وصف خبير الأراضي والاستيطان خليل تفكجي ما تضمنته "صفقة القرن" بشأن المستوطنات والقدس بأنها عملية دمج بين خطتي عضو الكنيست الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان حول تبادل السكان بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وخطة الوزير الإسرائيلي الأسبق يغئال ألون والخاصة بضم الأغوار إلى حدود الدولة العبرية.
وقال تفكجي في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إنه "من الواضح أن ما تتضمنه صفقة القرن بشأن المستوطنات والقدس يشكل ترجمة حرفية لخطتي ليبرمان وألون اللتين تجاهلتهما الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ورفضت المصادقة عليهما رسمياً، لكن هذه الحكومات نفذتهما واقعاً على الأرض".
وأشار تفكجي، إلى أن أعضاء كنيست من أحزاب ائتلاف حكومة اليمين الإسرائيلية كانوا قد قدموا مؤخراً مشاريع قوانين تهدف إلى ضم مناطق واسعة في الضفة الغربية إلى إسرائيل، وفرض "السيادة الإسرائيلية عليها"، في حين عبّر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو خلال مؤتمره الصحافي في سبتمبر/أيلول الماضي، عن سعيه لفرض سيادة إسرائيل على غور الأردن وشمال البحر الميت، كما أعلنت كتلة كاحول لافان برئاسة "بيني غانتس" رداً على إعلان نتنياهو أن غور الأردن جزء من دولة إسرائيل إلى الأبد.
وأضاف: "في خطوة نحو الضم أعلن وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي (نفتالي بينيت) هو الآخر، عن ضم مناطق في الضفة الغربية المحتلة وبشكل فعلي من خلال خطوات تتنافى مع القانون والمواثيق الدولية، حيث أوعز بدراسة تسجيل الأراضي في الضفة الغربية المنطقة (C) في سجل الأراضي في وزارة القضاء الإسرائيلية بدلاً من تسجيلها في (الإدارة المدنية الإسرائيلية)، وفي نفس الوقت وضعت الحكومة الإسرائيلية بنداً يتعلق بالرقابة القانونية على نقل الأموال لصالح المستعمرات الإسرائيلية غير القانونية، كما شرعت الحكومة بشق المزيد من الشوارع الالتفافية، والتي تمت المصادقة عليها وإعلانها عام 1983 ضمن الأمر العسكري رقم (50) للطرق".
وتابع الخبير الفلسطيني في هذا السياق "هذه الطرق هدفها ربط مناطق المستعمرات الإسرائيلية في المناطق الجبلية مع الأغوار، واعتبر رئيس مجلس المستوطنات (حنانئيل دورني) أن الطرق الالتفافية هي جزء لا يتجزأ من تحسين البنية التحتية للمستوطنات، كما أن وزارة المواصلات، والمالية، والأمن، ومكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، والإدارة المدنية شركاء في هذا المخطط الاستيطاني، واعتباره مفتاح إحضار مليون مستوطن آخر ودفع السيادة الإسرائيلية على المنطقة، كما سمح المستشارون القانونيون في وزارة الجيش لليهود بشراء أراض في الضفة الغربية".
صراع على الديمغرافيا
وفيما يتعلق بموضوع القدس، كما ورد في إعلان الصفقة، توقع تفكجي أن تقوم إسرائيل لاحقاً بالتخلص من نحو 145 ألف مقدسي يقطنون الآن في عدة أحياء خارج جدار الفصل العنصري ويحملون بطاقة الهوية الإسرائيلية، وإلحاقهم بمواطني الضفة الغربية، لتتولى شؤونهم السلطة الفلسطينية.
