يدخل السباق على زعامة حزب المحافظين في بريطانيا مراحله النهائية، مع بدء أعضاء الحزب التصويت عبر البريد لاختيار مرشحهم الأفضل لخلافة تيريزا ماي على رأس الحزب والحكومة البريطانية. وعلى الرغم من أن المنافسة تنحصر بين وزير الخارجية الحالي جيريمي هنت، والسابق بوريس جونسون، إلا أن الأغلبية ترى في الأخير رئيس الوزراء المقبل في بريطانيا.
وكان المنتسبون للحزب الحاكم في بريطانيا قد تسلموا بطاقات الاقتراع البريدية خلال الأيام القليلة الماضية، ليباشروا التصويت لصالح أحد المرشحين حتى الإثنين 22 يوليو/تموز الحالي، ليتم في اليوم التالي الإعلان رسمياً عن الفائز، الذي سيتسلم مهامه رسمياً من تيريزا ماي في 24 يوليو. وعلى الرغم من بقاء نحو عشرة أيام أمام جونسون وهنت لإقناع المنتسبين للحزب بالتصويت لأحدهما، بما في ذلك مناظرة تلفزيونية مرتقبة على شاشة "بي بي سي" في 16 الشهر الحالي، إلا أنه من الممكن جداً أن تدلي الأغلبية بأصواتها خلال الأسبوع الحالي. ويقدّم جونسون نفسه على أنه منقذ حزب المحافظين من الضرر الذي لحق به في السنوات الثلاث الماضية، مؤكداً أنه من أشد المدافعين عن قرار الشعب البريطاني بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وأنه استقال من حكومة ماي عندما رأى أنها تبتعد عن بريكست الذي يلبي رغبات البريطانيين، أو ربما ناخبي الحزب، وبذلك فإنه يسعى لوقف نزيف الدعم الذي يعاني منه المحافظون لصالح حزب بريكست، والذي يطالب ببريكست من دون اتفاق. ويصر جونسون على استعداده للخروج ببريطانيا من الاتحاد الأوروبي نهاية أكتوبر/تشرين الأول المقبل باتفاق أو من دونه، على الرغم من قوله بأنه سيسعى للاتفاق أولاً.
وتتركز نقطة الخلاف الرئيسية حول بريكست في خطة المساندة الإيرلندية، والتي تهدف إلى منع وجود نقاط تفتيش حدودية، وما يرافقها من بنية تحتية، بين إيرلندا الشمالية والجمهورية الإيرلندية. ويعتقد جونسون أن التقنيات الحديثة يمكن أن تشكل حلاً لهذه المعضلة التي أطاحت بتيريزا ماي من رئاسة الحزب والحكومة، وذلك على الرغم من رفض الاتحاد الأوروبي المسبق لهذا المقترح. ويعتقد عدد من المحللين أن مثل هذه التقنيات لن تحل المشكلة، بل ستنقل نقاط التفتيش بعيداً عن الحدود فقط.
أما جيريمي هنت فيدرك أن لا قدرة له على منافسة جونسون على أصوات متشددي بريكست، ولذلك قدّم نفسه على أنه مرشح جدي، يدرك تبعات أقواله وسياساته، والضرر الذي قد يلحقه بريكست من دون اتفاق على بريطانيا، في محاولة لاستمالة وسط الحزب. وشدد هنت على أنه سيسعى جاهداً للتوصل إلى تعديلات جديدة وجدية على اتفاق بريكست، بناءً على العلاقات الطيبة التي يعتقد أنه يمتلكها مع الجانب الأوروبي، بخلاف جونسون. وأعلن أنه مستعد لتأجيل بريكست في حال كانت هناك صفقة جديدة في الأفق، لكنه وضع موعد 30 سبتمبر/أيلول كموعد نهائي لهذا الاتفاق. إلا أنه أكد أيضاً أنه ليس أقل صرامة من جونسون عندما يبدي استعداده لعدم الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من مركزية بريكست في المنافسة الحالية، إلا أن المرشحَين تقدما بعدد من البرامج الأخرى التي تشمل سياسات اقتصادية واجتماعية، تغطي التعليم والمدارس والإسكان والدفاع وغيرها، على أمل التأثير في مسار السباق إلى 10 داوننغ ستريت. وفي الجانب الاقتصادي، تعهّد جونسون بالتخلي عن سياسات التقشف التي تلتزم بها الحكومات المحافظة منذ وصولها إلى السلطة في العام 2010 بهدف السيطرة على الدين الحكومي بعيد الأزمة المالية في 2008. ويعد جونسون بتطوير البنية التحتية، مثل بناء جسر يربط بين الجزيرة البريطانية وإيرلندا الشمالية. كما تعهد بتمديد خطوط الإنترنت ذات النطاق العريض إلى الريف البريطاني، إضافة إلى استدانة أموال لمشاريع "عظيمة" أخرى. كما وعد برفع الحد الأدنى للضريبة على ذوي الدخل العالي من 50 ألف جنيه (62700 دولار) سنوياً إلى 80 ألفاً، فيما اعتبره العديدون رشوة لأعضاء المحافظين.
