أعلنت الحكومة المصرية، أمس الأربعاء، منح جميع العاملين بالقطاعين العام والخاص والمدارس والجامعات إجازة مدفوعة الأجر، اليوم الخميس، بحجة مرور البلاد بأحوال جوية "سيئة وغير مسبوقة"، على حد تعبير وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل.
وكانت هيئة الأرصاد الجوية قد أصدرت تحذيرات متعددة ومشددة، بثتها وسائل الإعلام الحكومية والخاصة على مدار اليومين الماضيين، تحذر المواطنين من الخروج من منازلهم، من الخميس وحتى السبت، ما يعني عطلة نهاية أسبوع طويلة بالنسبة للشارع المصري الذي لا يعرف الهدوء. وما زالت معظم الأعمال، خصوصاً المتعلقة بالقطاع الخاص، تكتفي بيوم عطلة أسبوعياً.
مصادر حكومية واسعة الاطلاع بمجلس الوزراء كشفت، لـ"العربي الجديد"، أن سوء الأحوال الجوية ليس السبب الحقيقي وراء هذه العطلة، إذ لم يسبق للدولة أن منحت الموظفين والطلاب عطلة في أوضاع جوية أكثر قسوة، لكن السبب الحقيقي هو "تجريب الوضع الاجتماعي والإعلامي تمهيداً لاتخاذ قرار بتعطيل الدراسة وبعض الأعمال والمرافق" بسبب انتشار حالات الإصابة والاشتباه بفيروس كورونا المستجد، الذي أعلنت وزارة الصحة، أمس، رسمياً زيادة عدد حامليه المكتشفين إلى 60 شخصاً، مع تحول التحاليل الخاصة بـ27 منهم من إيجابية إلى سلبية (شفاء). وأضافت المصادر أن هناك خلافاً كبيراً بين الأجهزة السيادية والأمنية والحكومية حالياً حول مسألة تعطيل الدراسة وبعض المرافق خشية حدوث انتشار كبير يصعب توقع مداه، ولا تتمكن الحكومة من اكتشافه بأدواتها وآلياتها القائمة.
وأوصت الوزارات الخدمية، على رأسها الصحة والتعليم العالي والتعليم والطيران المدني، بتعطيل الدراسة واتخاذ تدابير احترازية لعزل جميع مستشفيات الحميات والنقل الجماعي للمصابين بالأمراض المزمنة إلى مستشفيات عامة، فضلاً عن التوصية بتقليص حركة مترو الأنفاق والقطارات، وإلغاء الطيران الداخلي، على الأقل إلى حين وصول معدات الكشف المبكر المطلوبة من الصين، والتي من المقرر أن يصل عددها إلى نحو 2500 قطعة، سيتم توزيعها على المستشفيات ومراكز التجمع الرئيسية بمختلف المحافظات.
لكن هناك اعتبارات سياسية واجتماعية جعلت الأجهزة الاستخباراتية والأمنية تخشى تعطيل الدراسة وبعض المرافق، أبرزها، بحسب المصادر، الخشية من التسبب في حالة واسعة من الفزع والهلع الجماهيري، قد يترتب عليها تعطيل للمرافق الحيوية، ونقص حاد في المواد الطبية والغذائية، وغلق تلقائي غير مطلوب وغير موجه للمحال التجارية، ما يخلق وضعاً يشبه حالة الطوارئ غير المعلنة، لا يمكن إدارتها مركزياً، فتتسبب في وصول رسالة سلبية للمستثمرين وانهيار السياحة والبورصة. وأوضحت المصادر أن موجة العواصف الترابية، وسوء الأحوال الجوية المعتادة في هذا الوقت من العام، جاءت كوسيلة إنقاذ مرحلي للموقف، حيث ارتأت المخابرات العامة التذرع بسوء الطقس لمنح المواطنين والطلاب عطلة طويلة (3 أيام)، يتم استغلالها من قبل الوزارات والجهات الأمنية لتحقيق أكثر من هدف.
أول هذه الأهداف إجراء مسح شامل لجميع المستشفيات الحكومية والخاصة في المحافظات، لإنشاء قاعدة بيانات شاملة لحالات اشتباه بالإصابة بفيروس كورونا، وتكثيف جهود البحث في أماكن معيشة وحركة المخالطين للحالات المصرية التي ثبتت إصابتها بالفعل. والهدف الثاني توسيع عمليات التحاليل العشوائية في جميع الفنادق بالقاهرة وشرم الشيخ والأقصر وأسوان والغردقة، من 20 إلى 40 في المائة خلال الأيام الثلاثة المقبلة. أما الهدف الثالث، فهو تهيئة الرأي العام لمثل هذا النوع من العطلات حال الاضطرار إليه في الفترة المقبلة، مع التقليص المقصود لحالة الهلع التي من الممكن أن يتسبب بها إعلان أن كورونا هو سبب العطلة، بزعم أن السبب هو سوء الأحوال الجوية. والهدف الرابع مرتبط بالهدف الثالث، وهو قياس حالة السوق على مستوى توافر السلع الغذائية والخدمات التموينية والأدوية حال الاضطرار للتعطيل الطويل للدراسة وبعض المرافق.
