ويأتي الإعلان عن استئناف محادثات أستانة بالتزامن مع زيارة مفاجئة قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للعاصمة السورية دمشق، أول من أمس الإثنين، حيث أجرى محادثات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، تناولت التطورات الأخيرة في الشمال السوري، واجتماعات الجولة المقبلة من أستانة، بحسب وكالة "سانا" الرسمية. ووصف الأسد خلال اللقاء، تدخل تركيا في سورية بـ"الاعتداء"، من خلال "احتلالها المباشر للأرض أو من خلال زيادة عدد ما تسميه نقاطاً للمراقبة، والتي هي ليست سوى قواعد عسكرية فعلياً"، بحسب قوله. واتهم الأسد تركيا بـ"عدم الالتزام بالاتفاقات التي أبرمتها، سواء في أستانة أو في سوتشي، والتي تنص جميعها على الاعتراف بسيادة ووحدة الأراضي السورية".
وقال القيادي في المعارضة السورية، العضو السابق في "هيئة التفاوض" السورية، العميد فاتح حسون، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الجولة الجديدة من محادثات أستانة تأتي "وسط متغيرات كبيرة عن الجولة السابقة، أهمها أنها ستعقد بعد قمة موسكو الأخيرة حول إدلب بين الرئيسين التركي والروسي، رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، والتي غابت عنها إيران، وما نتج عنها من اتفاق". واعتبر حسون أن ذلك الاجتماع "عزّز لدى إيران شعورها بالتهميش، وأنها غير مرغوب فيها ولا بسلوكها، وبالتالي فهي تسعى من أجل إثبات وجودها وتأثيرها بمحاولة تخريب الاتفاق، عبر الدفع بالمزيد من المليشيات الطائفية من أفغانستان وباكستان إلى أتون الحرب في سورية، تحت ذريعة أن الشهادة في الميدان أفضل من الموت بوباء كورونا، وفق ما يروّج معمموها، مستغلة جهلهم وعوزهم وعاطفتهم".
ورأى حسون أن "فيروس كورونا المنتشر بين عناصر المليشيات الإيرانية في سورية، ألقى بظلاله على بنية التحشيدات العسكرية في إدلب، حيث أعادت المليشيات الروسية تمركزها بعيداً عن تلك الإيرانية ومن معها من قوات الأسد، خشية انتقال عدوى كورونا إليها، وتوجهت لتدريب قواتها على تكتيكات تتيح تنفيذ المهام العسكرية المطلوبة دون الاختلاط بمقاتلي المليشيات الإيرانية أثناء المعارك وخارجها".
ولفت حسون إلى أنه "في الوقت ذاته، فإن تركيا والجيش الوطني السوري (التابع للمعارضة)، يحشدان مقابل الحشود الإيرانية وقوات النظام، ما قد يؤدي إلى نشوب معركة شرسة في منطقة إدلب تمزق اتفاق موسكو الأخير، وتستنزف كل الأطراف، وتشغلهم عن مواجهة جائحة كورونا"، معتبراً أن الجولة الجديدة من أستانة تستهدف "تأمين قدر من التنسيق مع إيران حول تطورات منطقة إدلب، وإشراكها في جزئيات من الاتفاق، تحاشياً لاندلاع اشتباك سيجر كل الأطراف إلى مواجهة كبيرة".
من جهته، علّق المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري، على زيارة ظريف إلى دمشق، قائلاً في تغريدة على صفحة السفارة الأميركية في دمشق إنه "إذا كانت إيران قلقة حقاً بشأن صحة وسلامة الشعب السوري، فعليها أن تدعم العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وسحب الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، والقوى الإرهابية الأخرى تحت قيادتها من سورية بالكامل". ورأى جيفري أن "مساهمات إيران الوحيدة لسورية كانت العنف وعدم الاستقرار"، داعياً نظام الأسد وحلفائه لـ"القبول بإرادة الشعب السوري، الذي يستحق العيش بسلام وتحرر من التفجيرات وهجمات الكلور، وقنابل البراميل، والاحتجاز التعسفي، والمجاعة".
وفيما تتواصل خروقات النظام السوري لاتفاق الهدنة على الأرض، توعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قوات النظام وما سماها "المنظمات المظلمة"، بعقاب شديد في حال واصلا محاولات إفشال اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب. وقال أردوغان، في خطاب له أعقب ترؤسه اجتماع الحكومة التركية مساء أول من أمس الإثنين، إن "قوات النظام السوري تسعى لاستغلال انشغال العالم وتركيا بمكافحة الوباء، لزيادة اعتداءاتها في إدلب"، مؤكداً أن "تركيا لا تزال ملتزمة بمذكرة التفاهم التي أبرمتها مع روسيا بشأن إدلب في الخامس من مارس/ آذار الماضي، لكنها في الوقت ذاته لن تتهاون حيال عدوان قوات النظام السوري"، التي توعدها بـ"دفع خسائر فادحة جداً"، في حال واصلت انتهاك وقف إطلاق النار والشروط المتعلقة به. كما أكد الرئيس التركي أنه "لن نتسامح مع المنظمات المظلمة التي تقوم بأعمال استفزازية من أجل إفشال وقف إطلاق النار في إدلب"، في إشارة إلى التنظيمات المتطرفة في إدلب.
وكانت اجتماعات الجولة الرابعة عشرة من مباحثات أستانة قد جرت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي في العاصمة الكازاخية نور سلطان، بمشاركة وفود الدول الضامنة ووفدي المعارضة ونظام اﻷسد. ودعا البيان الختامي الذي صدر عن هذه الاجتماعات إلى تنفيذ الاتفاقيات الخاصة بمحافظة إدلب، وضرورة دعم الحل السياسي في سورية وفق قرار مجلس الأمن 2254.
ميدانياً، تجدد القصف الصاروخي من قبل قوات النظام على قرى معربليت وبينين والجرادة والبارة وفليفل بريف إدلب الجنوبي. وقال مصدر في الدفاع المدني السوري لـ"العربي الجديد"، إن قوات النظام قصفت بلدة الفطيرة وحدها بأكثر من مائة صاروخ من راجمة أرضية، ما أدى إلى دمار في البلدة الواقعة بمنطقة جبل الزاوية، جنوب إدلب، مشيراً إلى أن عشرات الصواريخ والقذائف المدفعية سقطت على بلدات بينين وسفوهن كفرعويد، في وقت سابق أول من أمس، وتسببت بأضرار مادية جسيمة، من دون وقوع إصابات بشرية.