أصيب عدد من الفلسطينيين، ظهر اليوم الجمعة، خلال اندلاع مواجهات عنيفة بين المواطنين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي في بلدة العيسوية شمال القدس المحتلة، بعد ليلة شهدت ارتقاء الشهيد محمد سمير عبيد من أبناء البلدة ومواجهات مع جنود الاحتلال، وصفت بأنها الأعنف منذ فترة طويلة.
وأفاد محمد أبو الحمص من لجنة المتابعة في بلدة العيسوية، والذي كان قد أصيب الليلة الماضية في اعتداء وحشي عليه داخل مشفى هداسا في القدس، حيث نقل الشهيد محمد سمير عبيد إلى هناك، بأن قرابة مئتي جندي اقتحموا البلدة بعد ظهر اليوم، من مدخليها، فيما تصدى لهم الشبان واشتبكوا معهم، بينما رد الجنود بإطلاق الرصاص المطاطي والغاز بكثافة، ما أوقع إصابات في صفوف المواطنين لم يتم حصرها حتى الآن، في حين رصدت بشكل مبدئي نحو خمس إصابات بالرصاص المطاطي.
وأشار أبو الحمص، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن جنود الاحتلال اقتحموا عدة بنايات في بلدة العيسوية وصعدوا إلى بعضها، بينما اعتدوا بالضرب على من صادفهم، فيما تغلق قوات الاحتلال مدخلي البلدة وتمنع حركة الانتقال عبرها.
وحول ما حدث داخل قسم الطوارئ في مستشفى هداسا، قال أبو الحمص: "حتى داخل مستشفياتهم لم يراعوا حرمتها وانقضوا علينا وعلى عائلة الشهيد بوحشيتهم وعنصريتهم التي لم تراع جريحا أو مكلوما مصابا من عدوانهم علينا".
على ذات الصعيد، أعاقت قوات الاحتلال المنتشرة على مداخل بلدة العيسوية عمل الطواقم الصحافية، متهمة إياها بدعم من سمتهم بـ"المخربين"، في إشارة إلى أهالي العيسوية المنتفضين ضد جرائم الاحتلال.
وفي هذا السياق، اعترضت شرطة الاحتلال الموجودة على أحد المداخل الصحافي رجائي الخطيب واتهمته بافتراء لا صحة له بأنه شكل خطراً على حياة أفرادها، وتم إطلاق سراحه بعد التوقيف والتحقيق معه وتغريمه بغرامة مالية ألف شيكل (ما يعادل نحو 270 دولاراً).
وتأتي هذه المواجهات والإجراءات في وقت لا تزال فيه سلطات الاحتلال تحتجز جثمان الشهيد عبيد، وأعلن المحامي محمد محمود في وقت سابق اليوم، أن قاضي محكمة الصلح الإسرائيلية لم يلزم شرطة الاحتلال بتسليم جثمان الشهيد عبيد، وأمهل شرطة الاحتلال 48 ساعة لتقرر ما إذا كانت تريد تسليم الجثمان من عدمه، مشيرا إلى أنه سيتوجه إلى المحكمة العليا للاحتلال للمطالبة بتسليم الجثمان.
وكان الشهيد عبيد قد أصيب بثلاث رصاصات عن مسافة تسعة أمتار أصابت إحداها قلبه، أطلقها أحد أفراد شرطة الاحتلال بينما كان بالإمكان اعتقاله، بحسب ما أفاد بذلك عضو لجنة المتابعة في بلدة العيسوية، هاني العيساوي، في حديثه لـ"العربي الجديد".
وأشار العيساوي إلى أن الشهيد عبيد هو أسير محرر وابن أسير محرر وشقيق أسيرة محررة، وكان قد أمضى في سجون الاحتلال مدة أربع سنوات.
ووصف العيساوي قتل الشهيد بأنه عملية "إعدام بدم بارد تثبت اتهامات الأهالي لقوات الاحتلال باستهدافهم اليومي من خلال حملات الدهم والاعتقال وهدم منازل المواطنين".
العيسوية "دائماً" في قلب الحدث
وتعليقاً على ما تشهده بلدة العيسوية، منذ الليلة الماضية، من مواجهات وارتقاء أحد أبنائها شهيداً، قال المحلل السياسي راسم عبيدات، في حديث لـ"العربي الجديد": "العيسوية دائماً كانت في قلب الحدث، وهي بكل مكوناتها ومركباتها الوطنية السياسية والمجتمعية والشعبية لم تنزل عن جبل أحد، ولسان حالها يقول هذا زمن المغارم لا زمن المغانم، ولذلك كانت دوماً عرضة لكل أشكال العقوبات من قبل أجهزة الاحتلال الأمنية والمدنية".
وتابع عبيدات القول "جيش وشرطة ومخابرات الاحتلال ينكلون بالمواطنين ويتفنون في قمعهم وإذلالهم، عدا العقوبات الجماعية، والإغلاقات المتكررة لمدخل البلدة بالمكعبات الإسمنتية، وعمليات الدهم والتفتيش والاعتقالات، ومنع أي نشاط أو فعالية مهما كبرت أو صغرت، حتى لو كانت مخيماً صيفياً وليس استقبال أسير محرر من سجون الاحتلال".
ويشير المحلل الفلسطيني إلى أن استهداف العيسوية يأتي كذلك من بلدية الاحتلال في القدس "والتي تكون حاضرة في مخالفات البناء وأوامر الهدم والقيام بعمليات الهدم لبيوت ومنشآت أهالي العيسوية وتجريف أرضهم، ومصادرة حتى حيواناتهم، بينما دائرة المعارف الإسرائيلية وبلدية الاحتلال لا توفران الغرف الصيفية لطلبة العيسوية، وتسعيان إلى أسرلة المنهاج الفلسطيني في مدارسها، والهدف واضح تطويع وصهر وعي طلبتها وتفريغهم من محتواهم الوطني والنضالي".
ويشدد عبيدات على أن العيسوية وجبل المكبر ومخيم شعفاط والبلدة القديمة وسلوان من أكثر الأحياء المقدسية التي تعرضت لعقوبات احتلالية جماعية، إذ يسعى الاحتلال إلى كسر إرادة سكانها وتحطيم معنوياتهم عبر أشكال عقابية متنوعة ومتعددة، وبسبب هذا الصداع الدائم من تلك البلدات والأحياء، طرح قادة أمنيون وعسكريون حاليون ومتقاعدون ووزراء وأعضاء كنيست فكرة الانفصال عن أحياء كالعيسوية وجبل المكبر ومخيم شعفاط وصورباهر، ووضعهم في "جيتوهات مغلقة، يتحكم الاحتلال في مداخلها ومخارجها".