واتهم جونسون بـ"التضحية" بداروك خلال المناظرة التي جرت بينه وبين منافسه على رئاسة الوزراء جيريمي هنت، أول من أمس الثلاثاء، إذ تشير تقارير إلى أنّ السفير البريطاني حسم أمره بالاستقالة من منصبه بعد انتهاء المناظرة التلفزيونية.
وتسبب موقف جونسون، والذي يعد المرشح الأوفر حظاً لخلافة تيريزا ماي في 10 داوننغ ستريت، بصدمة في الوسط الدبلوماسي البريطاني. فالسفير البريطاني لم يرتكب أي خطأ في مراسلاته، حيث يقتضي عمله إرسال تقارير دورية إلى وزارة الخارجية يطلعها فيها على تقييمه للوضع في الدولة التي يمارس مهامه فيها، وهو ما يقتضي عملياً الحفاظ على سرية هذه المراسلات.
ونتج عن هذه الصدمة أيضاً إحراج لرئيسة الوزراء ماي والتي يبدو أنه قد تم تهميشها كلياً في إطار هذه الأزمة، حتى أن مطالب من قيادات حزبها تحثها على عدم تسمية بديل لداروك، والإبقاء على هذه المهمة لرئيس الوزراء المقبل.
وبينما ترغب ماي في أن تكون تسمية سفير جديد في واشنطن إرثاً سياسياً في أيامها الأخيرة في منصبها، يعتقد أن جونسون سيقوم بإجراء تبديلات في السفارة البريطانية في واشنطن بما يرضي دونالد ترامب، في حال فوزه بانتخابات حزب المحافظين الجارية حالياً.
إلا أن ميول جونسون لإرضاء ترامب في هذه الأزمة الدبلوماسية دفع عدداً من السياسيين البريطانيين لتوجيه انتقادات مباشرة، إذ تساءل رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان البريطاني طوم توغندات "إن لم تدعم الأفراد الذين تضعهم في مواقف صعبة، ماذا تنتظر أن يحدث؟".
أما تيريزا ماي فقالت أمام البرلمان البريطاني، أمس الأربعاء، "آمل أن يفكر هذا المجلس ملياً بضرورة الدفاع عن قيمنا ومبادئنا، وخاصة عندما تكون مهددة".
إلا أنه وعند سؤال جونسون عن سبب عدم دعمه لسفير بلاده، رفض هذه الاتهامات وقال "من الخطأ جر الدبلوماسيين إلى حلبة النقاشات العامة".
وبالفعل فإن هذا التسريب أدى إلى لجنة للتحقيق فيه وهوية الشخص الذي سرب هذه الوثائق. وقال سيمون مكدونالد يوم أمس أمام البرلمانيين "سنلاحق الشخص الذي قام بالتسريب بكل ما نمتلك من إمكانيات. إن المسرب مذنب بأسوأ خرق للثقة في عملنا منذ بدء مزاولتي للمهنة".
ودفعت الأزمة الدبلوماسية إلى الاستفهام عن طبيعة العلاقة الخاصة بين بريطانيا والولايات المتحدة. فالبعض يرى في استقالة داروك إشارة إلى مستقبل تخضع فيه بريطانيا كلياً للولايات المتحدة، وخاصة بعد تخليها عن أوراق قوتها الأوروبية.
فنظراً للمسار الإديولوجي الذي يسير فيه متشددو "بريكست" في حزب المحافظين، والذين يمثلهم بوريس جونسون، يصطف منظرو مشروع "الاستقلال البريطاني" في معسكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ونظراً لضعف موقفهم، فإن هذا الاصطفاف غير مشروط، لدرجة تفضيل إرضاء إدارة ترامب على حماية السفير من فورات غضب الرئيس الأميركي على "تويتر".
ويدفع ذلك إلى التساؤل عن طبيعة دور بريطانيا في مرحلة ما بعد "بريكست"، خاصة في ظل حكومة يرأسها بوريس جونسون. فجونسون يعول على صفقة تجارة حرة مع الولايات المتحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لتكون "الجائزة الكبرى" من "بريكست". وفي مواجهة الطريقة التي يدير بها ترامب سياسة بلاده الخارجية، فإن غضبه يعني خسارة فريق جونسون لما يتخيلونه مستقبلاً أفضل خارج الاتحاد الأوروبي.
بل كانت الصحافة البريطانية قد أشارت إلى أن الصحفية التي نشرت الوثيقة المسربة في "ميل اون صنداي"، منذ أيام، تربطها علاقات وثيقة بمعسكر "بريكست"، وهو ما يدفع للتساؤل إن كان الهدف وراء الدفع باستقالة داروك مرتبطاً بموقفه من المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة بعد "بريكست".