وذكرت المصادر الحكومية ذاتها أنه تم إبلاغ وزارتي التعليم والتعليم العالي بعدم إعطاء أي مؤشرات صريحة عن تعطيل محتمل للدراسة، لتفادي حالة الفزع والتأكيد على أن الامتحانات ستقام في موعدها، مع إعطاء الجامعات مساحة تقديرية للضغط الدراسي الحالي وتسريع الاختبارات. وأشارت المصادر إلى أن المخابرات العامة استشارت عدداً من الجهات الحكومية والأمنية في الصين، عبر السفارة المصرية في بكين، حول الطريقة المثلى لإدارة الموقف حال انتشار الفيروس في مصر، وأنها حصلت بالفعل على بعض النصائح والتقديرات التي قد يتم استخدامها قريباً في التعامل مع تغطية وسائل الإعلام للحدث والتجمعات ووسائل المواصلات.
يذكر أن جميع حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد المكتشفة في مصر حتى الآن هي لأشخاص أجانب من السائحين والعاملين، ومصريين عائدين من الخارج، ومواطنين مصريين خالطوا تلك الفئات السابقة، ولذلك فرضت وزارة الصحة، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، حالة حجر صحي وعزل كامل على عدد من البواخر السياحية في الأقصر، التي جاورت أو عمل فيها أحد العاملين في الباخرة التي وصفت بأنها بؤرة انتشار المرض، واكتشف فيها أكثر من 50 إصابة. ورغم أن الأرقام في مصر بشكل عام مرضية، بشهادة منظمة الصحة العالمية، إلا أن هناك حالة واسعة من التشكك في الشارع بسبب انتشار أقاويل عن حالات اشتباه بالعشرات في مختلف المحافظات، ولا يتم التعامل معها بجدية بسبب ضعف الإمكانيات في المستشفيات الحكومية، فضلاً عن اعتراف وزارة الصحة بعدم امتلاكها خطة واضحة للتعامل مع حالات الانتشار الوبائي، ولجوئها إلى الحصول على قواعد العزل وتدابير الاستكشاف والتقصي من الصين، خلال زيارة قامت بها وزيرة الصحة هالة زايد إلى بكين، الأسبوع الماضي، ما عزز حالة التشكك هذه.
وتوعدت الأمانة العامة لمجلس النواب المصري جميع العاملين في البرلمان بـ"المساءلة القانونية التأديبية والجنائية"، في حال التحدث عن أي حالات مشتبه في إصابتها بفيروس كورونا المستجد على صفحاتهم الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو نشر الشائعات، أو الأخبار المغلوطة، عن انتشار العدوى، والتي من شأنها إثارة البلبلة في البلاد. وقالت، في تنبيه صوتي بثته الإذاعة الداخلية للمجلس، أمس الأربعاء، إن جميع العاملين في البرلمان ملتزمون بنص البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المختصة بالدولة، وعلى رأسها وزارة الصحة والسكان، محذرة من كتابة أي تعليقات عن فيروس كورونا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو نقل شائعات عن العدوى بأي وسيلة كانت.
من جهته، خصص مجلس الوزراء المصري بعض الأرقام على تطبيق "واتساب"، للإبلاغ عن أي "شائعات" تتعلق بفيروس كورونا المستجد، على مدار 24 ساعة، وطوال أيام الأسبوع، وذلك لاتخاذ كافة الإجراءات القانونية، بالتنسيق مع الجهات المعنية، تجاه كل من أذاع أخباراً أو بيانات كاذبة أو شائعات، تتعلق بانتشار العدوى، بهدف تكدير الأمن العام، أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة. وقال المجلس، في بيان، إنه "يلاحظ في الآونة الأخيرة انتشار الشائعات، وتناقل المعلومات المغلوطة من خلال بعض المواقع الإلكترونية، وكذا وسائل التواصل الاجتماعي، وسرعة تداولها من قِبل المواطنين"، مناشداً المصريين "عدم تداول أي بيانات أو معلومات غير صادرة عن الجهات المعنية الرسمية، وضرورة تحري الدقة والحيطة، في تداول أي بيانات أو معلومات، تفادياً للوقوع تحت طائلة المساءلة القانونية".
وفي وقت سابق، قرر الأمين العام لمجلس النواب، المستشار محمود فوزي، إعفاء جميع العاملين بالأمانة العامة للبرلمان من استخدام أجهزة البصمة لإثبات الحضور، والاكتفاء باستخدام بطاقة الدخول من بوابات المجلس، بدءاً من 11 مارس/ آذار الحالي، ولمدة أسبوعين، وذلك في إطار الإجراءات التي يتخذها المجلس للحفاظ على سلامة العاملين فيه، ومنع انتشار فيروس كورونا. وشدد فوزي، في بيان صادر عن المجلس، على ضرورة الالتزام بالإجراءات والتدابير اللازمة للحفاظ على الصحة والسلامة العامة، واتخاذ الإجراءات الوقائية التي سبق أن جهزتها الأمانة العامة للبرلمان في هذا الخصوص، إلى جانب إجراء الفحوصات اللازمة بالقطاع الطبي بالمجلس، في حال الشعور بأي من أعراض الأنفلونزا أو نزلات البرد. وأشار إلى توجيه رئيس مجلس النواب علي عبد العال، باتخاذ كافة الإجراءات الوقائية اللازمة للحفاظ على صحة أعضاء البرلمان والعاملين فيه وسلامتهم، بالتنسيق بين الأمين العام لمجلس النواب، وقطاع الطب الوقائي بوزارة الصحة، من خلال تطهير وتعقيم القاعة الرئيسية وجميع قاعات اجتماعات اللجان، والأماكن الرئيسية بالمجلس، وفقاً للمعايير المتبعة في هذا الشأن.