وهذه الإشارة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة إلى مرجعية تشكيل اللجنة، أي القرار 2254 وليس "مؤتمر الحوار الوطني" الذي عُقد في مدينة سوتشي الروسية برعاية موسكو مطلع العام الماضي، هو ما تعوّل عليه بعض أطراف المعارضة السورية بأن يكون تشكيل اللجنة منطلقاً لانتقال سياسي حقيقي بناء على مبادئ جنيف، وليس رغبات روسيا، أو حتى الدول الضامنة لمسار أستانة، روسيا وإيران وتركيا. وفي الإطار ذاته، جاء الحرص على ضرورة أن يصدر إعلان تشكيل اللجنة عن الأمم المتحدة، وليس عن القمة الثلاثية التي عقدت في أنقرة أخيراً وجمعت رؤساء روسيا وتركيا وإيران، على الرغم من أن أسماء أعضاء اللجنة كانت جاهزة منذ ذلك الحين، بهدف التأكيد على مسار جنيف ومرجعية القرار 2254.
غير أنّ هذه الآمال دونها عقبات كثيرة، قد تفضي في النهاية إلى جعل هذه العملية مجرد مضيعة للوقت مع احتفاظ ثلاثي روسيا والنظام وإيران بقدرته على اصطناع العراقيل أمام اللجنة والمسار السياسي بشكل عام، بسبب إداركه أن أي مسار سياسي حقيقي ترعاه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بعيداً عن الهيمنة الروسية، لا بد أن ينتهي بتغيير النظام الذي يحكم منذ نحو عشرين عاماً، وبات متورطاً بجرائم حرب ضدّ السوريين، وفق شهادات منظمات تابعة للأمم المتحدة وأخرى حقوقية متخصصة.
ومن المتوقع أن يقدم بيدرسن إحاطة شاملة عن عمل اللجنة الدستورية والقواعد الإجرائية الناظمة لذلك، في جلسة لمجلس الأمن في 30 سبتمبر/أيلول الحالي.
مهمة اللجنة
حسب بيان غوتيريس الصادر أول من أمس، فإنّ مهمة اللجنة ستكون "إعادة صياغة الدستور السوري ضمن عملية انتقال سياسي"، مشدداً على دور الأمم المتحدة في "جمع الطرفين للدخول في مفاوضات، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف أممي، بهدف إجراء تحول سياسي".
ووفق التفسيرات التي قدمها بعض المتخصصين، فإنّ اللجنة الدستورية سوف تقوم بمراجعة الدستور الذي وضعه النظام عام 2012، إضافة لمراجعة الدساتير السابقة بما فيها دستور 1950. وبناءً على ذلك، ستقوم إما بتعديل دستور عام 2012 المعمول به حالياً من جانب النظام السوري، أو صياغة دستور جديد، على أن تعرض نتائج عملها على استفتاء عام.
وظهر الخلاف على طبيعة مهمة اللجنة الدستورية خلال المشاورات السابقة التي أجراها بيدرسن، وسلفه ستيفان دي ميستورا، إذ أصرّ النظام السوري على ألا تتعدى مهمتها إجراء تعديلات على الدستور الحالي في حال كان هناك حاجة لذلك، بينما تسعى المعارضة إلى وضع دستور جديد للبلاد، لأن الدستور الحالي مفصل من وجهة نظرها على مقاس النظام، ويمنح رئيسه بشار الأسد صلاحيات واسعة وشبه مطلقة.
وتتخوّف بعض أوساط المعارضة السورية من أن هذه اللجنة لن تفضي، في ظلّ إمساك حلف روسيا والنظام وإيران بزمام الأمور في سورية، إلى حلّ سياسي حقيقي، بل ستؤدي إلى وأد طموحات السوريين بالتغيير، وفي أحسن الأحوال ستكون خدعة وملهاة لهم لردح من الزمن.
وفي هذا الإطار، اعتبر المعارض السوري، عضو "هيئة التفاوض السورية" سابقاً، محمد صبرا، أنّ المشكلة ليست بالأسماء ولا الحصص ولا رئاسة اللجنة، بل "في الإطار الإجرائي الذي ستعمل فيه، والآلية القانونية التي ستنقل عملها من حيز السكون إلى حيز الفعالية، أي في تحويل مخرجات اللجنة إلى مؤسسة قانونية ملزمة للأطراف".
وأضاف صبرا في منشور له على حسابه بموقع "فيسبوك"، أنّ "المشكلة ليست في الاستفتاء، بل في آلية الاستفتاء"، واستند بذلك إلى أنّ اللجنة الدستورية بحد ذاتها هي مخالفة جوهرية للقرار 2254 الذي يعتبر أساس العملية السياسية. وينص القرار 2254 على أن هدف العملية السياسية هو تطبيق بيان جنيف لعام 2012، وبحسب المعارض السوري وُضعت لذلك خطة عمل تقوم على مفاوضات لمدة ستة أشهر يكون هدفها الوحيد هو تشكيل هيئة حكم انتقالي شامل وغير طائفي تتولى كل السلطات التنفيذية في الدولة، وتكون مهمتها الوحيدة بعد ذلك هي وضع دستور جديد للبلاد وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية بموجب الدستور الجديد خلال 18 شهراً.
