وصلت الأزمة بين الحكومة اليمنية الشرعية والمبعوث الأممي مارتن غريفيث، مستوى غير مسبوق، مع إعلان الرئيس عبدربه منصور هادي منح غريفيث "مهلة أخيرة ونهائية" واتهامه بـ"ارتكاب العديد من التجاوزات خلال الفترة الماضية".
وكان البريطاني مارتن غريفيث تسلم مهامه مبعوثاً إلى اليمن خلفاً لسلفه الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في مارس/آذار 2018، ليكون ملف التصعيد العسكري للقوات الحكومية والتحالف صوب الحديدة، أول الملفات التي تصدرت مهمة غريفيث وأكثرها تعقيداً حتى اليوم.
ووفقاً لمصادر قريبة من الحكومة فقد بدأت أولى محطات الخلاف مع التحركات التي قادها غريفيث لوقف معركة الحديدة، والتي كان يُنظر إليها كتحول محوري في مسار الحرب في البلاد، في حين سعى غريفيث وبدعم لا محدود من بريطانيا إلى التأثير في مسار المعركة وصولاً إلى وقف العمليات العسكرية لاحقا.
في تلك الأثناء، بدأت تصريحات من داخل الحكومة أو مؤيدين لها، تظهر ضد غريفيث، الذي تمتع بعلاقة جيدة مع جماعة أنصار الله (الحوثيين)، خلافاً لسلفه ولد الشيخ الذي طالبت الجماعة بتغييره في العام 2017.
ثاني محطة اصطدام علنية بين الشرعية والمبعوث الأممي، كانت في سبتمبر/أيلول 2018، حين قام الأخير بالتحضير لعقد جولة مشاورات سلام في جنيف وبينما حضر الوفد الحكومي، رفض وفد الحوثيين الحضور، وتعذر برفض التحالف منح التصريح لـ"طائرة آمنة"، لتنقل الوفد من صنعاء، وعقب فشل انعقاد المشاورات، خرج غريفيث بتصريحات تحفظ فيها عن إلقاء اللوم على الحوثيين، وهو ما دفع وزير الخارجية اليمني، رئيس الوفد المفاوض، إلى إطلاق تصريحات من جنيف، تهاجم المبعوث الدولي لأول مرة.
المحطة الثالثة، كانت أثناء مشاورات السلام في السويد في ديسمبر/كانون الأول 2018، وهي الجولة التي ذهبت إليها الحكومة تحت الضغط الدولي، في حين كان هناك تحفظات إزاء الصيغة المعلنة لاتفاق الحديدة والتي أعدها غريفيث وفريقه، بحيث تضمن الاتفاق بصيغته النهائية ترحيلاً لقضايا خلافية إلى مرحلة لاحقة، كما حصل تحديداً بعدم تسمية الطرف الذي يجب أن تؤول إليه الأمور في الحديدة، بناءً على الخطوات التي يتضمنها الاتفاق، ومنذ اختتام مشاورات السويد أعلنت الحكومة أنها لن تذهب إلى أي جولة جديدة، قبل التنفيذ الكامل لاتفاق استوكهولم.
المحطة الرابعة، جرى الكشف عنها في مارس/آذار الماضي، عندما سلم وزير الخارجية اليمني خالد اليماني، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، رسالة تحتج على غريفيث، وتتهمه بـ"تجاوز مهامه"، من خلال مناقشة نقل "إجراءات تطبيق تفتيش السفن في موانئ الحديدة بدلا عن جيبوتي".
واعتبرت الرسالة أن آلية التفتيش التي تتبعها الأمم المتحدة بالاشتراك مع الحكومة اليمنية، هي "القيام بالتفتيش والتحقق من الواردات المتجهة إلى الموانئ" التي لا تخضع للحكومة، لتسهيل وعدم إعاقة سريان الواردات التجارية للبلاد، ولمراقبة الالتزام بحظر توريد الأسلحة المنصوص عليه في القرار 2140 لعام 2014 والقرار 2216 لعام 2016، وأن "التفويض الممنوح للآلية لا يخولها التعامل خارج سلطة الحكومة الشرعية في اليمن، أو التعدي على وحدة وسيادة واستقلال أراضي الجمهورية اليمنية".
المحطة الخامسة، والأخيرة، وهي الأهم، وتتعلق ببدء تنفيذ "إعادة الانتشار" المنصوص عليها في اتفاق استوكهولم بشأن الحديدة، حيث أعلن فريق الأمم المتحدة بقيادة الجنرال مايكل لوليسغارد الترحيب بـ"مبادرة الحوثيين"، بتنفيذ "إعادة انتشار" أحادي الجانب في مؤانئ الحديدة، وهو ما يعني الإقرار مبدئياً بصوابية تفسير الحوثيين للاتفاق بعدما رفض رئيس فريق المراقبين الدوليين السابق في الحديدة، الجنرال الهولندي باتريك كاميرت، القبول بهذه الخطوة، واستقال على أثرها.
ومن الواضح أن مجمل المحطات السابقة، جعلت من الأزمة الأخيرة، نتيجة لتراكم خلافات المراحل السابقة، فضلاً عن حساسية الموقف المرتبط بالحديدة، والذي تجاهل الحكومة اليمنية كطرف معني بالرقابة على تنفيذ الاتفاق، إلى إبرام تفاهمات مباشرة مع الحوثيين بشأن تسليم الموانئ إلى الأمم المتحدة، بعيداً عن الحكومة، كما أوضحت رسالة هادي إلى غوتيريس.