الإنسان، وتكون فيها العدالة مستقلة والعدالة الاجتماعية"، مشيرا إلى أن ذلك "لن يتأتى إلا إذا انتهينا من الخلط بين السلطة والمال الفاسد، وخلّقنا الحياة العامة ودفعنا إلى الصفوف الأمامية برجال مسؤولية وليس برجال تنفيذ".
وكشف وزير الخارجية الأسبق أنه تفادى إصدار مواقف في الأيام الأولى للحراك لتجنب أية تفسيرات عن محاولة الركوب على الحرك أو محاولة خلق زعامة للحراك، وقال "لم أتوقف عن استقبال وفود من شباب الحراك الذين عرضوا علي بإلحاح ترشيحي لقيادة المرحلة الانتقالية، ولم ألبّ دعوة مقربين وأصدقاء لتوجيه رسالة تأييد وتشجيع لصانعي الحدث في أسابيعه الأولى، ليس تعاليا، وإنما لتفادي كل تفسير خاطئ يوحي برغبة في استغلال الموقف من أجل التربح السياسي، أو تصفية حساب مع الرئيس السابق، والابتعاد عن تكريس الزعامة وعبادة الشخصية".
واعتبر الإبراهيمي أن اتخاذ الحراك الشعبي ليوم الجمعة "بات يشكل، بالإضافة إلى قيمته الروحية، قيمة رمزية خاصة. فقد صار جامعا لكل أطياف المجتمع من وطنيين وإسلاميين وعلمانيين، يتقدمهم شباب متحمس لم تتبلور قناعاته السياسية بعد، لكنها لن تكون جانحة أمام هذه الوسطية الفائقة"، وأقر بأن الجزائر "أمام الانسداد السياسي المتمثل في تعنت السلطة وتمسك الحراك الشعبي بمطالبه"، مشددا على أن تدخله يستهدف "الإشادةَ بهذه الثورة السلمية التي يشكل الشباب المتعلم نواتها الصلبة، والعمل على تصويب بعض الأخطاء، والحرص على تقريب وجهات النظر الذي لولاه لاستحال تصور الحلول التوافقية".