ورأى صبرا أنّ "الذهاب إلى خيار اللجنة الدستورية يعني التخلي عن بيان جنيف وعن المرحلة الانتقالية التي تديرها هيئة الحكم الانتقالي، كما يعني الموافقة على أن بشار الأسد هو من سيضع قطار الحل السياسي على السكة عبر الآلية القانونية لإقرار عمل اللجنة الدستورية، وهذا يعني الاعتراف بشرعية الأسد وربما لاحقاً بحقه في الدخول في الانتخابات المقبلة".
ووفقاً لصبرا فإنّ ذهاب مخرجات اللجنة للاستفتاء يعني أنها ستقدم "مجرد مشروع دستور أو توصيات بتعديلات دستورية، ولن تكون هناك كتابة لدستور ناجز وملزم، وهذا المشروع لن يكون مصادقاً عليه من الأمم المتحدة. وعلى هذا، فإنّ اللجنة الدستورية لا تستطيع أن تدعو هي للاستفتاء على الدستور، بل لا بدّ من العودة إلى دستور بشار الأسد الحالي لتنظيم هذه العملية، باعتبار أن مخرجات اللجنة مجرد مشروع يحتاج لإقراره من قبل الشعب".
ويسعى النظام لأن تتخذ قرارات اللجنة كتوصيات يتم تمريرها والموافقة عليها من قبل "مجلس الشعب" أو البرلمان الحالي لدى النظام، في حين تريد المعارضة أن تكون قرارات اللجنة نافذة وملزمة للأطراف، بحيث يتم اعتمادها أممياً كمسودة لدستور جديد للبلاد.
وأوضح صبرا أنه ورد في المادة 116 من دستور 2012 أنه "يحق لرئيس الجمهورية أن يستفتي الشعب في القضايا المهمة التي تتصل بمصالح البلاد العليا، وتكون نتيجة الاستفتاء ملزمة ونافذة منذ تاريخ إعلانها، وينشرها رئيس الجمهورية". وبحسب صبرا "لا يوجد في كل دستور بشار الأسد آلية أخرى لإجراء الاستفتاء"، معتبراً أنه و"بمجرد صدور مرسوم من قبل رئيس النظام بإجراء الاستفتاء يعني تشريعاً لكل مرحلته، وكل ما قام به خلال السنوات الماضية".
وتضم الهيئة الموسعة للجنة الدستورية 150 عضواً؛ 50 منهم من النظام السوري و50 من المعارضة و50 من المجتمع المدني، على أن تكون هناك لجنة مصغرة تضم 45 عضواً موزعة بين الأطراف الثلاثة السابقة بالتساوي، تقوم بإعداد وصياغة المقترحات وتقوم الهيئة الموسعة بإقرارها. لكن يمكن عقد الهيئة الموسعة بشكل دوري أو موازٍ في الوقت الذي تواصل فيه الهيئة المصغرة أعمالها، وذلك لمناقشة وإقرار المقترحات.
وسيحكم عمل اللجنة "التوافق"، أو التصويت بـ 75 في المائة أي ضرورة موافقة 113 من أعضاء اللجنة على أي قرار قبل أن يكون نافذاً. وبالنسبة للجنة المصغرة، فإن نسبة 75 في المائة تعني ضرورة الحصول على موافقة 34 عضواً من أصل 45، من أجل إقرار أي أمر إشكالي، وهو ما قد يعرقل أي قرار.
الأسماء
ويدور لغط كبير في الشارع السوري حول طبيعة الأسماء المشكّلة للجنة الدستورية، ومدى أهلية أصحابها للقيام بمثل هذا العمل، خصوصاً أنّ اختيارهم خضع لكثير من المساومات بين الأطراف المحلية والدول الراعية لمسار أستانة، والأمم المتحدة.
ويرى متابعون أنه باستثناء بعض الأسماء المتخصصة، فإنّ غالبية أعضاء اللجنة غير مؤهلين لكتابة دساتير، خصوصاً أنّهم منبثقون عن تكتلات سياسية محسوبة ضمن استقطابات الولاء الإقليمية. كما يلاحظ رجحان كفة النظام في تشكيل اللجنة، إذ يحظى إضافة إلى حصته المتمثلة بخمسين عضواً، بنفوذ على ثلث الأعضاء الذين تعينهم الأمم المتحدة، فضلاً عن قرب بعض الأعضاء المحسوبين على المعارضة من أطروحاته. وهو ما أكّده المعارض محمد صبرا في حديث مع "العربي الجديد"، قائلاً إنّ "معظم أعضاء اللجنة غير مؤهلين لكتابة دستور"، معتبراً أنّ "كتابة الدستور ليست عملية فنية، بل هي توافقات مجتمعية تأتي بعد حوار معمّق بين شرائح المجتمع لتتفق على صياغة عقد اجتماعي يحدد شكل الاجتماع السياسي وآلية توزيع الثروة والسلطة والضمانات الواجبة لذلك".
ورأى صبرا أنّ "الموجودين لا يمثلون حتى أنفسهم، بل يمثلون الجهات التي سمتهم؛ أي مخابرات النظام ومخابرات روسيا وتركيا بشكل أساسي مع بعض المشاركة من أجهزة مخابرات إقليمية أخرى".
ويؤخذ على اللجنة تغييب المشاركة الكردية في عضويتها، بناء على ما يبدو إلى ضغوط مارستها كل من تركيا وإيران في هذا الشأن. وقد أعلنت "الإدارة الذاتية الكردية" رفضها للدستور السوري المنتظر إذا لم تكن هي مشاركة في صياغته.