الحكومة التونسية والمصائب الثلاث: الإرهاب وكورونا وتجميد الأجور

10 مارس 2020
توقع الفخفاخ كلفة قاسية لـ"كورونا" (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
الحظّ ليس في صالح حكومة إلياس الفخفاخ في تونس. ثلاثة ملفات تفرض نفسها بإلحاح، وسيكون لها وقع خاص على أجندة الحكومة، وعلى الميزان الاقتصادي. يتعلق الملف الأول بفيروس "كورونا" الذي كانت آثاره قد بدأت تبرز بوضوح خلال المرحلة الأخيرة من عهد حكومة يوسف الشاهد، لكن مع تولي الفخفاخ دفّة القيادة، جرى الإعلان عن أول إصابة وردت من إيطاليا. وعلى الرغم من الإجراءات الاستباقية التي تمّ اتخاذها لصدّ الفيروس، أخذت الأجواء الداخلية في البلاد تتبدل، واستعد التونسيون لمواجهة الفيروس لمدة لن تكون قصيرة. في ضوء ذلك، توقع رئيس الحكومة أن تكون كلفة مواجهة هذا المرض قاسية، إلى درجة ستؤدي إلى أن تخسر تونس نصف نقطة نمو، حيث لن تتجاوز الواحد في المائة مع نهاية العام 2020. وإذ اعترف منذ البداية بأن ما وعد به عند توليه رئاسة الحكومة لن يتحقق، فالفرضية التي تمّ الاشتغال عليها كانت تحقيق نمو بـ1.5 في المائة، غير أنه بعد ظهور "كورونا" انخفضت التوقعات إلى حدود نقطة نمو واحدة. هذا الخبر كان وقعه سيئاً على التونسيين، الذين ظنّوا أن بلدهم سيشهد انطلاقة اقتصادية في اتجاه تصاعدي.



أما المفاجأة الثانية غير السارة، فتمثلت في التفجير الذي وقع قرب السفارة الأميركية، والذي لم يكن متوقعاً حدوثه بعد أيام قليلة من تشكيل الحكومة وشروعها في عملها. وعلى الرغم من أن العملية التي نفّذها انتحاريان لم تلحق أي أضرار بمبنى السفارة والدبلوماسيين العاملين فيها، إلا أن الجانب التونسي خسر رجل أمن يعتبر من بين الكفاءات التي تفتخر بها المؤسسة الأمنية. هذا الأمر شكّل رسالة أخرى تستوجب على الفخفاخ أن يقرأها جيداً، ومفادها أن المعركة مع الجماعات الإرهابية في تونس لم تنتهِ، وأنها مرشحة للاستمرار سنوات طوال، ما سيتطلب الزيادة في ميزانيتي الدفاع والأمن.

ظنّ الذين وقفوا وراء التخطيط لهذه العملية أن الأجواء مهيأة أمامهم، نظراً لانشغال الأطراف السياسية بالصراع حول تشكيل الحكومة، فاستغلوا ذلك وأقدموا على تهديد الأمن القومي، وإرباك المسؤولين الجدد، وإقحام البلاد في أزمة جديدة مع الولايات المتحدة مثلما حصل في مرحلة حكم الترويكا. مع ذلك، تمكنت الأجهزة الأمنية خلال السنوات الثلاث الأخيرة من إحباط عشرات العمليات التي كانت مبرمجة، وذلك من خلال عمليات استباقية فاجأت الكثير من الخلايا النائمة. وما حصل يوم الجمعة الماضي يفرض مراجعة بعض الخطط الأمنية المعتمدة. فالمنفذان لعملية البحيرة لم يكونا يقبعان في السرية أو في كهوف الجبال، وإنما كانا سجينين يقضيان عقوبة الانتماء إلى تنظيم "داعش"، وكانا معروفين لدى الشرطة المختصة. لكنهما نجحا بعد خروجهما من السجن في تنفيذ هجوم انتحاري بهذه الخطورة.

أخيراً، تجد الحكومة نفسها مضطرة لمواصلة التعامل مع صندوق النقد الدولي، على الرغم من مطالبة بعض الأحزاب الشريكة في الحكومة بتغيير سياسة الاقتراض. فتونس غير قادرة على الاستغناء عن القسط السادس من القرض المقدر بأكثر من مليار و300 مليون دينار، وهو ما جعل الفخفاخ يؤكد على أنه "في حال تجاوز موعد 20 مارس/ آذار الحالي من دون زيارة وفد صندوق النقد، فإن تونس ستخسر الكثير، لأنه لا خيار آخر لديها". وأشار في هذا السياق، إلى أن التقييم الأولي للمالية العمومية كشف عن "وجود معطيات غير مدرجة في نسبة العجز، حيث تمّ تأجيل بعض الدفعات بالنسبة للدعم". وأعلن الفخفاخ أنه "سيقول الحقيقة، ليس بهدف تحميل المسؤولية، بل لكشف الأوضاع للتونسيين، وتحديد الأولويات والتحديات". وبذلك يكون رئيس الحكومة قد استبق سلسلة الصدمات المقبلة، التي لا يملك القدرة على التخفيف منها أو إخفائها. ولذا فقد سارع إلى إعلام الرأي العام بدقة المرحلة، وتوجه بالخصوص إلى "اتحاد الشغل" الذي وصفه بـ"الشريك"، داعياً إياه إلى مناقشة برنامج إصلاح المؤسسات والتحكم في الإنفاق العمومي، الذي سيتم عرضه على البرلمان خلال شهر إبريل/ نيسان المقبل ضمن الإعداد للمخطط الخماسي قبل نهاية العام الحالي.

إن اطلاع الفخفاخ على الأرقام والمعطيات بعد توليه قيادة الحكومة جعله يشعر بخطورة المهمة التي كُلّف بها، ويدعو التونسيين إلى الاستعداد للتضحية. ولعّل أخطر ما كشف عنه "تجميد الأجور وعدم إقرار زيادات والتقليص من نفقات الدولة خلال السنوات الثلاث المقبلة"، مؤكداً أن "الحلّ المتمثل في رفع الأجور لم يعد يقنع الشعب، لأن المرفق العمومي لم يعد يرضي الشعب الذي يعتبر أنّ الخدمات باتت تتراجع".

إن ما ذكره رئيس الحكومة في أول كشفٍ لجوانب من سياسته، من شأنه أن يجعل مفاوضاته المقبلة مع "اتحاد الشغل" عسيرة ومتوترة. وعندما سئل عما سيفعل إذا رفضت النقابات خطته الاقتصادية، أجاب: "انتهى الأمر"، ما يعني أن الإصلاح لن يكون ممكناً.