ويرى تفكجي، أن الصراع في مضمونه الحقيقي "صراع على الديمغرافيا بعد أن تم حسمه على الأرض بمصادرتها وبناء المستوطنات عليها، في حين لم تفلح حكومات الاحتلال جميعها في حسم الصراع الديمغرافي، حيث الزيادة المتعاظمة في أعداد السكان الفلسطينيين كل عام، خاصة في مدينة القدس، حيث حقق المقدسيون قفزة كبيرة في عدد السكان الإجمالي لتصل الآن إلى نحو 40%، وهو ما جعل الإسرائيليين يخططون لبرامج تقلص هذه النسبة إلى أقصى حد ممكن بحيث لا تتجاوز نسبة أعداد المقدسيين في العام 2030 الـ 12% من إجمالي عدد السكان في القدس الشرقية، التي سجلت ارتفاعا كبيرا في أعداد المستوطنين حتى وصلت نهاية العام المنصرم إلى نحو 300 ألف مستوطن يقطنون في مستوطنات أقيمت على أراض فلسطينية مصادرة".
يشار إلى أن خطة ليبرمان التي كان عرضها قبل عدة سنوات تقترح تبادلاً إقليمياً للسكان، تقوم إسرائيل بموجبه بضم جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية التي تقع في تجمعات استيطانية كبيرة بالقرب من الحدود، وتنسحب من المناطق القليلة المتبقية في عمق الأراضي الفلسطينية.
في المقابل، تنتقل التجمعات الفلسطينية العربية في إسرائيل المجاورة للضفة الغربية (الجليل الجنوبي والأوسط، والمنطقة الوسطى المعروفة باسم "المثلث"، ومنطقة البدو في الجزء الشمالي من صحراء النقب)، للسلطة الفلسطينية، من خلال إعادة رسم الحدود بين التجمعات الفلسطينية والإسرائيلية لجعلها أكثر تجانسًا (أي إعادة رسم المجتمعات العربية المجاورة لإدراجها في الأراضي الفلسطينية، بينما تتم إعادة رسم المناطق اليهودية القريبة لإدراجها في إسرائيل).
ويشير استعراض تحليلي لهذه الخطة صادر عن مركز مدار للدراسات الإسرائيلية إلى أن خطة يغئال ألون وزير العمل الإسرائيلي في حكومة رئيس الوزراء آنذاك ليفي أشكول، والتي عرضها في يوليو/تموز من عام 1967، هدفت في حينه إلى فرض تسوية إقليمية، تحت عنوان "مستقبل المناطق (الفلسطينية) وطرق معالجة مسألة اللاجئين، من خلال تحقيق ثلاثة أهداف مركزية، هي: إقامة حدود أمنية لإسرائيل بينها وبين الأردن، وقف سيطرة إسرائيل على شريحة سكانية عربية، وذلك للحفاظ على صبغة يهودية وديمقراطية للدولة، وتحقيق (الحق التاريخي) للشعب الإسرائيلي في ما يسمى (أرض إسرائيل)".
ووفقاً لذات التحليل، فقد حدد مشروع الخطة منطقة غور الأردن، من نهر الأردن وحتى المنحدرات الشرقية لجبال نابلس وجنين، لتبقى تحت السيادة الإسرائيلية، وهكذا أيضاً بالنسبة لمنطقة القدس وضواحيها ومنطقة الخليل، أما بقية أراضي الضفة الغربية فتعاد ـ حسب المقترح ـ إلى السلطة الأردنية مع فصل تام بينها، وإقامة معبر بين هذه الأراضي وبين الأردن، أما الأجزاء الأخرى من مشروع ألون فتطرقت إلى ضم قطاع غزة بأكمله إلى إسرائيل وتوطين اللاجئين خارج قطاع غزة، وإعادة سيناء إلى مصر مع الاحتفاظ بالساحل الجنوبي الشرقي لسيناء، من إيلات وحتى شرم الشيخ، تحت السيطرة الإسرائيلية.
وبالرغم من أن المشروع لم يُصادق عليه إطلاقا داخل وخارج الحكومة الإسرائيلية، لكن المتتبع للسياسة الحكومية الإسرائيلية يُلاحظ إن مخططات الحكومة الاستيطانية تجاوبت بشكل أو بآخر مع ما ورد في هذا المشروع، أقله حتى انتخابات 1977 عندما خسر حزب "العمل" قيادته للحكومة الإسرائيلية لصالح اليمين بقيادة "الليكود"، وقد دأب حزب "العمل" على إدراج "مشروع ألون" كجزء من رؤيته السياسية لحل الصراع الإسرائيلي -العربي (الفلسطيني).