أعلن المجلس الدستوري في الجزائر رسميا، اليوم الأحد، إلغاء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 4 يوليو/ تموز المقبل، ودعا الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح إلى الدعوة إلى انتخابات رئاسية جديدة، وأقر استمراره رئيسا للدولة حتى تنظيم انتخابات رئاسية جديدة.
أقر المجلس الدستوري ( المحكمة الدستورية) استحالة إجراء الانتخابات الرئاسية في الرابع من يوليو/ تموز المقبل، بعد رفضه رسميا ملفي مرشحين اثنين، كانا قد قدما فقط ترشحهما لهذه الانتخابات.
وأصدر المجلس اليوم الأحد قرارا "صرح بموجبه استحالة إجراء انتخاب رئيس الجمهورية يوم 4 يوليو 2019، وإعادة تنظيمها من جديد".
ولم يستوف المرشحان شروط الترشح، لكن قرار المجلس الدستوري لم يكن مفاجئا، بسبب الظروف السياسية على خلفية الحراك الشعبي الرافض لإجراء أية انتخابات رئاسية في ظل استمرار رموز نظام عبد العزيز بوتفليقة في الحكم، حيث بدا الرفض الشعبي والسياسي للانتخابات منذ إعلان بن صالح، بدعم من الجيش، استدعاء الناخبين الجزائريين في التاسع من إبريل/ نيسان الماضي إلى انتخابات يوليو.
وأعلنت أغلب القوى والشخصيات السياسية مقاطعة الترشح، ورفضت المشاركة في الانتخابات، كورقة ضغط إضافية لدفع الجيش إلى القبول بتنحي بن صالح ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، ورئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، الذي قدم استقالته قبل شهر.
إقرار بن صالح لما بعد 9 يوليو
لكن المفاجأة غير سارة بالنسبة للقوى السياسية والمدنية في بيان المجلس الدستوري إقراره أن بن صالح سيبقى رئيسا للدولة حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، "وبما أنّ الدستور أقرّ أن المهمة الأساسية لمن يتولى وظيفة رئيس الدولة هي تنظيم انتخاب رئيس الجمهورية، فإنه يتعيّن تهيئة الظروف الملائمة لتنظيمها وإحاطتها بالشفافية والحياد، لأجل الحفاظ على المؤسّسات الدستورية التي تُمكن من تحقيق تطلعات الشعب السيّد"، مشيرا إلى أن "المؤسِّس الدستوري خوّل مهمة السهر على احترام الدستور للمجلس الدستوري، وبما أنَّ الشعب هو مصدر كل سلطة ويمارس سيادته بواسطة المؤسّسات الدستورية التي يختارها".
ويعني ذلك أن مهمة بن صالح لن تنتهي في التاسع من يوليو المقبل، مثلما كانت تشير إليه تفسيرات دستورية فسرت مضمون المادة 102 من الدستور التي تنص على شغور منصب الرئيس وترؤس بن صالح للدولة، وتنظيم انتخابات رئاسية في غضون 90 يوما.
وفسر المجلس الدستوري المادة بخلاف ذلك، واعتبر أن فترة 90 يوما تتعلق بمهلة إجراء الانتخابات وليس بمهمة رئيس الدولة المكلف بتسليم العهدة الرئاسية إلى رئيس منتخب متى تمت الانتخابات.
وفي هذا السياق، طلب المجلس الدستوري من عبد القادر بن صالح استدعاء الناخبين بقوله: "كما يعود لرئيس الدولة استدعاء الهيئة الانتخابية من جديد واستكمال المسار الانتخابي، حتى انتخاب رئيس الجمهورية وأدائه اليمين الدستورية".
ولا يعرف ما إذا كان بن صالح سيدعو عاجلا إلى انتخابات رئاسية، أم أنه سينتظر إلى غاية انقضاء تاريخ الانتخابات الملغاة في الرابع من يوليو المقبل، والبدء في إجراءات وتدابير إنشاء الهيئة العليا للانتخابات.
وتشترط القوى السياسية والمدنية والحراك الشعبي في الجزائر إنشاء الهيئة المستقلة للانتخابات، ونقل صلاحيات تنظيمها والإشراف الكامل عليها من وزارة الداخلية، قبل القبول بإجراء أية انتخابات مقبلة، إضافة إلى اشتراطات سياسية أخرى تتعلق برحيل حكومة نور الدين بدوي، وتشكيل حكومة مستقلة.
الدستوري يغلق باب المرحلة الانتقالية
ويغلق بيان المجلس الدستوري الباب أمام أية إمكانية دستورية لبدء مرحلة انتقالية.
ووفقا لما تطالب به قوى سياسية ومدنية من استبدال الرئيس المؤقت بهيئة أو رئيس انتقالي يتوفر على توافقات سياسية وشعبية يقود البلاد لفترة انتقالية، طُرح في وقت سابق اسم وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الابراهيمي كمرشح شعبي لهذا المنصب.
ويدعم موقف المجلس الدستوري موقف الجيش الذي يرفع فيتو سياسياً ضد أي مقترح يتعلق بمرحلة انتقالية أو رئيس انتقالي، حيث أكد قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، في خطاب ألقاه الأربعاء الماضي في منطقة تمنراست جنوبي الجزائر، أن "أي حوار يجب أن يتم بعيدا عن المراحل الانتقالية".
مبادرة سياسية
وقدمت شخصيات سياسية وحقوقية وازنة وكتل ومرجعيات دينية سلسلة مبادرات دعت الجيش إلى التخلي عن بن صالح، والقبول ببدء مرحلة انتقالية، بينها مبادرة أحمد طالب الإبراهيمي، ومبادرة المرجعيات الدينية "علماء الجزائر"، ومبادرة الشخصيات الثلاث الإبراهيمي وأب الحركة الحقوقية علي يحيى عبد النور والجنرال رشيد بن يلس، والمبادرة الأخيرة التي نشرها السبت الناشط الحقوقي مقران آيت العربي.
