بين صورتين لنائب رئيس المجلس العسكري في السودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي): صورته الأولى وهو يقود حملة الرئيس المعزول، عمر البشير، "الإبادية" في دارفور، وصورته الأخيرة وهو يراقب النيران تأكل خيام المعتصمين من مكتبه المغطى بالألواح الخشبية في أعلى مقر القيادة العامة للجيش السوداني في الخرطوم، اختصرت صحيفة "نيويورك تايمز"، في مقابلة لها مع حميدتي نشرت أمس السبت، حكاية صعود الأخير من تجارة الإبل والتهريب عبر الحدود، ليصبح الجنرال الأقرب لخلافة البشير.
وعلى الرغم من ذلك، خرج حميدتي، مع تكثيف الضغوط الدولية إثر المجزرة، ليقدم نفسه على أنه "منقذ للسودان" وليس مدمّرًا له، كما تقرأ الصحيفة بين سطور حديثه في المقابلة التي أجرتها معه، حين يقول: "إذا لم أصل إلى هذا المنصب، كان البلد سيضيع".
غير أنه رفض الإجابة على أسئلة مباشرة من الصحيفة حول الانتهاكات التي ارتكبتها قواته، متحدّثًا عن تحقيق يأخذ مجراه، وستنشر نتائجه "في الأيام القادمة"، مردفًا: "أنا لا أتهرب من السؤال، أنا فقط أنتظر التحقيق".
لكن الجنرال السوداني لم ينتظر طويلًا ليسارع إلى محاولة تبرير الجريمة، ليعطي بذلك تصورًا أوليًا عمّا يمكن أن تحمله نتائج التحقيق، حين يتذرع، خلال المقابلة ذاتها، بـ"استفزازات" طاولت جنوده، زاعمًا أن السيارات التابعة لها تم "تدميرها أمام أعيننا وقد تم تصوير ذلك على الهواء مباشرة".
Twitter Post
|
وتعيد الصحيفة تصوير المشهد الذي تجسّد أمام ناظري حميدتي يوم الثالث من يونيو/حزيران الجاري، حين كان يراقب قوات الدعم السريع، التي أسس نواتها في دارفور، وهي تفض اعتصام آلاف السودانيين المطالبين بالحكم المدني، وتحرق خيامهم، وتلقي جثث قتلاهم في النيل، وتغتصب النساء والرجال، وفقًا لروايات الشهود، وجهات غير حكومية، مثل لجنة أطباء السودان المركزية.
وتقول الصحيفة إن "حمام الدم" ذاك عزز "الصعود الهائج" الذي تعتبره معظم التقديرات الحاكم الفعلي للسودان الآن، وفق ما تذكره الصحيفة، مضيفة أنه يعد بالنسبة للعديد من السودانيين بمثابة دليل على واقع محبط: الدكتاتور الذي طالبوا برحيله ترك وراءه نظامًا قمعيًا مصممًا على حماية سلطته.
وتنقل الصحيفة عن آلاء صلاح، الفتاة السودانية التي انتشرت هتافاتها على نحو واسع، واكتسبت لقب "الكنداكة": "اعتقدنا أن ذلك قد يحدث... لسنوات طويلة حميدتي قتل وحرق في دارفور. الآن جاءت دارفور إلى الخرطوم".
وتسرد الصحيفة أن حميدتي كان لسنوات عديدة أداة تنفيذية للبشير، الذي وصفته بـ"الدكتاتور الوحشي"، وحكم السودان لثلاثين عامًا، قبل أن يطيح به الجيش على وقع هتافات المتظاهرين السودانيين. ورغم أنه ادعى مرارًا بأنه يدعم الثورة، فإن المجلس العسكري رفض مطالبات المتظاهرين بنقل السلطة فورًا لحكومة مدنية، وفور توقف المحادثات مع المعارضة، باشرت قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي حملتها الدموية.
وينقل صحافي "نيويورك تايمز" للقارئ صورة عن حياة السلطة التي يعيشها الجنرال حميدتي داخل مكتبه في مقر الجيش، حيث "الخدم والمستشارون والنادلون يحيطون به، والسيوف الذهبية والميداليات العسكرية، التي اكتسبها قادة عسكريون سابقون، تملأ القاعة خارج غرفته"، بينما "مقاتلوه الذين يرتدون بزّات حرب باللون الكاكي يتسكّعون على البوابات، ويستعرضون أسلحتهم التي تحمي سلطته".
وسط ذلك، وبينما لا يزال ضحايا اعتصام الخرطوم يحصون قتلاهم ويلملمون جراحهم حتى اليوم، يجلس الجنرال حميدتي، الرجل النحيف كما تصفه الصحيفة، الذي لا يمتلك سوى شهادة المرحلة الابتدائية، وأربع زوجات، مستمتعًا بنثريات منصبه الجديد.