أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال خطابه أمام مجلس الأمن، اليوم الثلاثاء، للرد على خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، أن السلطة لن تقبل الخطة المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"، مؤكداً أن تطبيقها سيُواجه على أرض الواقع.
وتوجه عباس في خطابه إلى الرئيس الأميركي، وقال إن "الخطة المطروحة لا يمكن أن تحقق السلام لأنها تلغي الشرعية الدولية، وتنكّرت للحقوق الدولية المشروعة للشعب الفلسطيني، وأخرجت القدس الشرقية من القيادة الفلسطينية، ولن تكون صالحة للتطبيق لرؤية دولتين ذاتي سيادة".
وركز عباس في خطابه على الخطوات التي اتخذتها قيادات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية واستمرارها بالالتزام بقرارات الدولية ومعاهدات أوسلو وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، مستعرضاً خروقات القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن التي تتضمنها الخطة الأميركية. وطالب عباس بعقد مؤتمر دولي برعاية الرباعية الدولية ومجلس الأمن وعقد المفاوضات تحت مظلة دولية وليس تحت مظلة الولايات المتحدة وحدها.
وقال عباس إن الموقف الفلسطيني الرافض للخطة الأميركية مدعم ببيانات صدرت عن الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والاتحاد الإسلامي.
ووصف عباس صفقة ترامب بأنها تخالف وبشكل صريح الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وقال إنها "ألغت حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وشرّعت ما هو غير قانوني ويشمل الاستيطان وضم الأراضي الفلسطينية". وأكد أنه "لا يمكن اعتبار الصفقة وأي جزء منها مرجعية دولية للتفاوض، لأنها صفقة أميركية استباقية جاءت لتصفية القضية الفلسطينية".
ولفت الرئيس الفلسطيني إلى أنه "يكفي لرفضها أنها تُخرج القدس الشرقية وتلغي قضية اللاجئين وسوف تؤدي حتما إلى تدمير الأسس التي قامت عليها العملية السلمية والتنصل من الاتفاقيات الموقعة لإقامة دولتين على حدود 1967"، محذرا من أن نظام الفصل العنصري الذي انتهى في العالم يتم ترسيخه في فلسطين.
وتحدث عباس عن الإسرائيليين الذين يرفضون الصفقة، بمن فيهم عدد من الضباط السابقين، وأوضح أن هناك أكثر من مائة عضو في مجلس النواب الأميركي يرفضون هذه الصفقة.
وأكد أنه جاء لبناء شراكة دولية وتحقيق سلام، مشيرا إلى أن "الصفقة الأميركية جاءت من دولة (إسرائيل) بدعم من دولة أخرى (الولايات لمتحدة) لقمع الشعب الفلسطيني".
وذكّر بعدد من المؤتمرات والاتفاقيات التي التزم بها الفلسطينيون، بما فيها مدريد وأوسلو، مؤكداً قبول السلطة الفلسطينية لأكثر من 87 قراراً للأمم المتحدة واستمرار التزامها باتفاقية أوسلو. وقال موجهاً كلامه للدول الأعضاء في مجلس الأمن "لقد التزمنا بتطبيق كل التعهدات الدولية وأصبحنا جزءا من النظام الدولي كدولة مراقبة للجمعية العامة وانضممنا لأكثر من 120 معاهدة دولية". وأضاف "لا نريد حربا وعنفا وإرهابا".
وتطرق كذلك إلى منع إسرائيل الفلسطينيين من إجراء انتخابات في القدس المحتلة.
غوتيريس قلق من التطورات
من جهته، عبّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الذي حضر الاجتماع، عن قلقه من التطورات في الشرق الأوسط، وخصوصاً فلسطين. وقال إنه يدعم الأطراف للتوصل إلى حل على أساس القانون الدولي والاتفاقيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة على أساس حدود 1967.
