وفي مشروع القانون الذي تمّ إقراره، وكانت قد وضعته الحكومة، فإنّ رئيس هيئة القضاء العسكري "سيتم تعيينه بقرار من رئيس الجمهورية من بين أقدم سبعة أعضاء من القضاء العسكري، وذلك لمدة أربع سنوات، أو لحين حلول الدور عليه للتقاعد، حسب أيهما أقرب، ولمرة واحدة طوال مدة عمله"، وذلك أسوة بباقي رؤساء الهيئات الذين ينصّ الدستور الحالي بعد تعديله في إبريل/نيسان الماضي على تعيينهم بواسطة رئيس الجمهورية أيضاً.
ولا تمثّل هذه المساواة خطراً واحداً يتجسّد في إضفاء صفة مؤسسية غير موجودة في الأساس على أداء القضاء العسكري، بل هي أيضاً تعتبر انتقاصاً من سلطات وزير الدفاع المصري للمرة الأولى منذ وضع قانون القضاء العسكري عام 1966. ففي الماضي، كان وزير الدفاع هو الذي يملك حق تعيين رئيس هذا القضاء، باعتبار أن جميع المحاكم العسكرية تابعة له. كما كان وزراء الدفاع في السابق ــ بمن فيهم رئيس الجمهورية الحالي عبد الفتاح السيسي في الفترة بين 2012 و2014 ــ يعيّنون رئيس الهيئة بالأقدمية المطلقة، أو بالاختيار من بين أصحاب الرتب الأعلى (لواء فعميد فعقيد). لكن مع صدور القانون الجديد، سيكون من حق السيسي تجاوز وزير الدفاع وتعيين رئيس الهيئة ليصبح تابعاً مباشرة لرئيس الجمهورية، رغم أن تصرفاته القضائية خاضعة لوزير الدفاع.
هذه الازدواجية لم يبالِ بها النظام كثيراً، في ظلّ سعي السيسي الحثيث للسيطرة على المحاكم بأنواعها، خصوصاً أنّ الهدف الأساسي من تدخله في اختيار رئيس هيئة القضاء العسكري ليس فقط مكافأة القضاة العسكريين الأكثر موالاة له، أو تلافي اختيار رئيس للهيئة يخالفه التوجهات القانونية، لا سيما أنّ مصادر قانونية تتحدّث عن "عدم رضا وزارة الدفاع عن اتجاهات بعض المحاكم العسكرية في الآونة الأخيرة نتيجة إصدار أحكام بالبراءة أو إحالة القضايا إلى المحاكم العادية"، بل يحقق النصّ الجديد أيضاً هدفاً سياسياً، هو ضمان شخصية واتجاهات رئيس الهيئة الذي سيتم ضمه إلى المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية المنصوص عليه في المادة 185 من الدستور حالياً.
وبضمّ رئيس القضاء العسكري، المختار من قبل السيسي، سيكون الأخير متحكماً بشكل كامل في عضوية المجلس الأعلى، ليكون من المستحيل اتفاق رؤساء الهيئات القضائية ضدّ قراراته، أو بما يخالف رؤاه الشخصية. وبذلك يكسب السيسي صوتاً جاهزاً إضافياً في مداولات المجلس، إلى جانب أصوات رؤساء الهيئات الذين سيختارهم بنفسه، وفقاً للدستور بعد تعديله.
وسيضم المجلس بذلك 9 أعضاء برئاسة السيسي، وعضوية رؤساء المحكمة الدستورية ومحكمة النقض ومجلس الدولة والقضاء العسكري وقضايا الدولة والنيابة الإدارية ومحكمة استئناف القاهرة والنائب العام. علماً أنّ السيسي يملك وفقاً للتعديل الدستوري حقّ نقض القرارات، ولا يجوز إصدار أي قرار إلّا بموافقته شرط أن يكون معه 4 أصوات أخرى.
وبين عامي 2017 و2018، استخدم السيسي القضاء العسكري للتنكيل بثلاث شخصيات شكّلت في أوقات مختلفة خطراً على شعبيته وتماسك نظامه، هي رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق، رئيس أركان الجيش الأسبق سامي عنان، ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق هشام جنينة؛ إذ تمّ تهديد شفيق بتحريك قضيتين قديمتين ضده، تتضمنان اتهامات بالكسب غير المشروع واستغلال النفوذ وإهدار المال العام بوزارة الطيران بين عامي 2002 و2011، كان جهاز الكسب غير المشروع قد أحالهما إلى النيابة العسكرية في عام 2013، تنفيذاً لقانون صدر في عهد المجلس العسكري يجعل القضاء العسكري مختصاً بقضايا الفساد المالي للضباط السابقين بالقوات المسلحة.
وصدر ضدّ عنان حكمان بالسجن 6 و4 سنوات في قضيتي تزوير أوراقه الثبوتية وادعاء صفة مدني، بدلاً من وظيفته كضابط متقاعد تحت الاستدعاء العسكري، ومخالفة القواعد العسكرية بإعلان نيته الترشح لرئاسة الجمهورية، منافساً للسيسي مطلع العام الماضي. وقد تمّ توجيه اتهام رسمي إليه، أفلت منه بكفالة زادت عن المليون جنيه في قضية كسب غير مشروع أمام النيابة العسكرية أيضاً.
أما جنينة، فيقضي حالياً عقوبة الحبس 5 سنوات لاتهامه بأنّه أذاع عمداً في الخارج شائعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، بعد أن أدلى بتصريحات لموقع "هاف-بوست عربي"، تضمنت بعض الأمور المنسوبة "كذباً" للقوات المسلحة وتتعلق بفترة ما بعد أحداث يناير/كانون الثاني 2011، وكان من شأن ذلك كله "إضعاف هيبة أجهزة الدولة والنيل من اعتبارها".