واعتبرت "إنفارماسيون"، في قراءة للكاتب والمراسل المتخصص في شؤون المنطقة العربية لاسا إلغورد، أن "ما يجري ليس إصلاحا، بقدر ما هو تكيّف مع تغيّرات في ظروف الإنتاج الحديثة".
ورأت الصحيفة في مقدمة أنه "عادة يمكنك التعرف على الدول الديكتاتورية من تصدر أخبار الحكم التافهة لأغلفة الصحف، وتصدرها الأخبار التلفزيونية بمصافحات لا معنى لها لزائر دبلوماسي، فهذه الظاهرة منتشرة في الشرق الأوسط، والقراء، الذين سافروا إلى مصر وتركيا خلال السنوات العشر الأخيرة، كان بإمكانهم ملاحظة كيف قامت وسائل الإعلام بتغيير الأولويات من أخبار عامة إلى عبادة شخصيات الرؤساء، بينهم عبد الفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان".
وذكرت الصحيفة أن مسار الانزلاق الجاري هو "الانتقال من نصف ديمقراطية إلى مسار نحو حكم استبداد الفرد الواحد، مع إظهار ضحك وابتسامة تسامح، رغم أنه لا شيء يدعو إلى الابتسام والضحك".
وأكدت "إنفارماسيون" بشأن الواقع السعودي اليوم بأنه "ثمة ميل لمنح حكم الاستبداد والطغيان (أطلقت عليه despoten، وهو ما يسمونه اليوم في السعودية الحزم) هالة من ذكاء وحكمة تثير في المقابل الكثير من السخرية".
ومضت الصحيفة في شرح ما يجري وعلاقته بالغرب بالقول: "ليس من الغريب في الواقع أن الإعلام والسياسيين في أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والدنمارك رأوا، من خلال مسطرة قياسهم، أن ولي العهد محمد بن سلمان (إصلاحي)، وبالأخص حين سمح بـ(مرسوم ملكي) للمرأة بالحصول على جواز سفر، مع ما يعنيه من إمكانية سفرها بدون إشراف وصي ذكر، قد يكون الأب أو الزوج أو الأخ والعم وأبناء العم، وحتى الابن!".
وقالت "إنفارماسيون" عن استراتيجية تسويق بن سلمان لنفسه إنه "جرى إشاعة لقب لإثارة الإعجاب (MbS) لولي عهد ظلامي كنغمة تودّد حين أصدر قبل عام قرارا يسمح للمرأة بقيادة السيارة! فالإصلاح المشار إليه جرى نشره بعد أسابيع قليلة من اعتقال ناشطات قمن بنشر مدوّنات يناضلن من أجل حقهن في قيادة السيارة، وثلاث منهن ما زلن يقبعن في سجون بن سلمان، ويتعرضن للتعذيب والتحرش والمضايقات الجنسية والتهديد بالاغتصاب، والتوعّد بأحكام إعدام".
وفي السياق المستهجن لما يُسمى "إصلاحات"، شددت الصحيفة على أن "هذه (المراسيم الملكية) ليست إصلاحات، بقدر ما هي تسويات وتكيّف، فقد استوعب ولي العهد السعودي أن النفط سيصبح من الماضي في المستقبل المنظور، وأن الاقتصاد السعودي وجب تحويله إلى نوع آخر من الإنتاج وفق شروط السوق، من أجل البقاء على قيد الحياة (أو النجاة)، فالمملكة تعاني أصلا من تفشي البطالة بين الشباب، وبن سلمان وعد، خلال إطلاق ما يسمى (رؤية 2030)، بأن ينهي البطالة من خلال المشروع".
وأوضحت: "الحديث يجري عن خصخصة شركات الدولة، بل الأصح الشركات الملكية، لبناء قطاع تجارة حرة تتخذ من سنغافورة نموذجا، وطموحات مشاريع طاقة بالتعاون مع الصين".
وأشارت "إنفارماسيون" إلى أن هذه التحولات "تحتاج لنساء ماهرات بمؤهلات للاندماج في سوق العمل، حيث لا يشارك من نساء السعودية في العمل سوى 4 في المائة، وعليه يستحيل خروجهن إلى السوق بوجود حراسة (وصي)، وهو ما يعني استحالة هيكلية".
قائمة من المشاكل
ورأت الصحيفة أن طموحات "رؤية 2030" لا يمكن تحقيقها، فـ"ثمة مصاعب حقيقية في التعاون"، واستدلت بـ"صعوبات التعاون بين شركات الاستشارات الإدارية الأميركية والمكاتب والسلطات المحلية، والتي تتناقض مع رؤية ولي العهد، وتجعلها بطيئة، وهو أمر عادي كظاهرة عربية عامة في التخطيط. أضف إلى ذلك، فإن طموح التعاون مع الصين بشأن الطاقة الشمسية يصطدم اليوم بحرب (الرئيس الأميركي) دونالد ترامب مع الصينيين".
وأضافت في السياق ذاته، أن قائمة طويلة من المشاكل تنتظر بن سلمان، فـ"الحرب ضد الحوثيين في اليمن تدخل عامها الخامس دون أفق لحل، بل على العكس فإن الاستمرار في الحرب أصبح لمصلحة الحوثيين".
وأشارت أيضا إلى أن "الإمارات، التي شاركت السعوديين بقوات في اليمن، تنسحب منه، ما يجعل الرياض تتحمل أكثر عبء في الحرب، وهو ما يفسر استقدام 500 جندي أميركي إلى السعودية. وهؤلاء (الجنود) لا أحد يعلم مهامهم، وما إذا كانت مجرد إشارة لإيران أن الأميركيين يوسعون وجودهم العسكري".
ولفتت "إنفارماسيون" إلى أنه "داخليا يبدو أن محمد بن سلمان يعدّ نفسه بتمركز القوات الأميركية قرب الرياض لمشاكل أخرى. وقد تتسبب عودة القوات الأميركية في مشكلة حقيقية له مع أعدائه في الأسرة الملكية، ومع الوهابيين والأصوليين المتشددين، الذين لا يظهرون أيضا ارتياحا ولا حماسة للتكيّف الخاص بالمرأة وحرية السفر، ويمكن أن يثير كل هؤلاء جلبة أكبر بعد وصول القوات الأميركية".
وختمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول "رغم أن ولي العهد فقط في الثالثة والثلاثين من العمر، فلربما يعرف جيدا أن الوجود الأميركي في الأراضي السعودية المقدسة، التي تضم مكة المكرمة وقبر النبي محمد، كان السبب الرئيس في تأسيس أسامة بن لادن تنظيم (القاعدة). للأسف".