ودعا الناشط الحقوقي البارز مقران آيت العربي، أمس السبت، إلى عقد ندوة وطنية "تشارك فيها كل أطياف الثورة الشعبية والمجتمع المدني خارج دواليب السلطة وزبائنها تبدو الأكثر مصداقية نظرا لشفافيتها، لاختيار ممثلي الحراك الشعبي، على أن يلي ذلك بدء مسار الانتقال من النظام التعسفي الذي يخدم جماعات المصالح إلى دولة القانون المبنية على أساس الديمقراطية الاجتماعية".
وقسم آيت العربي مسار الانتقال عبر طورين، "يتمثل الأول في رئاسة جماعية انتقالية، حيث يمكن للحوار بين ممثلي الحركة الشعبية والأحزاب والمجتمع المدني أن يفضي إلى تعيين رئاسة جماعية انتقالية تتشكل من ثلاث إلى خمس شخصيات مستقلة وتوافقية، معروفة بمصداقيتها ونزاهتها"، مشيرا إلى أنه "من حق الشعب أن يعبّر عن موافقته للتشكيلة الانتقالية المقترحة ببطاقة خضراء، أو رفضه لها ببطاقة حمراء، يستظهرها في المسيرات أيام الجمعة، وتكون هذه البطاقات بمثابة الاستفتاء".
وأوضح الناشط الحقوقي البارز أنه "في حالة رفض الشعب للتشكيلة المقترحة، يمكن اقتراح القائمة من جديد بتعديلها جزئيا أو كليا، مع الأخذ بعين الاعتبار الاعتراضات الموضوعية التي يعبّر عنها المواطنون. وعند استكمال الرئاسة الجماعية الانتقالية، وإضفاء الشعب للشرعية عليها بالموافقة، ستباشر وظائفها لمدة يتم الاتفاق حولها، بعد الاستقالة الفورية لرئيس الدولة بالنيابة والحكومة، وحلّ المجلس الدستوري والبرلمان بغرفتيه".
وتشير المبادرة السياسية إلى أن الرئاسة الجماعية الانتقالية المقترحة تقوم "بتعيين حكومة تتشكل من شخصيات مستقلة معترف بكفاءتها، وتكون مهمتها اتخاذ الإجراءات العاجلة لتقويم الاقتصاد الوطني، والإجراءات القضائية المناسبة لاسترجاع الأموال العمومية المنهوبة والأموال المحوّلة إلى الخارج بطرق غير شرعية، ومراجعة النصوص التشريعية المتعلقة بالانتخابات قصد ضمان انتخابات شفافة ونزيهة (للمجلس التأسيسي)، وتأسيس لجنة توافقية مستقلة لتنظيم الانتخابات ومراقبتها وإعلان نتائجها، تكون متمتعة بجميع صلاحيات وزارة الداخلية في هذا المجال".
وتشدد المبادرة على مقترح إنشاء "المجلس التأسيسي السيد" على شاكلة التجربة التونسية، "حيث سيتم انتخاب المجلس الوطني التأسيسي في أجل يتم تحديده. وبحكم سيادته المستمدة من الشرعية الشعبية، ستسند إلى هذا المجلس مهمة تعيين رئيس الدولة والحكومة لتسيير المرحلة الانتقالية، والمصادقة على بيان الحريات وحقوق المواطن (إعلان دستوري) تكون له قوة الدستور، ويفرض نفسه على الأغلبية الرئاسية والبرلمانية، وإعداد دستور والمصادقة عليه وعرضه على الاستفتاء الشعبي، وتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية وفقا للدستور الجديد".
وحذر القيادي السابق في حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية من أن "يجد الجيش نفسه في الصف الأول أمام الأحداث. وقد يدفع مرة أخرى، من طرف جماعات المصالح الخاصة، إلى مغامرة لا تحمد عقباها، بسبب فشل الطبقة السياسية حتى الآن في إيجاد حلول توافقية، وزخم الحركة الشعبية التي تطالب برحيل السلطة".
وأكد أنه "يتوجب على المؤسسة العسكرية العودة إلى مهمتها الأولى، ما سيشكل خلاصا للجيش نفسه وللأمة من الأزمة الحالية، وهي حماية التراب الوطني من الاعتداءات الخارجية".
ودعا آيت العربي السلطة إلى "اتخاذ إجراءات ملموسة، وأول هذه الإجراءات أن تتخلى عن استفزاز المتظاهرين بواسطة مصالح الأمن، وعن منع الجزائريين من الالتحاق بالعاصمة، التي أصبحت كل يوم جمعة مدينة ممنوعة على "الغرباء" في وطنهم، وعن تطويق الساحات العمومية، ومنع الندوات والنقاش، حتى أصبح فضاء التعبير يسوده جوّ من التوتر. وبعدها يمكن فتح النقاش بين القوى الفاعلة في المجتمع بدون إقصاء".
وانتقد مقران آيت العربي، وهو عضو سابق في مجلس الأمة، موقف السلطة الرافض للحل السياسي، مشيرا إلى أنه "رغم صوت الشعب الذي يدوّي كل جمعة في الشارع، ها هي السلطة تسدّ آذانها وتواصل سيرها نحو الهاوية. وأمام هذا المأزق الذي هو صنيعة تعنتها، كيف ستنظم انتخابات بدون تحديد أهداف واضحة، وبدون الشعب، ودون المرور على مرحلة انتقالية تسمح بتوفير الشروط الموضوعية لتفكيك هذا النظام بالوسائل السلمية"؟