أما مبعوث عملية السلام للشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، فقد تحدث عن رفض عدد من الأطراف، بما فيها جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي والجانب الفلسطيني، للخطة الأميركية، وقال إن الاتحاد الأوروبي وصفها بأنها تخرج عن المعايير الدولية.
وأكد ملادينوف أن الخطوات الإسرائيلية المعلن عنها، ومنها ضمّ أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، تتعارض مع قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، مشددا على أن الطريق الوحيد للتوصل لحل بين الأطراف هو المفاوضات على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
أوروبا تنتقد الصفقة
ومعبراً عن موقف الاتحاد الأوروبي، صرح وزير الخارجية البلجيكي، فيليب غوفان، أن موقف أوروبا من الخطة الأميركية "يرتكز على حل الدولتين، إسرائيل وفلسطين، جنبا إلى جنب انطلاقا من خطوط عام 1967"، وعلى "ما يمكن أن يتوصل إليه الطرفان في ما يخص تبادل أراضي يتفقان عليه الطرفان، إسرائيل ودولة فلسطين الديمقراطية ذات السيادة والمتواصلة والقابلة للحياة، مما يؤدي إلى عيش الدولتين جنبا إلى جنب بسلام وأمن واعتراف متبادل".
وجاءت أقوال غوفان، قبل دخوله قاعة مجلس الأمن الدولي لنقاش الخطة الأميركية، وتحدث الوزير البلجيكي، الذي ترأس جلسة مجلس الأمن للشهر الحالي، باسم دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء في مجلس الأمن في دورته الحالية والسابقة، وهي ألمانيا وبلجيكا وبولندا وإستونيا وفرنسا، ووقف سفراء تلك الدول إلى جانبه أثناء قراءته البيان المشترك.
وأكد الوزير البلجيكي أن الصفقة الأميركية "تجاوزت المبادئ المتفق عليها دوليا لإحلال السلام"، موضحا أن "التوسع الاستيطاني والأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، غير قانونية". وأكد أنها غير شرعية، بحسب القانون الدولي، وتشكل عقبة في طريق السلام وإمكانية حل الدولتين، معربا عن القلق من إعلان إسرائيل نيتها ضم مناطق من الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية.
وشدد على أن "أي ضم لأي جزء من الأراضي الفلسطينية يعتبر انتهاكا للقانون الدولي وتقويضا لإمكانية حل الدولتين وتحديا لإمكانيات التوصل إلى سلام دائم وعادل وشامل".
وأكد الوزير أن "المجموعة الأوروبية وانطلاقا من إيمانها بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة فإنها لا تعترف بسيادة إسرائيل على الأراضي التي احتلتها منذ عام 1967".
وجدد استعداد أوروبا للعمل على "مساعدة الأطراف للعودة إلى طاولة المفاوضات بغية التفاوض على حل كافة مسائل الوضع النهائي بما فيها الحدود، والقدس، والأمن، وقضية اللاجئين، بغية إقامة سلام دائم وعادل وشامل"، من دون أن ينسى الدعوة إلى "ضبط النفس والابتعاد عن اتخاذ أي خطوات أحادية تنتهك القانون الدولي والعودة إلى المفاوضات والالتزام بها".
وقبل كلمة عباس، خرج آلاف الفلسطينيين في وقفة ومهرجان خطابي حاشد دعماً لموقفه ورفضاً لـ"صفقة القرن"، بحضور فصائلي ورسمي لافت.
ورفع المشاركون، الذين أتوا من كلّ محافظات الضفة الغربية استجابة لدعوة وجهتها حركة "فتح" والقوى الوطنية، أعلام فلسطين و"فتح"، ورفعوا صوراً لعباس ولافتات رافضة للصفقة، وبُثت الأغاني الوطنية الرافضة لخطة واشنطن. وهتف المشاركون ضد الصفقة، وضد الولايات المتحدة ورئيسها ترامب، وسياسة ومخططات الاحتلال الإسرائيلي.