لا تلوح في الأفق القريب بوادر تهدئة للتصعيد العسكري الكبير في شمال غربي سورية، حيث يواصل النظام، وحليفه الروسي، استهداف محافظة إدلب ومحيطها بغارات جوية وقصف مدفعي، في ظل العجز عن التقدم على الأرض بسبب المقاومة التي تبديها فصائل المعارضة السورية المسلحة، فيما يواصل النظام استفزاز الجانب التركي من خلال استهداف نقطة مراقبة في شمال حماة في محاولة لخلط الأوراق وجر الجيش التركي إلى مواجهة يحاول الأتراك تفاديها كما يبدو.
وواصلت قوات النظام التصعيد على محافظة إدلب ومحيطها، من خلال القصف الجوي والمدفعي، عقب عجزها عن التقدم برياً أمام تصدي فصائل المعارضة السورية لها في كل محاولة اقتحام جديدة. وشن الطيران الحربي التابع للنظام السوري، في وقت مبكر صباح أمس الأحد، غارتين بالصواريخ الفراغية على أطراف مدينة أريحا في ريف إدلب الجنوبي، تسببتا بأضرار مادية جسيمة في ممتلكات المدنيين، وفق ناشطين محليين. كما قُتل وأصيب عدد من المدنيين بغارات جوية روسية على قرية العامرية بريف إدلب الجنوبي. من جانبها، قصفت قوات المعارضة مواقع النظام في محاور الجلمة وكرناز والجديدة وبريديج والشيخ حديد، في حين تعرضت مواقع المعارضة في الجبين وتل ملح لقصف مدفعي وصاروخي مكثف من قوات النظام أسفر عن وقوع إصابات. إلى ذلك، ذكرت مصادر في فصائل المعارضة السورية المسلحة، لـ"العربي الجديد"، أن مقاتلي الفصائل استهدفوا بالصواريخ مجموعة من قوات النظام السوري على محور قرية كفرهود في ريف حماة الشمالي، كانت تحاول التسلل لزرع ألغام في المنطقة. في هذا الوقت، لا يزال المدنيون في شمال غربي يدفعون الثمن الكبير نتيجة التصعيد من قبل قوات النظام، في ظل انعدام الآمال بالتوصل لحلول بين الجانبين التركي والروسي تؤدي إلى وقف إطلاق نار. ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 532 مدنياً بالقصف الجوي والمدفعي من قبل النظام والروس في شمال غربي سورية منذ 30 إبريل/نيسان الماضي، وحتى 29 يونيو/حزيران الماضي، بينهم 132 طفلاً و105 امرأة.
بموازاة ذلك، لا تنقطع محاولات النظام السوري خلط أوراق الصراع من خلال تكرار استهداف نقطة المراقبة التركية في شير مغار بريف حماة الشمالي. وكانت قوات النظام المتمركزة في قرية الكريم استهدفت، مساء أول من أمس السبت، بقذائف المدفعية الثقيلة نقطة المراقبة التركية في شير مغار شمال غربي حماة، بالتزامن مع دخول رتل عسكري تركي إلى النقطة. وكانت قوات النظام قصفت نفس النقطة الخميس الماضي، ما أسفر عن مقتل جندي وإصابة آخرين تم نقلهم بواسطة طوافات تركية، وهو ما استدعى رداً عسكرياً تركياً للمرة الثانية، طاول مواقع لقوات النظام في ريف حماة الشمالي. وقالت وزارة الدفاع التركية، في بيان، إن قوات النظام قصفت مجدداً نقطة المراقبة العاشرة للجيش التركي في إدلب، مشيرة الى أن الهجوم تم وقفه سريعاً بعد تدخل فوري من قبل روسيا. وذكرت وزارة الدفاع التركية أن نقطة المراقبة تعرضت للاستهداف بـ 3 طلقات نارية "أطلقت من داخل أراضي سيطرة النظام السوري في منطقة إدلب لخفض التصعيد"، موضحة أن "الهجوم لم يسفر عن سقوط ضحايا بين الكوادر أو وقوع أي أضرار مادية". وقالت وزارة الدفاع التركية إن قواتها كانت مستعدة للرد على هذا القصف بشكل مناسب حال استمراره، مضيفة أنها تتابع هذا الوضع بدقة. واستهداف السبت هو الخامس الذي طاول النقطة المذكورة، إذ سبق لقوات النظام أن قصفت هذه النقطة في إبريل/نيسان، ومايو/أيار ويونيو/حزيران، في خضمّ تصعيد كبير بدأته وسيطرت من خلاله على نحو 18 بلدة وقرية وموقعاً، إلا أنها تعرضت بعد ذلك لخسائر فادحة في أكثر من هجوم معاكس قامت به فصائل المعارضة السورية.
ومن الواضح أن وزارة الدفاع التركية تحاول عدم الانجرار وراء استفزازات قوات النظام المتكررة، التي لم تكن لتحدث دون ضوء أخضر روسي، بهدف دفع أنقرة إلى تقديم تنازلات تتيح لقوات النظام البقاء في المواقع التي استولت عليها في مايو الماضي، أبرزها مدينة قلعة المضيق، وبلدة كفرنبودة، وقرى الجنابرة وتل هواش والجابرية والتوبة والشيخ إدريس والكركات والمستريحة والتوينة والشريعة وباب الطاقة والحويز والحمرا. ورفضت أنقرة أكثر من مرة طلباً روسياً بتعديل الخرائط المتفق عليها سابقاً، بحيث تبقى المناطق الجديدة التي سيطر عليها النظام تحت سلطته. وأصرت تركيا على انسحاب قوات النظام والمليشيات المساندة لها إلى النقاط المحددة وفق اتفاق خفض التصعيد الموقّع قبل نحو عامين.
وفي هذا الصدد، يرى العقيد مصطفى البكور، قائد العمليات في "جيش العزة" أبرز فصائل الجيش السوري الحر في ريف حماة الشمالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا يمكن للنظام أن يطلق طلقة بأي اتجاه من دون أوامر روسية"، مضيفاً "ومن ثم فإن استهداف النقطة التركية يحمل رسائل روسية للجانب التركي". وينشر الجيش التركي 12 نقطة مراقبة في محيط محافظة إدلب وفق تفاهمات أستانة وسوتشي، حيث تقع النقطة الأولى في قرية صلوة بريف إدلب الشمالي، والثانية في قلعة سمعان بريف حلب الغربي، والثالثة في جبل الشيخ عقيل بريف حلب الغربي. أمّا النقطة الرابعة ففي تلة العيس بريف حلب الجنوبي، والخامسة في تل الطوقان بريف إدلب الشرقي، والسادسة قرب بلدة الصرمان بريف إدلب الجنوبي. وتأتي النقطة السابعة في جبل عندان بريف حلب الشمالي، والثامنة في الزيتونة في جبل التركمان، والتاسعة في مورك بريف حماة الشمالي. وتقع النقطة العاشرة في الراشدين الجنوبية بريف حلب الغربي، والحادية عشرة في شير مغار بريف حماة الغربي، والأخيرة في جبل اشتبرق بريف إدلب الغربي. ورغم التصعيد الذي حوّل شمال غربي سورية إلى ميدان معارك واشتباكات شبه يومية، لا يزال الجانبان التركي والروسي متمسكين باتفاق سوتشي المبرم بينهما في سبتمبر/أيلول الماضي.