أما هنت فتعهد، بشكل رئيس، بتخفيض الضريبة على الشركات من 19 في المائة إلى المستوى الإيرلندي عند 12.5 في المائة، بالإضافة إلى وعود بتطوير البنية التحتية في الشمال البريطاني، وتخفيض الضرائب. إلا أن معهد الدراسات المالية وجّه انتقادات حادة لكلا المرشحين بأن وعود الإنفاق التي تقدما بها ستلحق ضرراً كبيراً بالخزينة البريطانية. فبينما يقدّر المعهد أن العائدات الضريبية ستفقد 20 مليار جنيه سنوياً وفقاً لتعهدات جونسون، فإنه يشير إلى خسارة قيمتها 13 مليار جنيه سنوياً وفقاً لتعهدات هنت. وفيما يتعلق بسياسات الهجرة، تعهد جونسون بتطبيق نظام الهجرة الأسترالي المبني على النقاط، حيث يجمع المهاجرون نقاطاً من خلال الحصول على عرض عمل، ومهارتهم في اللغة الإنكليزية، وأعمارهم، بالإضافة إلى أمور أخرى. ولم يلتزم جونسون بأية أرقام إجمالية لأعداد المهاجرين، إلا أنه أعرب عن استعداد بريطانيا لاستقبال العمالة الماهرة المهاجرة. أما منافسه هنت، فتعهد بالتخلي كلياً عن تحديد سقف لصافي أعداد المهاجرين، وهي سياسة اتبعها حزب المحافظين منذ 2010، عندما تعهد بتخفيض أعدادهم إلى ما دون 100 ألف سنوياً.
وفي المجالات الأخرى، تعهد جونسون بالمزيد من الإنفاق على المدارس الحكومية ورفع مستوى تمويل الشرطة البريطانية لتعود أعدادها إلى ما كانت عليه قبل سياسات التقشف، والسماح بالمزيد من سلطات التفتيش العشوائي بهدف الحد من مستويات الجريمة في الشوارع البريطانية، خصوصاً في العاصمة لندن. أما هنت فركز على القطاع الصحي، نظراً لكونه خدم وزيراً للصحة لست سنوات، متعهداً بتخفيض الضرائب على العائلات التي تعتني بالمسنين من أقربائها وتطوير الخدمات الصحية بشكل عام. كما تعهد أيضاً بمسح الدين الطلابي للطلاب الذي يتجهون للاستثمار بعد تخرجهم، وتوظيف عشرة أشخاص لمدة خمس سنوات. كما وعد برفع ميزانية الدفاع من 2 في المائة حالياً إلى 2.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بحلول 2024، وهو ما سيكلف الخزينة البريطانية 15 مليار جنيه إضافية.
وكما هو الحال في الحملات الانتخابية، يطلق المرشحون وعوداً في كل الاتجاهات لاستمالة الناخبين. وفي هذه الحالة فإن المنافسة تنحصر على أصوات 160 ألف بريطاني فقط ينتمون لشريحة عمرية وسطها 57 عاماً، وتقطن بمعظمها الجنوب البريطاني، ويشكل الذكور 70 في المائة منها. وتمتاز أيضاً بالتوجه الاجتماعي المحافظ، والعداء للاتحاد الأوروبي، وتمنيات بعودة زمن قديم عندما انتصرت بريطانيا فيه على "قوى الشر الدكتاتورية" في أوروبا في الحرب العالمية الثانية. وهو ما دفع هنت أيضاً إلى مداعبة عواطفهم، عندما طالب بخفض حد الإجهاض من 24 أسبوعاً إلى 12، والتعهد بصياغة سياسات تضع حداً لكراهية المسيحية، شبيهة بتلك الخاصة بالعداء للسامية أو كراهية الإسلام، بل وحتى فرض عقوبات على الدول التي تضطهد المسيحيين.
إلا أن الاستحقاق الرئيسي سيكون بعد وصول الزعيم الجديد للحزب لرئاسة الوزراء. فمع ازدياد المخاوف من بريكست من دون اتفاق، تبلورت في الأسابيع الماضية كتلة برلمانية من الأحزاب المعارضة، إلى جانب نحو 30 من نواب حزب المحافظين، ممن يستعدون لوقف مثل هذا السيناريو. وقال النائب عن المحافظين والوزير السابق سام غيما إن الكتلة الجديدة تنظر في الخيارات المتاحة في البرلمان لتجنب بريكست من دون اتفاق ومنع رئيس الوزراء المقبل من تعليق عمل البرلمان، لتجنب المعارضة البرلمانية. وهو ما أكده باري غاردنر، المقرب من زعيم العمال جيريمي كوربن. وبالتأكيد سيتجه رئيس الوزراء المقبل، خصوصاً بوريس جونسون إذا فاز، إلى صدام مع البرلمان البريطاني الذي صوّت في مراحل سابقة ضد بريكست من دون اتفاق. بل إن عدداً من نواب حزبه تعهدوا بالانضمام إلى المعارضة في تصويت بسحب الثقة من حكومته لتجنب الآثار الكارثية لعدم الاتفاق. وفي حال التوجّه نحو هذا السيناريو، سيتوجب على زعيم المحافظين الجديد صياغة خطاب يتعامل مع الشارع البريطاني الأوسع لكسب انتخابات عامة تجاوزت نظام الحزبين الرئيسيين التقليدي، وستشمل إلى جانب المحافظين والعمال كلاً من الديمقراطيين الليبراليين وحزب بريكست وحزب الخضر.